محاولة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب تغيير نتيجة الانتخابات لصالحه سراب لا طائل من ورائه، فلماذا يواصل مزاعمه بشأن التزوير وقدرته على البقاء فترة ثانية؟ الأمر سيئ بالنسبة لأمريكا، لكنه يجني الأموال لصالح ترامب، بحسب موقع أمريكي.
ماذا ينتظر ترامب من التمسك بمزاعم التزوير؟
ما يقوم به ترامب من رفض الاعتراف بهزيمته في الانتخابات لصالح الرئيس المنتخب جو بايدن واستمراره في ترديد المزاعم بشأن تزوير الانتخابات وصل لمرحلة حيرت الجميع، خصوصاً بعد أن تم رفض جميع الدعاوى القضائية التي رفعها في الولايات المتأرجحة واعتماد مجالس تلك الولايات لنتائج الانتخابات رسمياً.
وكان كثير من المراقبين يتوقعون أنه بعد تصريحات النائب العام الأمريكي وحليف ترامب المخلص ويليام بار، بأن وزارة العدل التي يرأسها بار لم تجد دليلاً على حدوث وقائع تزوير يمكنها أن تؤدي إلى تغيير نتائج الانتخابات، سيعلن ترامب استسلامه للنتيجة، خصوصاً بعد تلميحاته بأنه ينوي الترشح للرئاسة عام 2024.
لكن الذي حدث هو العكس تماماً، حيث نشر ترامب مقطع فيديو طويلاً عبر حساباته الرسمية على فيسبوك وتويتر مساء الثلاثاء، 2 ديسمبر/ كانون الأول، أي بعد شهر من يوم الانتخابات، بدأه بوصف ما سيقوله بأنه "قد يكون أهم حديث أدلى به على الإطلاق"، وكرر نفس مزاعمه بشأن "عملية التزوير الممنهجة وغير المسبوقة للانتخابات".
ما يردده ترامب بشأن تزوير الانتخابات وكيف أنه فاز بها لا يوجد عليه أدلة ولم يعد له محل من الإعراب بعد رفض تلك الدعاوى أمام محاكم الولايات المختلفة بدرجاتها المتنوعة، وهو ما جعل وصول أي من تلك الدعاوى القضائية للمحكمة العليا في البلاد احتمالاً ضعيفاً للغاية، والآن وقد اعتمدت الولايات نتائج الانتخابات رسمياً انتظاراً للمجمع الانتخابي المفترض أن ينعقد خلال أيام قليلة، لم تعد هناك فرصة لأن تحدث مفاجآت، بحسب جميع المراقبين جمهوريين وديمقراطيين، فلماذا يستمر ترامب في مناشدة أنصاره مساعدته على قلب النتيجة؟
فبعد أن تم رفض جميع الدعاوى التي رفعها فريق ترامب القانوني برئاسة رودي جولياني في بنسلفانيا وحسمت أصوات الولاية لبايدن، خاطب الرئيس المنتهية ولايته أنصاره هناك عبر الهاتف قائلاً: "هذه الانتخابات تم تزويرها"، مضيفاً: "إنّها انتخابات فُزنا بها بسهولة، على نطاق واسع"، وقال: "علينا أن نقلب نتيجة الانتخابات. إنّها لحظة مهمة في تاريخ بلدنا. وأنتم تقدمون خدمة بالغة الأهمية لبلدنا".
وكان لافتاً أن ذلك الحديث الحماسي جاء بعد إعلان ترامب نفسه بدء المرحلة الانتقالية لتسليم السلطة إلى الإدارة الجديدة، حيث كتب على تويتر: "من أجل مصلحة بلدي، أوصي بأن تقوم إميلي ميرفي من وكالة الخدمات العامة وفريقها بما يجب القيام به فيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية، وقد طلبت من فريقي أن يفعل الشيء نفسه".
170 مليون دولار تبرعات في أقل من شهر
لكن يبدو أن تمسك ترامب بموقفه لأطول فترة ممكنة يجني له الأموال، بحسب تقرير لموقع Vox الأمريكي بعنوان "كيف تفسر إيميلات ترامب الخادعة لجمع التبرعات ورفضه التسليم بالهزيمة".
فقد أرسلت حملة ترامب حوالي 500 بريد إلكتروني لأنصاره بعد يوم الانتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، طالبة منهم التبرع من أجل الدفاع عن نتيجة الانتخابات وكشف التزوير المزعوم، ونتج عن تلك الحملة جمع تبرعات تخطت أكثر من 170 مليون دولار خلال أقل من شهر.
وحتى تتضح الصورة أكثر، كان أكبر مبلغ من التبرعات جمعه حساب حملة ترامب في شهر هو 81 مليون دولار، وذلك في سبتمبر/أيلول 2020، ويرجع سبب الزيادة القياسية في التبرعات بعد الانتخابات إلى التلميحات الخادعة في صياغة الإيميلات كي توحي بأن التبرعات تستخدم لتمويل حملة ترامب القانونية لتحدي نتائج الانتخابات، بينما تظهر القراءة الدقيقة لمحتوى تلك الإيميلات أن أموال التبرعات تستخدم في أمور مثل سداد ديون الحملة الانتخابية وتمويل ترامب بعد الانتخابات، بحسب التقرير.
ولن يكون صعباً على ترامب أن يحصل لنفسه على جزء من تلك التبرعات من خلال اللجنة السياسية التي شكلها كجزء من حملته الانتخابية: "بينما لا يمكن لترامب أن يقتطع لنفسه مبلغاً مالياً ضخماً من تلك التبرعات، يمكنه أن يستخدمها لتأجير قاعة في منتجعه الفاخر مار ألاجو مقابل مبلغ هائل بغرض إلقاء خطاب، وهذا أمر قانوني تماماً"، بحسب ما قاله غوردان ليبويتز مدير الاتصالات في مؤسسة مواطنون من أجل الأخلاقيات والمسؤولية في واشنطن لموقع Vox.
تبرعات لمؤسسة غير موجودة
أنصار ترامب بالطبع لن يصدقوا أياً من هذه المعطيات التي رصدها تقرير الموقع، رغم وجود أدلة على كل معلومة فيه، لأن الإيميلات التي ترسلها لهم حملة ترامب والتي بلغت نحو نصف مليون بعد يوم الانتخابات وهو عكس ما يحدث عادة في أي انتخابات، حيث تقلل الحملة الانتخابية من تواصلها مع الناخبين أو تنهي هذا التواصل من الأساس.
وعلى سبيل المثال، ركز بريد إلكتروني مرسل يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني، على أهمية جمع التبرعات لتمويل الدعاوى القانونية التي يرفعها فريق الدفاع الخاص بترامب بغرض كشف عمليات التزوير والتلاعب في الانتخابات، ومن ثم قلب النتيجة لصالح الرئيس الجمهوري.
"الرئيس ترامب يكافح للدفاع عن نزاهة هذه الانتخابات، لكنه لا يستطيع أن يخوض المعركة وحيداً. إنه يحتاج منك أن تهب وتلحق به عن طريق التبرع لصندوق الدفاع عن الانتخابات. هذا أمر مهم جداً لأنه يقدم لك الفرصة لكي تزيد من تأثيرك بنسبة 1000%"، بحسب الإيميل المرسل من الحملة لأنصار ترامب في ذلك اليوم.
لكن توجد مشكلة في هذا الإيميل: لا يوجد شيء اسمه "صندوق الدفاع عن الانتخابات"، لكن التبرعات التي يتم جمعها لهذا الغرض تصل لحساب لجنة القيادة السياسية التي أنشأها ترامب وتحدث عنها ليبويتز، وهو ما يعني خداعاً وتضليلاً للمتبرعين بالإيحاء أن تبرعاتهم موجهة لغرض ما بينما الأموال تذهب لغرض آخر.
وملخص التقرير هو أنه بينما يجب على الرئيس المنتهية ولايته أن يقر بهزيمته ويجهز أنصاره نفسياً لحقيقة أن بايدن هو الرئيس رقم 46 للولايات المتحدة الأمريكية استعداداً للتنصيب يوم 20 يناير/كانون الثاني، فإن ترامب يواصل ترديد مزاعم تزوير الانتخابات وطلب المزيد من التبرعات من أنصاره لأطول فترة ممكنة.
ويقول ليبويتز: "أعتقد أن السؤال هنا هو إذا ما كان ما يفعله ترامب مجرد محاولة امتصاص أخيرة لكل دولار يستطيع انتزاعه من جيوب أنصاره قبل الرحيل، أم أن أنصاره قد أقنعوا أنفسهم بالفعل بأنه سوف يجد طريقة ما أو تعويذة ما تجعله يستمر في منصبه كرئيس، وهو ما يجعلهم يواصلون التبرع له بالأموال".