رغم إعلان رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، سيطرة الجيش على عاصمة إقليم تيغراي قبل أيام، فإن مجريات الأحداث تشير إلى توجه البلاد نحو حرب عصابات طويلة الأمد.
تعتيم إعلامي وتقارير متضاربة من تيغراي
أعلن آبي أحمد، قبل أيام، عن نجاح الهجوم الحاسم للجيش الإثيوبي في السيطرة على ميكيلي عاصمة إقليم تيغراي، لكن لا تزال هناك تقارير عن اشتباكات بين قوات آبي أحمد وقوات "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، وفي ظل قطع الاتصالات عن الإقليم ومنع الدخول إليه بشكل تام، من الصعب تأكيد ما يقوله أي من الطرفين المتصارعين.
كان القتال بين القوات الفيدرالية الحكومية من جانب والموالين للحزب الحاكم في تيغراي على الجانب الآخر، قد اندلع يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني، واستمر ما يقرب من شهر وأدى إلى مقتل المئات، من مقاتلين ومدنيين، وأجبر الآلاف على الفرار من منازلهم، وأبدت القوى الإقليمية والدولية قلقها المتزايد، لأن العنف الدائر يهدد استقرار واحدة من أكثر المناطق هشاشةً وعرضةً للتفكك في إفريقيا.
وقال خبراء لـ"رويترز"، الثلاثاء 1 ديسمبر/كانون الأول، إن تلك المواجهة ربما تتحول إلى حرب عصابات رغم إعلان القوات الاتحادية النصر بعد سيطرتها على عاصمة الإقليم مطلع الأسبوع.
حرب عصابات طويلة الأمد
ويُعتقد أن القتال، الذي اندلع في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، أودى بحياة الآلاف وأدى إلى تدفق موجة من اللاجئين على السودان، وجرّ إريتريا إلى الصراع، وفاقم الجوع والمعاناة بين سكان تيغراي، الذين يربو عددهم على خمسة ملايين نسمة.
فلا تزال التقارير ترِد بشأن اشتباكات بين القوات الفيدرالية وقوات جبهة تحرير تيغراي، ورغم إعلان القوات الاتحادية سيطرتها خلال ساعات على ميكيلي، السبت الماضي، فإن قادة الجبهة قد فروا إلى التلال وقالوا إنهم يقاومون ويأسرون جنوداً.
وقال دبرصيون جبرمكئيل، زعيم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، في رسالة نصية إلى "رويترز"، رداً على سؤال عن القتال المستمر في الإقليم: "نعم، على ثلاثة اتجاهات. اثنان حول ميكيلي.. وواحد على بُعد 50 كيلومتراً"، ولم تصدر الحكومة رداً، ولم يتسنَّ لـ"رويترز" التحقق من مزاعم الطرفين.
كما لا يزال إرسال قناتين تلفزيونيتين تبثان من الإقليم مستمراً، إحداهما هي قناة "ديمتسي ووياني"، أي "صوت الثورة"، التابعة للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. لكن من غير الواضح من أين تبثان، وحتى الآن لم تنشر وسائل الإعلام التابعة للحكومة أي صور من عاصمة الإقليم.
وقال موظف إغاثة بالأمم المتحدة على تواصل مع سكان في تيغراي، إن مناطق كبيرة ما زالت خارج سيطرة القوات الاتحادية، وإن القتال ما زال دائراً على عدة جبهات، مضيفاً أن التنسيق مع العاملين في الإغاثة ما يزال ضعيفاً إلى الآن.
من جانبه، أوضح رشيد عبدي، الخبير في شؤون القرن الإفريقي، بمنتدى عبر الإنترنت: "هناك مناوشات في أجزاء كثيرة من تيغراي، ونرى بصمات بداية تمرد". وأضاف: "تشير التضاريس والجغرافيا والتاريخ إلى أن هذا (التمرد) سيكون طويل الأمد".
ويتهم آبي أحمد، الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بالخيانة، خاصة بعد هجومها على قاعدة للجيش، فيما يقول سكان تيغراي، إن آبي أحمد، رفيق السلاح السابق الذي كان شريكهم في الحكومة، يريد الهيمنة على جماعتهم العرقية من أجل سلطته الشخصية، ويسخر كل طرف من اتهامات الطرف الآخر.
الطبيعة الجبلية وخبرة القتال
الطبيعة الجغرافية التي يتميز بها إقليم تيغراي من جبال وغابات، تجعل سيطرة الجيش الاتحادي على الإقليم صعبة في حد ذاتها، خصوصاً أن سكان الإقليم الذين يبلغ تعدادهم أكثر من خمسة ملايين نسمة، يرون في آبي أحمد خائناً لهم يريد فرض سيطرته عليهم، وهو ينتمي إلى قومية الأورومو.
كما يتمتع قادة تيغراي ومقاتلوهم بخبرات عريضة اكتسبوها من سنوات المعارضة المسلحة لحكم الديكتاتور مانغستو هيلا ماريام الذي تمت الإطاحة به عام 1991، إضافة إلى الحرب مع إريتريا التي استمرت طوال عقدين على فترات متقطعة، وكانت قومية تيغراي المقوّم الأساسي في الائتلاف الذي حكم البلاد على مدى العقود الثلاثة الماضية.
هذه العناصر تجعل من طموحات آبي أحمد في إحكام سيطرته على الإقليم المتمرد أمراً غير محسوم، كما أن تدخُّل دول إقليمية أخرى في الصراع مثل إريتريا وكذلك الإمارات– وكلتاهما تدعم رئيس الوزراء الحائز جائزة- نوبل يزيد من صعوبة استسلام سكان الإقليم، وكلها أمور تنذر بسيناريو حرب العصابات الذي يحذّر منه الخبراء.