زيارة قائد الجيش الهندي التاريخية للسعودية والإمارات مؤشر على التقارب مع نيودلهي على حساب قضية كشمير وتزايد الضغوط على باكستان، فما أسباب الاندفاع السعودي لاحتضان الهند؟
موقع Middle East Eye البريطاني نشر تقريراً بعنوان: "باكستان والمملكة السعودية: لماذا لن توقف كشمير اندفاع الرياض لاحتضان الهند"، تناول كواليس العلاقات بين السعودية والهند من جهة والموقف من قضية كشمير من جهة أخرى.
قرار "سري" من منظمة التعاون الإسلامي بشأن كشمير
أعلنت الحكومة الباكستانية، الشهر الماضي، نوفمبر/تشرين الثاني، انتصارها في القمة السنوية لمنظمة التعاون الإسلامي في النيجر، قائلةً إن الكتلة الإسلامية المُكوَّنة من 57 عضواً أيَّدَت قراراً يدين الهند بسبب إلغاء وضع كشمير شبه المستقل.
وفي بيانٍ صدر في اليوم الأخير من القمة، 28 نوفمبر/تشرين الثاني، قالت وزارة الخارجية الباكستانية إن دول منظمة التعاون الإسلامي وافقت بالإجماع على إعادة تأكيد "دعمها القوي لقضية كشمير".
رفض القرار "الإجراءات غير القانونية وأحادية الجانب من قِبَلِ الهند"، لأنها ألغت المادة 370 من دستورها، والتي منحت المنطقة المُتنازَع عليها دستورها الخاص والحقَّ في سنِّ قوانينها الخاصة.
وشدَّدَ البيان على أن قضية كشمير ذات أهميةٍ قصوى بالنسبة للأمة الإسلامية، ووَصَفَ حلَّ النزاع بأنه "لا غنى عنه لتحقيق حلم السلام في جنوب آسيا".
لكن القرار لم يُنشَر أو يُعمَّم من جانب منظمة التعاون الإسلامي نفسها، وجاء بعد شكاوى من وزير الخارجية الباسكتاني سيد محمود قريشي قبل القمة من أن قضية كشمير لم تُدرَج على جدول الأعمال الرسمي لاجتماع القمة.
زيارة قائد الجيش الهندي
وبينما ردَّت الهند على منظمة التعاون الإسلامي وباكستان، مُتَّهِمةً الأولى بـ"الانغماس في دعايةٍ مُناهِضةٍ للهند" بناءً على طلب الأخيرة، لا يبدو أن العاصفة الدبلوماسية قد عطَّلَت مساعي نيودلهي لتعميق العلاقات مع دول الخليج المؤثِّرة.
بدأ قائد الجيش الهندي، الجنرال مانوج موكوند نارافاني، الثلاثاء 8 ديسمبر/كانون الأول، رحلةً دبلوماسية تستغرق أربعة أيام إلى الإمارات والسعودية، في أول زيارةٍ من نوعها إلى المنطقة من قِبَلِ قائدٍ عسكري هندي.
وقال الجيش الهندي في تغريدةٍ على منصة تويتر إن الزيارة "تهدف إلى زيادة تعزيز التعاون الاستراتيجي والدفاعي بين البلدين"، وتأتي زيارة نارافاني في أعقاب التعليقات الأخيرة التي أدلى بها سفير المملكة السعودية في الهند، محمد الساطي، والتي قال فيها إن البلدين يوسِّعان شراكةً أمنيةً ودفاعيةً وأجريا تدريباتٍ بحريةً مشتركة.
ورغم ذلك، قال طاهر محمود أشرفي، الممثِّل الخاص الذي يقدِّم المشورة لرئيس وزراء باكستان، عمران خان، بشأن الوئام الديني، لموقع Middle East Eye البريطاني، إن دعم المملكة السعودية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لباكستان بشأن كشمير كان حقيقياً.
وقال أشرفي: "يروِّج أعداءٌ مثل الهند أن باكستان لا تدعم كشمير في العالم الإسلامي، لكن هذا التطوُّر (قرار منظمة التعاون الإسلامي) يشير إلى علاقاتٍ قويةٍ للغاية مع المملكة السعودية والإمارات. ولقد تحدَّثَ وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، عن قضية كشمير خلال اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي".
لكن ممثِّلاً لإحدى الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي أعرب عن إحباطه، في حديثه إلى الموقع البريطاني، من أن باكستان أثارت قضية كشمير في القمة، واتَّهَمَ إسلام أباد باستخدام القضية لصرف الأنظار عن مشاكلها الداخلية رغم عدم وجود احتمالٍ لأيِّ تحرُّكٍ دولي مُنسَّق لحلِّ المشكلة.
وكان التركيز الرئيسي للاجتماع هو التأكيد على خطر الإرهاب وضرورة محاربة التطرُّف، ومع ذلك، فإن ضغط باكستان على كشمير يحرف حقاً العديد من القضايا التي يواجهونها على الجبهة الداخلية والتي يفضِّلون تجاهلها.
لم تكن قمة منظمة التعاون الإسلامي هي المرة الأولى التي تحاول فيها باكستان حشد الدعم الإسلامي لإسلام أباد ضد الهند بشأن كشمير. ففي أغسطس/آب، اتَّهَمَ قريشي منظمة التعاون الإسلامي، التي تتَّخِذ من مكة مقراً لها، بـ"التباطؤ في كشمير"، بسبب عدم دعوتها لعقد اجتماعٍ لوزراء الخارجية، وحثَّ المملكة السعودية على "إظهار القيادة بشأن هذه القضية".
وفسَّرَت العديد من الدوائر الحكومية الباكستانية تعليقات قريشي وعدم تراجعه عنها كجزءٍ من مسعى وزير الخارجية للدفع نحو علاقات أوثق مع إيران.
وقال مصدرٌ في وزارة الخارجية لموقع Middle East Eye: "يعتقد كثيرون أن هذا المنحى الذي يقوده قريشي قد وافِقَ عليه عمران خان والجيش".
ووفقاً لبيرفيز هودبهوي، الفيزيائي والناشط الباكستاني البارز، فقد تبنَّت السعودية موقفاً غامضاً مُتعمَّداً بشأن كشمير يسمح لها بمغازلة الهند بينما تستخدم اعتماد باكستان الاقتصادي على المملكة لإبقائها متماشيةً معها حتى أثناء توتُّر العلاقات.
وقال: "لا تمثِّل كشمير قضيةً بالنسبة للسعودية. إنهم يعارضون ذلك، وهم يتعاملون مع القضية من موضعٍ يفهمه الهنود، ومن المفترض أن يفهموه. لقد نجح السعوديون في حساب قدر الغموض هنا، ويريدون منع باكستان من التحرُّك نحو معسكر تركيا وإيران وماليزيا".
تهديدٌ على تأشيرات العمال المهاجرين
أخبَرَ هودبهوي موقع Middle East Eye أن نقطة ضعف أخرى في إسلام أباد تتمثَّل في العدد الكبير من العمال المهاجرين الباكستانيين العاملين في المملكة السعودية، خاصةً بعد تعليق الإمارات، الشهر الماضي نوفمبر/تشرين الثاني، إصدار تأشيرات العمل للمواطنين الباكستانيين والمواطنين من 12 دولة أخرى ذات أغلبية مسلمة.
وقال: "بالنظر إلى الانكماش الاقتصادي في الشرق الأوسط، هناك دائماً خطرٌ من أن يتوقَّف توظيف هؤلاء المواطنين أو يتباطأ أو ينعكس تماماً إلى التسريح من العمل، مِمَّا يعني إعادتهم إلى وطنهم. لا يمكن لباكستان أن تتحمَّل نفس الموقف مع الإمارات، إذ سيتسبَّب بأزمةٍ ماليةٍ كبيرة في باكستان، وسيلقي العائدون اللوم على الحكومة".
صَدَمَ حظر التأشيرات الإماراتي، الذي تَرَكَ حوالي 250 ألف عامل باكستاني في مواجهة مستقبل غامض، الكثيرين في الحكومة الذين افترضوا أنه سيتم التوصُّل إلى تفاهمٍ بين البلدين. لكن منتقدي الحكومة اتَّهَموا المسؤولين بالتخاذل عن الاعتراف بتحوُّل دول الخليج نحو الهند.
ومن شأن أيِّ قيودٍ مفروضة على حقِّ الباكستانيين في العمل في المملكة السعودية أن تولِّد عواقب وخيمة على أعدادٍ كبيرة من ضباط الجيش الباكستانيين المتقاعدين.
قال هودبهوي: "لقد نَظَرَ الجيش إلى المملكة السعودية باعتبارها بلداً يمكنهم فيه الحصول على تقاعدهم والعمل لمدة عقد أو عقدين آخرين".
وقلّلَ أشرفي، مستشار عمران خان الخاص في الوئام الديني، من أهمية حظر التأشيرات في الإمارات، واصفاً إياه بـ"الخلل الدبلوماسي". وقال: "تم التوصُّل إلى تفاهمٍ بين ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ووزير الباكستانيين في الخارج سيد ذوالفقار عباس بخاري. وسيُرفَع الحظر في غضون أسبوعين". ولم ترد وزارة الخارجية الباكستانية على طلبات التعليق.
ضغط التطبيع مع إسرائيل
يرى كثيرون أن خان رَبَطَ نضال كشمير بالنضال الفلسطيني، وأن الجمهور الباكستاني لم يقبل ذلك. قال هودبهوي: "هناك ضغطٌ هائل على باكستان من الدول العربية (لتطبيع العلاقات مع إسرائيل)". وأضاف: "لكن الأمر برمته يتعلَّق بالتوقيت. لو كان هذا قد حَدَثَ قبل 25 عاماً، لصار الوضع مختلفاً الآن. لكن الواقع الآن في فلسطين هو الضم والاستيطان. هذا يعني مكافأة السلوك السيئ. يجب أن تقاوم باكستان الضغط".
وقال أشرفي إنه لا يعتقد أن السعودية ستتبع حلفاءها الخليجيين -الإمارات والبحرين- وتعترف بإسرائيل. وأضاف: "أستطيع أن أقول لكم بوضوح إن السعودية لن تقبل إسرائيل. لقد تحدَّثت إلى كثيرين داخل البلاد وهذا غير ممكن. هذه قضية أمة مسلمة، وقد أشار وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان إلى أنه يريد موقفاً واضحاً إزاء فلسطين.
لكن مايكل كوغلمان، مُحلِّل شؤون جنوب شرق آسيا في مركز أبحاث ويلسون في واشنطن، قال إن تعميق العلاقات بين السعودية والهند يشكِّل "عقبةً متعاظمة" أمام باكستان مع المملكة.
وأضاف: "لنكن واضحين، هذا لم يحدث بين عشيةٍ وضحاها. كان ذلك منذ ما يقرب من عامين عندما دعت منظمة التعاون الإسلامي التي تهيمن عليها السعودية الهند لحضور أحد اجتماعاتها كضيفٍ خاص". وقال: "لقد بعث ذلك رسالةً قويةً، ومن الواضح أنها لم تكن جيِّدةً في إسلام أباد".