من الناحية النظرية فإن الإمارات عرضة لعقوبات أمريكية بسبب سوريا وتحديداً جراء دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
ففي يونيو/حزيران عام 2020، أدخلت الحكومة الأمريكية قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا حيز التنفيذ، وهذا القانون يفرض عقوبات شاملة على نظام الأسد وداعميه.
وتعد الإمارات أبرز حليف عربي لبشار الأسد، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
فهل تصبح الإمارات عرضة لعقوبات أمريكية بسبب سوريا بعد تولي بايدن السلطة وانتهاء مرحلة دونالد ترامب التي كان تتمتع فيها أبوظبي بحصانة استثنائية.
وتستهدف هذه العقوبات، وهي أقسى عقوبات فرضتها واشنطن على نظام الأسد، كيانات أو أفراداً متورطين في أي أنشطة داخل قطاعات الاقتصاد السوري التي تهيمن عليها الحكومة، مثل البنوك والجيش والغاز والنفط والبناء والهندسة.
وحتى الآن، كان التأثير الرئيسي لقانون قيصر إثناء المستثمرين الأجانب عن المساهمة في خطط إعادة الإعمار الإيرانية والروسية في سوريا.
وقانون قيصر لا يستهدف بشكل مباشر أي من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. غير أن الآثار اللاحقة لهذه العقوبات الأمريكية قد يضعف اهتمام الإمارات المتنامي بالقضية السورية.
نهج الإمارات بعد عام 2011.. التحالف مع التابع الأهم لإيران
أثار صعود الجماعات الإسلامية في تونس ومصر في أعقاب الثورتين اللتين أطاحتا النظامين في كلا البلدين انزعاج ولي عهد أبوظبي والزعيم الفعلي لدولة الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان. واعتبر محمد بن زايد الثورات التي اندلعت عام 2011 وصعود الجماعات الإسلامية وخاصة المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين تهديداً كبيراً لجميع الحكام القدامى في الشرق الأوسط، بمن فيهم هو نفسه، واستقرار الوضع الإقليمي الراهن.
ودفع انتشار الجماعات الإسلامية المعارضة داخل سوريا صناع القرار في الإمارات إلى الحد من عمليات نقل الأسلحة إلى قوات المعارضة.
وبين عامي 2012 و2013، منحت الإمارات حق اللجوء لعضوات بارزات في عائلة الأسد مثل بشرى الأسد، شقيقة الرئيس السوري، ووالدته أنيسة مخلوف. وباختصار، كان تولِّي الإسلاميين السنيين الحكم يقلق الإمارات أكثر من بقاء حكومة الأسد التابعة لإيران وتستند إلى الأقلية العلوية.
معارضة الإخوان وأردوغان في أي مكان وبأي ثمن
من المؤكد أن تراجع حدة موقف أبوظبي العدائي من الحكومة السورية في الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد يؤتي ثماره الآن في ظل تركيز الإمارات على معارضة سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخارجية، والجماعات التابعة للإخوان المسلمين المدعومة من أنقرة. وفعلاً، كانت عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين أبوظبي ودمشق بعد إعادة فتح السفارة الإماراتية في العاصمة السورية عام 2018 جزء من خطة محمد بن زايد لإعادة سوريا الأسد إلى الصف العربي في محاولة لتشكيل جبهة من الدول العربية تتحد ضد تركيا.
وحقيقة أن النظام السوري أقرب حليف عربي لإيران تُظهر استعداد أبوظبي أيضاً للتعاون مع طهران ومعارضة أنقرة في المجالات التي يكون فيها ذلك ممكناً.
الأسد يحتاج أموال أبوظبي
ليس بمقدرة الداعمين الخارجيين الرئيسيين للأسد، روسيا وإيران، تمويل مشاريع إعادة الإعمار باهظة التكلفة في الوقت الحالي.
وفي ظل هذه الظروف، قد يكون لتدخل الإمارات مادياً في سوريا وجهودها للتوسط بين دمشق والممولين الآخرين المحتملين في دول مجلس التعاون الخليجي بعداً دبلوماسياً مهماً من شأنه تعزيز الشراكة بين أبوظبي وموسكو في الشؤون الإقليمية الأخرى، مثل ليبيا، حيث تخوض روسيا والإمارات حرباً بالوكالة على تركيا.
وقد تجلى استعداد كل من أبوظبي وموسكو لتعزيز التنسيق بينهما في زيارة مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسي، سيرغي ناريشكينر، في فبراير/شباط عام 2020 إلى الإمارات.
والآن أصبحت الإمارات عرضة لعقوبات أمريكية بسبب سوريا
كانت الإمارات ودول الخليج الأخرى، في تاريخها الحديث، في صف السياسة الخارجية الأمريكية إلى حد كبير. وفي الواقع، لا تزال أبوظبي تعتبر واشنطن أهم شريك دولي لها. وهكذا، فإن احتمالية فرض عقوبات أمريكية مرتبطة بقانون قيصر تهدد بمزيج سلبي من الخسائر الاقتصادية والتحديات السياسية من شأنه إثناء الإمارات عن المزيد من النشاطات المحتملة في سوريا.
ويمكن القول إن استعداد الإمارات للتعاون مع النظام السوري رغم هذه التداعيات السلبية المحتملة، خاصة إغضاب واشنطن، يوضح مدى حرص محمد بن زايد على تعزيز جبهة مناهضة لتركيا.
وفي الوقت الحالي، قد يمثل انتقال السلطة المضطرب الذي أعقب فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 فرصة مهمة لأبوظبي لمواصلة خططها المتعلقة بسوريا وتحاشي رقابة البيت الأبيض. وبإمكان الإمارات أيضاً الاعتماد على حقيقة أنها فازت مؤخراً بدعم الحزبين في المؤسسة السياسية في واشنطن نتيجة لاتفاقات إبراهيم التي وقعتها مع إسرائيل.
غير أنه من المتوقع، اعتباراً من يناير/كانون الثاني عام 2021 فصاعداً، أن تظل إدارة بايدن متمسكة بتنفيذ قانون قيصر ومبدأ معاقبة الأنظمة العدائية المسؤولة عن انتهاكات جسيمة وواضحة لحقوق الإنسان، وهو ما يفرض على أبوظبي السعي إلى تحقيق توازن مُعقَّد بين رغبتها في إعادة تأهيل دمشق وحاجتها إلى الحفاظ على علاقات سياسية وثيقة مع واشنطن.