لا تزال كواليس لقاء رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان تمثل مادة دسمة للتحليل، ويكشف تقرير إسرائيلي عن رغبة الحاكم الفعلي للمملكة في الاستفادة من خبرات الشركات الإسرائيلية لتنويع اقتصاد بلاده من خلال الإسراع بالتطبيع.
صحيفة Haaretz الإسرائيلية نشرت تقريراً بعنوان: "في خضم اضطرابات سوق النفط، قد تستهدف السعودية الشركات الإسرائيلية وخبراتها"، ألقى الضوء على مجالات التعاون بين السعودية وإسرائيل في المجالات الاقتصادية في الفترة المقبلة.
تلقى الاقتصاد السعودي ضربةً مزدوجةً من فيروس كورونا. في البداية، تأثرت البلاد محلياً، مثل أي دولة أخرى في العالم. وبعد ذلك، ضربت الجائحة مصدر الدخل الرئيسي للمملكة: النفط.
أسباب التقارب السعودي – الإسرائيلي
ذكرت تقارير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد يوسي كوهين زار كلاهما السعودية لعقد لقاء مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو. تأتي هذه الخطوة التاريخية بعد أن توصلت إسرائيل لعقد اتفاقيات تطبيع العلاقات مع البحرين والإمارات المجاورتين للسعودية، وذلك من خلال وساطة أمريكية. لكن السعودية كانت في وضع ومستوى آخر.
في حديثها مع صحيفة TheMarker العبرية، قالت الدكتورة ميشال يار، الخبيرة في شؤون دول الخليج لدى جامعة بن غوريون والجامعة المفتوحة في إسرائيل: "ينبع التغير الجذري في سياسة السعودية تجاه إسرائيل من مجموعة من الأسباب: القوة المتنامية للعدو الإيراني، والتوتر بين القادة السعوديين وبين إدارة أوباما، ما أدى إلى استيعابٍ مفاده أن السعوديين لا يمكنهم الاعتماد على الأمريكيين للدفاع عنهم ضد إيران، وتراجع أهمية القضية الفلسطينية، والاشمئزاز من سلوك القيادة الفلسطينية".
وتذكر أن السبب الأخير يرتبط باختلاف الأجيال؛ إذ إن ولي العهد لم يحيا في عصر كانت الرواية المهيمنة يستعر خلالها البغض والكراهية الموجهان إلى إسرائيل. وتقول: "إنه يدرك أن الولاء للفلسطينيين يعرض أمن المملكة للخطر، ويعترف بالأهمية الهائلة للعلاقات مع إسرائيل. فهو جزء من جيل شاب ينظر إلى إسرائيل نظرة أكثر براغماتية".
وأوضحت: "بلا أدنى شك أي معاهدة سلام ستجلب مكاسب اقتصادية هائلة إلى إسرائيل؛ لأنها ستتيح وجود نشاط اقتصادي موسع بين إسرائيل والشركات السعودية. ثمة مدى واسع من مجالات التعاون الاقتصادي الممكنة"، وذلك في إشارة إلى القدرات السيبرانية، والمياه، والزراعة، والسياحة.
اقتصادات آخذة في الانكماش
ما الذي يمكن للاقتصاد السعودي والاقتصاد الإسرائيلي أن يقدمه كل منهما إلى الآخر؟ سجل الناتج المحلي الإجمالي للسعودية نمواً بنسبة 1.2% في الربع الثالث من العام، مقارنة بالربع الثاني من نفس العام، استناداً إلى البيانات الصادرة عن الحكومة السعودية هذا الشهر. غير أن هذا يسجل تراجعاً بنسبة 4.2% في الناتج المحلي الإجمالي عن نفس الربع من عام 2019.
ولا يختلف هذا كثيراً عما حدث مع الاقتصادات الكبرى، مثل ألمانيا التي تقلص الناتج المحلي الإجمالي فيها بنسبة 4.2% عن العام الماضي، أو فرنسا التي شهدت تقلصاً بنسبة 4.3%، بجانب أنه يعد أفضل من إحصاءات الناتج المحلي الإجمالي لإسبانيا وإيطاليا واليابان، التي تقلصت جميعها بنسب تتراوح بين 4.7% و 8.7% عن العام الماضي.
خلال الربع الثاني من هذا العام، شهدت سوق النفط واحدة من أسوأ الاضطرابات التي مرّت عليها على الإطلاق، إذ هبطت أسعار النفط لأقل من الصفر لأول مرة في التاريخ.
وفي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، خفضت مؤسسة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني تنبؤاتها الائتمانية للسعودية بنسبة سالبة مع نظرة مستقبلية مستقرة، وتركت تصنيفها الائتماني عند المستوى A. ذكرت المؤسسة في تفسيرها للقرار: "مراجعة الآفاق المتعلقة بالتصنيف الافتراضي لمصدر العملة المحلية (IDR) للسعودية تعكس الضعف المستمر في ميزانياتها المالية والخارجية، وهو ما تسارع بفعل فيروس كورونا وأسعار النفط المنخفضة، برغم الالتزام القوي من جانب الحكومة بضبط الأوضاع المالية العامة".
وتتنبأ مؤسسة فيتش بزيادة عجز موازنة السعودية بنسبة 12.8% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2020 -أي ما يعادل 90 مليون دولار- بعد أن كان 4.5% في العام الماضي. وذكرت في تقريرها: "يعكس هذا انخفاضاً بنسبة 33% في إيرادات النفط، وانخفاضاً بنسبة 5% من الإيرادات غير النفطية، وزيادة في الإنفاق بنسبة 1%، مقارنة بالعام الماضي".
بيد أن مؤسسة التصنيفات الائتمانية ذكرت أن الأرباح الاستثنائية للاستثمارات الحكومية سوف تساعد في دعم الميزان المالي للسعودية. ومع قدوم عام 2021، تتوقع أن عجز الموازنة السعودية سوف يكون 8% من الناتج المحلي الإجمالي، ثم يقل إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2022، ويأتي هذا مع افتراض تعافي أسعار خام برنت ووصولها إلى 50 دولاراً للبرميل في هذين العامين، ووصول الإنتاج اليومي إلى 9.7 مليون برميل (إذا قصلت مجموعة أوبك بلس خفض حصصها من الإنتاج).
التخلص من الاعتماد على النفط
ليس أمام السعودية خيار آخر غير الاستمرار في محاولة تنويع الاقتصاد، وتقول الدكتورة ميشال: "بالتأكيد أرجأ فيروس كورونا هذا التحول، وأثّر تأثيراً سيئاً على إيرادات النفط. ولذا فإن السعودية تعمل على قدم وساق لتطوير مصادر دخل أخرى، مثل السياحة. تستهدف البلاد ليس فقط السياح الدينيين، بل والسياح الغربيين كذلك. وفي هذا المنحى، أطلقت فعاليات ثقافية خلال الأعوام القليلة الماضية، مثل الحفلة الموسيقية في يناير/كانون الثاني. فضلاً عن أن السعودية تعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية التي كانت سوف تتيح تطوير مشروعات مختلفة في إطار مشروع رؤية 2030. لا شك أن اقتصاد السعودية لا يزال معتمداً على النفط".
فهل يملك السعوديون سبباً للاستثمار في إسرائيل؟ تجيب الدكتورة ميشال قائلة: "أشك أن إسرائيل هي التي سوف تستثمر في السعودية. أعتقد أن الأرجح أن السعوديين هم من سوف يستثمرون في الشركات الإسرائيلية".
وتضيف: "عليكم أن تتذكروا أن إسرائيل والسعودية يتشاركان في التحديات التي لا تقتصر على الجانب الأمني، بل وكذلك في قضايا أخرى لا تقل أهمية: مثل شح المياه، والتغير المناخي، والزراعة في المناخ الصحراوي، وغيرها. حققت إسرائيل نجاحات استثنائية في هذه المجالات، لذا فإن السعوديين مهتمون للغاية بالتكنولوجيا والمعرفة والعلوم الإسرائيلية. بل والأكثر من ذلك أن القدرات السيبرانية لدى إسرائيل تجذب مزيداً من الاهتمام داخل المملكة".
الضرب بعصا ضريبة القيمة المضافة
أُجبرت السعودية على اتخاذ إجراءات قاسية لتعويض نقص الإيرادات بسبب تراجع أسعار النفط والطلب عليه. تضمنت هذه الإجراءات فرض الضرائب، التي لم يسبق أن اضطر السعوديون لدفعها من قبل، بما فيها ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة.
في يوليو/تموز، رفعت السعودية نسبة ضريبة القيمة المضافة ثلاثة أضعاف، لتصل إلى 15%، في محاولة إلى زيادة إيرادات الحكومة. ويعتقد خبراء الاقتصاد في المنطقة أن الطلب المكبوت سوف ينشط مرة أخرى بعد الوصول إلى لقاح لفيروس كورونا وبعد أن يتوقف تأثير الفيروس على الاقتصاد العالمي. وفي ظل مثل هذا السيناريو، سوف تستمتع السعودية بدفعة ما، ولكن في الوقت الراهن، تعوض الزيادة في ضريبة القيمة المضافة جزءاً من تعافي الربع الثالث من هذا العام.
أعلن وزير المالية السعودية محمد الجدعان، يوم الاثنين 23 نوفمبر/تشرين الثاني، أن الزيادة على ضريبة القيمة المضافة لن تُلغى في المدى المتوسط والقصير، بسبب قيمتها المرتفعة في الاقتصاد السعودي. وفي حديثه خلال اجتماع افتراضي مع ممثلين عن مجموعة العشرين، ذكر الجدعان أن القرار كان صعباً لكنه ضروري من أجل الاقتصاد.
ومن المقرر أن تكشف السعودية في العام القادم عن مناطق اقتصادية خاصة في عديد من المجالات، في إطار جهود جذب الاستثمارات الرأسمالية الكثيفة والاستثمارات في النمو النوعي، وذلك حسبما أوضح وزير الطاقة السعودي خالد الفالح. تتضمن هذه المجالات الحوسبة، والطاقة المتجددة، والسياحة، والثقافة، والترفيه، واللوجستيات. ووفقاً لبيانات وزارة الطاقة السعودية، زاد الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية بنسبة 12% في النصف الأول من العام مقارنة بنفس المدة من عام 2019.