إعلان ترامب سحب القوات الأمريكية من الصومال، قد لا يقلل المخاطر على الأمريكيين بالقرن الإفريقي التي يسببها الإرهاب، بل قد يزيدها، وفقا لدبلوماسية أمريكية سابقة عملت في الصومال من قبل.
ونال إعلان وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في 4 ديسمبر/كانون الأول الجاري بشأن إعادة تموضع القوات الأمريكية في الصومال خارج البلاد إشادة من أنصار ترامب باعتباره وعداً جرى الوفاء به بإعادة الجنود الأمريكيين إلى الديار، في حين وصفه المعارضون بأنَّه تهديد للأمن القومي الأمريكي. لكنَّه ليس أيَّاً من ذلك.
وذكر البنتاغون على وجه التحديد أنَّ الخطوة "لا تمثل تغييراً في السياسة الأمريكية"، وأنَّ القوات لن تعود إلى الديار. بل سيجري إعادة نشرها في كينيا وجيبوتي القريبتين لمواصلة معركة مكافحة الإرهاب من الجو.
مخاطر إعلان ترامب سحب القوات الأمريكية من الصومال
ويمكن أن يكون تأثير خطوة سحب القوات الأمريكية من الصومال على جهود التدريب والتجهيز الحالية، التي تُركِّز على وحدة النخبة الصومالية "دناب"، مباشراً أكثر لأنَّها تتم على الأرض داخل البلاد، حسبما تقول إليزابيث شاكلفورد الدبلوماسية الأمريكية التي عملت سابقاً في الصومال، في مقال نشره موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
ولأنَّ هذا يُعَد عنصراً أساسياً في جهود الجيش لمكافحة الإرهاب بالصومال، من المستبعد أن يتخلى الجيش عنه كلياً، وبالتالي ستكون هناك فجوات يجب ملؤها. ويشارك المتعهِّدون الذين تدفع لهم الولايات المتحدة بالفعل أموالاً في برنامج التدريب ويمكن أن يتولوا المهمة، أو يمكن أن يتم ذلك من خلال عمليات انتشار مؤقتة تخرج من البلدان المجاورة.
ومن شأن استخدام أيٍ من هذين الترقيعين أن يستغرق وقتاً للتنظيم وسيكونان أقل فعالية، وأقل كفاءة، وأكثر كلفة من التدريبات القائمة حالياً بالفعل. وسيكون ذلك ثمناً مؤسفاً يُدفَع مقابل تقليص مُتكلَّف في العمليات العسكرية.
ففي غياب أي نية حقيقية لتقليص النشاط الجوي الأمريكي، الذي زاد كثيراً تحت قيادة ترامب، من المستبعد أن تجعل هذه الخطوة الأمريكيين أكثر أو أقل أمناً. فالنشاط العسكري المتواصل في الصومال هو ما يجعل الأمريكيين هدفاً لحركة الشباب في المقام الأول.
المشكلة أنه انسحاب غير مخطط
ولهذا تقول الكاتبة "ناديتُ بانسحاب ذكي ومدروس، ولكن مُخطَّط له ليكون على مدى فترة سنوات، وليس انسحاباً غير مُخطَّط خلال أسابيع. لكن مع استمرار حرب الطائرات دون طيار من الدول المجاورة، فإنَّ الخطوة المظهرية من ترامب لن تُقلِّص هذا الخطر".
مع ذلك، تُعَد المخاوف بشأن استقرار الصومال عقب الخروج الأمريكي المتعجِّل مشروعة.
ولكن شكل الخطوة وحده يُضعِف موقف الحكومة الصومالية في وقتٍ هش سياسياً في ظل التخطيط لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ديسمبر/كانون الأول وفبراير/شباط.
وفي حين أنَّ إصلاح كل الدول الهشة في العالم ليس مسؤولية أمريكا، فإنَّنا لا ينبغي بالتأكيد أن نلحق بها الأذى من خلال أعمال متهورة لتحقيق أهداف سياسية رخيصة، كإعلان سحب القوات الأمريكية من الصومال.
باختصار إنَّها خطوة خرقاء وربما مكلفة يمكن أن تلحق الضرر بالصومال في حين لا تقدم للولايات المتحدة أي فائدة، حسب الكاتبة.
وقالت "يجب أن يجري تقليص القوات قريباً ويتبعه انسحاب مخطط له، لكنَّ الانسحاب الكامل المتعجِّل وسط عملية انتقال رئاسي في الولايات المتحدة هي حل سيئ لمشكلة حقيقية. ويبدو تقريباً أنَّه مُصمَّم من أجل الفشل".
كيف يمكن أن يعالج بايدن الموقف؟
لكنَّ ذلك لا يعني أنَّ الرئيس المنتخب جو بايدن لا يمكنه تحويل الخطوة إلى فرصة. فلم يكن من المحتمل أبداً أن يكون الصومال أولوية عليا للإدارة الجديدة، لأنَّ الأمريكيين لا يعلمون أو يكترثون كثيراً بما يفعله الجيش الأمريكي هناك، لكنَّ هذا التطور قد يرفع مرتبته ضمن قائمة القرارات. قد يكون الرد الأبسط هو التراجع عن القرار، وطمأنة شريك مهم في مكافحة الإرهاب بأنَّ الولايات المتحدة ما تزال معه.
لكنَّ إعادة إدخال القوات إلى منطقة قتالية في بداية عهد إدارة جديدة ليس مظهراً جيداً لرئيس وعد بإنهاء الحروب التي لا تنتهي. وبدلاً من السماح لترامب بليّ ذراع الرئيس المنتخب، ينبغي أن يغتنم بايدن اللحظة ويحوِّل القرار بشأن إعادة نشر قوات الجيش في هذا المسرح بالتحديد من عدمه إلى الكونغرس، مُستخدِماً منطقة الحرب الصغيرة هذه من أجل وضع حد فاصل.
ففي نهاية المطاف، تندرج العمليات العسكرية الأمريكية في الصومال تحت قانون "تفويض استخدام القوة العسكرية" لعام 2001، وهي واحدة من عشرات العمليات التي شُنَّت في ظل تفويضٍ تجاوز تطبيقه المعقول قبل زمن طويل.
إنَّ الرحيل الفوضوي ليس خطأ بايدن، لكنَّه سيتحمَّل مسؤولية عودة القوات، ما لم يختر خلاف ذلك. ومن المنتظر أن يقع الضرر الناجم عن الانسحاب المتعجِّل قبل أن يتولي بايدن الرئاسة. ولا يجب أن يشعر بأنَّه مضطر ليكون الشخص الذي يتعجَّل لإيجاد حل مؤقت لقرار ترامب سحب القوات الأمريكية من الصومال.
وعقب رئيس خارج عن السيطرة تعامل باستهتار مع التهديدات والعمليات العسكرية، فإن أي أرضية يمكن أن تكون أفضل للانطلاق من إعادة الشعور بالضوابط والتوازنات إلى العمليات العسكرية الأمريكية من خلال إحالتها إلى الكونغرس. ومع أنَّه كان من الصعب قول ذلك في السنوات الأخيرة، إلا أنَّ الكونغرس هو صاحب صلاحيات الحرب على أي حال.