يبدو أن إحياء الاتفاق النووي الإيراني ليس أمراً سهلاً على القادة الإيرانيين ولا على الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، وقد ينتهي الأمر إلى التفاوض على صفقة نووية جديدة.
ومن المتوقع أن يُدلِي الرئيس الأمريكي المُنتَخَب جو بايدن ببيان سياسي مُفصَّل بشأن الشرق الأوسط في الأسابيع التي تلي تنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني 2021.
ويُمكِن أن تُشكِّل مبادرة "صفقة كبرى" جديدة من إيران في الوقت المناسب، خاصة في الأسابيع التي تلي ذلك، سياسة بايدن لتصب في مصلحة البلدين، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
كيف بدأ الاتفاق النووي الإيراني؟
في 4 مايو/أيار 2003، استكشفت إيران إمكانية التقارب مع الولايات المتحدة من خلال المبادرة بعرض إعادة التفاوض حول علاقتهما الثنائية. وهذه المبادرة الجريئة، التي أفيد بأنها حدثت بموافقة المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي والرئيس المعتدل محمد خاتمي، وبمساهمة كبيرة من سفير إيران لدى الأمم المتحدة ووزير الخارجية الآن جواد ظريف، وضعت جميع القضايا الرئيسية على طاولة المفاوضات: الملف النووي الإيراني، وتطوير الصواريخ وأنشطتها الإقليمية. ومع ذلك، لم تشمل المبادرة أية تفاصيل حول مدى قابلية التفاوض على كل قضية.
ومع ذلك، رفض المحافظون الجدد في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش المبادرة لسبب أساسي وهو: "نحن لا نتفاوض مع الإرهابيين". وعلى الرغم من أن رد الفعل لم يكن مفاجأة، أصيب الإيرانيون بخيبة أمل من الرفض.
وخيَّم على العلاقات الثنائية خلال الأعوام الـ 17 التي أعقبت رفض "الصفقة الكبرى" انعدام الثقة والتوتر المتبادل العميق بسبب السياسات العدائية القوية للرئيسين بوش ودونالد ترامب، والرئيس الإيراني المحافظ محمود أحمدي نجاد.
لكن شهدت فترة السنوات الأربع من 2013 إلى 2017، التي تصادف فيها حكم الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني، علاقة أكثر عملية سهَّلت إنهاء المفاوضات وتنفيذ الاتفاقية النووية المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.
إحياء الاتفاق النووي الإيراني أم صفقة نووية جديدة؟
ويقدم انتخاب بايدن فرصة مناسبة لإيران لعرض صفقة كبرى جديدة على الولايات المتحدة. فالتوقيت مهم.
وقدمت طهران لبايدن عرضاً قبل توليه منصب الرئاسة والإعلان عن سياسته في الشرق الأوسط.
وإذا كان هذا العرض واسع النطاق مثل العرض الذي قُدِم في عام 2003، فقد يُسهِم إسهاماً بارزاً في تشكيل سياسة الولايات المتحدة بما يصب في صالح الأمن الشامل لكلا البلدين والمنطقة.
ويمكن لإيران، في الواقع، تعزيز موقفها والبناء على النوايا الحسنة السابقة من خلال تضمين الاستعداد للإفراج عن المزيد من المعتقلين الأجانب، مثل الأكاديمية الأسترالية كايلي مور جيلبرت، لكن ليس بالضرورة ربط جميع نقاط المبادرة بمقايضة الأسرى.
ومن الأهمية بمكان أن يجلس الجانبان إلى طاولة المفاوضات وفي ذهن كلٍّ منهما فهم واضح للمصالح الاستراتيجية للطرفين، وتفاهم متبادل لما يعنيه "الأمن" و"الاستقرار" في سياق إقليمي، وما هو قابل للتفاوض وما لا يمكن التفاوض عليه.
اعتراضات من المتشددين من الجانبين، ولكن هناك عوامل مسهلة
وستواجه المفاوضات، بما في ذلك تلك المرتبطة بخطة العمل الشاملة المشتركة، وبالأخص تلك التي تسعى إلى رفع العقوبات المتعلقة بأنشطة إيران الإقليمية، رياحاً معاكسة قوية من أصحاب المصلحة المحليين والأجانب المختلفين.
وكان اغتيال كبير العلماء النوويين الإيرانيين محسن فخري زادة، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، وفقاً لصحيفة The New York Times الأمريكية، من تدبير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبدعم من ترامب؛ لتقويض أي تقارب بين إيران والولايات المتحدة. ومن ثم، ستمثل مواصلة التقارب، خاصة إذا حدثت استفزازات متطرفة أخرى، تحدياً لكلا الجانبين.
بيد أنَّ المفاوضات لن تنطلق من بداية باردة. إذ يعرف كل من روحاني وظريف، بايدن شخصياً منذ كان نائب رئيس أوباما، وبالنسبة لظريف من قبل ذلك بكثير. ويعرف ظريف أيضاً جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي المُعيَّن لبايدن.
ونظراً لأنَّ روحاني لا يمكنه السعي لإعادة انتخابه في منتصف عام 2021، فمن غير المرجح أن يكون ظريف وزيراً للخارجية بعد ذلك؛ لذا لديهما سبعة أشهر حد أقصى لإحراز تقدم في أي صفقة، بل في الواقع أقل من ذلك. ومن غير المعروف من سيخلف أياً من الرجلين، لكن إحراز تقدم ملموس في وقت مبكر، يوفر الإغاثة الاقتصادية لإيران، قد يكون له تأثير فيمن سيُنتخَب ليحل محل روحاني والشكل المحتمل للمفاوضات المستقبلية.
دوافع إيران للقبول بالشروط المتوقعة
وهناك أسباب اقتصادية وسياسية مقنعة تدفع إيران لتقديم العرض. فمن الأولويات الحاسمة، إنعاش الاقتصاد الإيراني، وخاصة استئناف التجارة الدولية بما في ذلك مبيعات النفط. ويتمثل الطريق الأساسي نحو ذلك في محاولة مبكرة من بايدن للانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة بشروط يتفق عليها الجانبان.
ومن شأن هذا السماح برفع عقوبات الأمم المتحدة التي أعاد ترامب فرضها. ومع ذلك، قد يجعل بايدن الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة مشروطاً بفرض قيود على تطوير إيران للصواريخ الباليستية ذات القدرة النووية. وعلى الرغم من تداعيات اغتيال فخري زادة، فإنَّ كل شيء ممكن إذا التزم الجانبان، وقد أظهرت إيران بالفعل دلالات على ذلك.
أما الأسباب السياسية لهذا العرض، فذات شقين. الأول هو توقع الجمهور الإيراني متنفساً اقتصادياً تقدمياً بعد تولي بايدن منصبه. ولن ينطبق استعدادهم العام للمعاناة والوقوف إلى جانب الحكومة ضد حملة "الضغط الأقصى" التي يشنها ترامب على بايدن، خاصةً إذا كان يُنظَر إلى هذه الإغاثة الاقتصادية على أنها احتمال واقعي. ولا يمكن للحكومة الإيرانية، والمتشددين في النظام على وجه الخصوص، تجاهل هذا التوقع، أي سيصعب على المسؤولين الإيرانيين إنجاز صفقة معقولة من بايدن.
ويتمثل السبب الثاني في فرصة إيران للخروج من العزلة والتأكد من أنَّ مبادرتها متوافقة مع سياسة بايدن التي تعمل على تعزيز الاستقرار والأمن الإقليميين. ويمكن للسياسة ذات الصلة أن تجمع بين مبادرة روحاني للسلام مع مبادرات أمريكية أو إقليمية أخرى، بما في ذلك اتفاقيات "إبراهام" الأخيرة التي أدت للتطبيع بين البحرين والإمارات مع إسرائيل.
وبالنسبة لبايدن، الذي صرَّح بأنَّ رئاسته ستمثل عودة الولايات المتحدة إلى القيادة العالمية، فلا تمثل معالجة العلاقات مع إيران وإحراز تقدم فيها سوى تحدٍ رئيسي واحد. وبالنظر إلى الانقسامات العميقة في إيران، سيكون ذلك أيضاً اختباراً لقيادة خامنئي، وسيشكل إرثه.
كيف يمكن لإيران أن تعلن عن "صفقة كبرى" جديدة للولايات المتحدة وأصحاب المصلحة الإقليميين وغيرهم، وللشعب الإيراني نفسه؟ أولاً، يجب أن تحصل على ضمان غير رسمي بموافقة بايدن من حيث المبدأ من خلال القنوات الخلفية الحالية. ويجب بعد ذلك الإعلان عن المبادرة، ربما من خلال خطاب مهم للجمهور المحلي والأجنبي يعيد تأكيد التزام إيران بأمن شعبها ورفاهيته، ويعيد تأكيد التزام القيادة بتحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين، ويؤكد على استعداد طهران للعمل مع بايدن والآخرين لتحقيق هذا الهدف.
ولا بد أن يكون خامنئي هو من يدلي بمثل هذا الخطاب، حتى يُنظَر إليه على أنه التزام وطني دائم ينطبق على أي شخص يُنتَخَب في منتصف عام 2021 ليكون الرئيس المقبل لإيران.