ماذا يريد الأوروبيون من بايدن؟ سيصبح هذا السؤال محوراً للقمة الأوروبية المقرر عقدها اليوم، والتي ستصبح العلاقة بين أمريكا بقيادة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن والاتحاد الأوروبي مطروحة على جدول أعمالها.
إذ يخطط قادة أوروبا لاستغلال القمة التي تنطلق اليوم الخميس، 10 ديسمبر/كانون الأول، للاتفاق على استراتيجية جديدة شاملة لإعادة بناء العلاقات المُتأزِّمة مع الولايات المتحدة عقب 4 سنوات من نهج "فرِق تسُد" الذي اتبعه الرئيس ترامب.
وما بين إعادة بناء الاتفاق النووي الإيراني إلى مكافحة الجائحة إلى معالجة تغيّر المناخ، يتدافع الأوروبيون لاغتنام اللحظة مع الزعيم الأمريكي القادم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
بايدن والاتحاد الأوروبي فرصة لن تعوَّض
نظراً لعمر جو بايدن وتاريخه، يعتقد الكثيرون أنه سيكون مهتماً بالتعاون مع أوروبا أكثر من أي رئيس أمريكي في المستقبل المنظور، ديمقراطياً كان أم جمهورياً.
وفي هذا السياق، قالت روزا بلفور، رئيسة مكتب مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في بروكسل: "هناك شعور بأنَّ هذه هي الفرصة الأخيرة"، بالنظر إلى احتمال استعادة أحد حلفاء ترامب السيطرة على البيت الأبيض في عام 2024.
لكن القادة على جانبي المحيط الأطلنطي يحذرون من أنَّ بعض عوامل الاضطراب في سنوات ترامب ستظل قائمة، وأنَّ التصدعات الأخرى قد تظل مفتوحة؛ خاصة ما يتعلق منها بما قد يكون أكبر تحدٍّ في السياسة الخارجية لرئاسة بايدن، وهي بكين التي تزداد عدوانية وتوسعية. وتختلف الدول الأوروبية في ما بينها اختلافاً حاداً حول الطريقة التي يجب بها إدارة العلاقات مع الصين.
إضافة إلى أنَّ ألمانيا، الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان والأقوى في أوروبا اقتصادياً لديها أقرب علاقة تجارية مع بكين.
فالسؤال لم يعد فقط ماذا يريد الأوروبيون من بايدن؟، بل إن هناك نقطة مهمة في العلاقة القادمة بين بايدن والاتحاد الأوروبي تتعلق بماذا يريد الرئيس الأمريكي الجديد من أوروبا في ظل عدم قدرته على إلغاء إرث ترامب تماماً في العديد من القضايا.
ماكرون يريد الابتعاد عن أمريكا
المشكلة أنَّ القادة الأوروبيين عَلِقوا في جدال داخلي حول مدى الاستقلال عن الولايات المتحدة الذي ينبغي أن يسعوا لتحقيقه، وهو هدف يستمر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الضغط لصالحه، برغم معارضة ألمانيا وآخرين.
وعقب نقاش وزراء الخارجية الأوروبيين حول استراتيجية عبر الأطلسي في اجتماع في بروكسل هذا الأسبوع، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: "يجب أن نكون قادرين على العمل متعدد الأطراف عند الحاجة. وهذا هو ما نفضله، لكن يجب أن تكون أوروبا أيضاً قادرة على التصرف باستقلالية عندما يتعين ذلك؛ من أجل تعزيز مصالحنا وقيمنا والدفاع عنها دفاعاً أكثر فعالية".
وكثيراً ما كان ترامب يضع أوروبا في مرمى النيران؛ إذ أعلنَّ أن الاتحاد الأوروبي "ألد أعدائه" في قضايا التجارة، وانتقد ألمانيا وآخرون على الفشل في تلبية التعهدات لحلف الناتو في ما يتعلق بمستوى الإنفاق الدفاعي. وعلى عكس الرئيس باراك أوباما، الذي أعلن قبل استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" في يونيو/حزيران 2016، عن رغبته في بقاء بريطانيا داخل الاتحاد، كان ترامب متلهفاً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقد يكون دور أوروبا الآن حان لإحباط أحلام ترامب، إلا أنَّ العديد من صانعي السياسة حذرون بشأن مدى استمرارية المتنفس الذي نالوه من ترامب وسياساته.
ماذا يريد الأوروبيون من بايدن؟
تتوافق العديد من تعهدات بايدن بدقة مع أولويات الاتحاد الأوروبي. وأصدرت المفوضية الأوروبية بالفعل ورقة استراتيجية تُفصِّل قائمة طويلة من القضايا التي تأمل في معالجتها مع إدارة بايدن.
إذ يريد الأوروبيون عودة الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية واستعادة دورها الريادي في الجهود العالمية لمكافحة الجائحة، وهو ما قال بايدن إنه سيحدث منذ اليوم الأول في المنصب.
ويرغبون أيضاً في انضمام واشنطن مجدداً إلى اتفاقية باريس للمناخ، وهي خطة أخرى تستتبعها إدارة بايدن منذ يومها الأول.
إلى جانب أنهم يضعون الأساس لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وسيجتمعون الأسبوع المقبل في فيينا لدعوة الولايات المتحدة رسمياً للانضمام إلى الاتفاق بعد انسحاب ترامب منها.
السيارات الألمانية في قلب الخلافات التجارية الأطلسية
في مجال العلاقات التجارية ماذا يريد الأوروبيون من بايدن؟
ويأمل الأوروبيون أن يلغي بايدن رسوم ترامب الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم، وأن يتبنى نهجاً أكثر تصالح تجاه قضايا التجارة.
بالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن العجز التجاري الكبير للولايات المتحدة الأمريكية مع ألمانيا والبالغ 52.5 مليار يورو، هو دليل على وجود علاقات تجارية غير متكافئة بين البلدين. وندد ترامب بهذا الوضع.
وتعد صادرات السيارات الألمانية الفارهة مثل مرسيدس وبي إم دبليو في قلب الخلافات التجارية الأطلسية.
وهدد الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته في أكثر من مناسبة بفرض تعريفة جمركية على واردات بلاده من السيارات الأوروبية.
وكان بيتر نافارو، أحد كبار مستشاري التجارة في إدارة ترامب يعتقد أن حصة شركات صناعة السيارات الأمريكية السوقية سرقت في السوق المحلية جراء استيراد أعداد كبيرة من السيارات الأوروبية، في حين تقلصت عدد السيارات الأمريكية التي تباع في ألمانيا على سبيل المثال.
وفي عام 2017 تم بيع حوالي 1.35 مليون سيارة ألمانية جديدة في الولايات المتحدة، بزيادة قدرها 1%، وفقاً للرابطة الألمانية لصناعة السيارات. وواصلت مبيعات السيارات الألمانية في الولايات المتحدة الارتفاع قبل جائحة كورونا.
هل يتكيف الأوروبيون مع طلبات أمريكا بشأن الناتو؟
وفي حلف الناتو، أصدرت مجموعة من الاستراتيجيين عبر الأطلسي خطة كبرى الأسبوع الماضي لإصلاح التحالف على مدار العقد المقبل ليصبح أكثر تكيفاً مع مواجهة التهديدات من الصين، وهو تحوُّل من شأنه أن يجعله أكثر انسجاماً مع الهواجس الأمنية الأمريكية.
وقال أنتوني غاردنر، الذي كان سفيراً للولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي في عهد أوباما ومستشاراً لحملة بايدن بشأن قضايا أوروبا: "إنه أمر رائع ومخيف، لأننا إذا أفسدنا هذه الفرصة، فسيكون ذلك مؤلماً للغاية".
لكن غاردنر قال إنَّ بعض أكبر القضايا -بما في ذلك الصين- قد تكون شائكة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّ أوروبا نفسها لا تزال منقسمة في ما بينها.
إذ يبدو أن هناك حادجة قبل إجابة سؤال ماذا يريد الأوروبيون من بايدن؟ أن يحدد الأوروبيون أولوياتهم.
وقالت روزا بلفور: "إذا لم تتمكن أوروبا من حل هذه الخلافات في الداخل، فمن الصعب للغاية أن تقترح على الولايات المتحدة خطة استباقية".
يجلب بايدن معه تاريخاً طويلاً من العلاقات مع أوروبا، أولاً من خلال رئاسته الطويلة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ثم بعد ذلك نائباً للرئيس، عندما أُوفِد كثيراً إلى جميع أنحاء العالم لحل القضايا الشائكة في الشؤون الدولية.
وهذا سلاح ذو حدين بالنسبة لأوروبا؛ بالنظر إلى أنَّ غضب ترامب من ضعف مشاركة أوروبا في قضايا الأمن العالمي كان إلى حد كبير إعادة صياغة جمهورية غير دبلوماسية لإحباطات منذ سنوات أوباما.
فعلى سبيل المثال، عندما التقى بايدن، بصفته نائباً للرئيس أوباما، مع الرئيس الإيطالي آنذاك جورجيو نابوليتانو، بعد فترة وجيزة من الربيع العربي، اشتكى من أنَّ الولايات المتحدة تقف بمفردها ضد الرئيس السوري بشار الأسد في حربه الدموية في بلده، وفقاً لمستشار نابوليتانو.
وتعاني الدول الأوروبية من انقسامات عميقة بما يكفي لدرجة أنها قد تكافح لتكون شريكاً قوياً للولايات المتحدة في جميع أولويات واشنطن. وفي قمة القادة، يومي الخميس والجمعة، 10 و11 ديسمبر/كانون الأول، ستناقش هذه الدول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعلاقتها المضطربة مع تركيا، ومعركتها المريرة مع المجر وبولندا حول قضايا سيادة القانون.
وستكون العلاقات مع واشنطن واحداً من الملفات القليلة المُتوافَق عليها.