يُنظر إلى فعالية قمة "مجموعة العشرين" السنوية على أنها الحدث الأبرز والأهم على صعيد الاقتصاد العالمي، وهي بمثابة منتدى رئيسي للتعاون الاقتصادي الدولي، حيث تضم قادةً من جميع قارات العالم، يمثلون دولاً متقدمة وأخرى نامية، يجتمعون لمناقشة القضايا المالية الاجتماعية والاقتصادية.
وتأتي أهمية هذه المجموعة من كون الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، مجتمعةً، تحوز حوالي 80% من الناتج الاقتصادي العالمي، ويعيش في دولها ثُلثا سكان العالم، وتستحوذ على ثلاثة أرباع حجم التجارة العالمية.
وبما أن السعودية تتسلم هذا العام رئاسة المجموعة، فمن المقرر أن تستضيف المملكة "افتراضياً" قمة مجموعة العشرين يومي 21 و22 نوفمبر/تشرين الثاني، وسط دعوات من منظمات دولية وأعضاء في الكونغرس الأمريكي بمقاطعة القمة، إذ كانت المملكة قد تسلمت رئاسة المجموعة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 لمدة عام، بعد انتهاء القمة السابقة التي عُقدت في اليابان.
ووفقاً لبيانات رسمية وتصريحات لمسؤولين سعوديين، فإن القمة "الافتراضية" ستناقش على مدى يومي انعقادها برئاسة الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز ملفات أساسية منها: بحث آليات إفاقة الاقتصاد العالمي، وتحقيق تعافي الأسواق، وتعزيز النظام التجاري الدولي.
بالإضافة إلى ما يتعلق بتوفير اللقاحات ضد فيروس كورونا لجميع الدول بشكل عادل، ووضع خطط لمواجهة أي جوائح مستقبلية، كما ستناقش تحديات الأمن الغذائي وإدارة المياه وتغيرات المناخ، وقضايا أخرى تتعلق بالمرأة والشباب ومكافحة الفساد وغير ذلك.
انتقادات ودعوات للمقاطعة تسبق القمة
تواجه السعودية انتقادات واسعة من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، ومن برلمانيين أوروبيين وأعضاء في الكونغرس الأمريكي، يعتقدون أنها ليست مؤهلةً لاستضافة حدثٍ عالمي مهم كهذا الحدث، في ظل سِجلها الحافل بالانتهاكات، سواء في الحرب في اليمن أو حملات الاعتقال لنساء وقادة رأي وناشطين في مجال حقوق الإنسان، إلى جانب ما يتعلق بقضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول قبل عامين، ومسؤولية ولي العهد محمد بن سلمان المباشرة بتوجيه أمر الاغتيال.
ومؤخراً حثَّ 45 عضواً في الكونغرس الأمريكي في رسالةٍ مفتوحة، إدارةَ الرئيس دونالد ترامب على عدم المشاركة في قمة مجموعة العشرين بالرياض "ما لم تتخذ السعودية فوراً إجراءات لتحسين سِجلّها في مجال حقوق الإنسان".
كما تحدَّثت رسالة أعضاء الكونغرس عن وجوب مقاطعة هذه القمة "ما لم يتم حل التوترات بشأن مقتل خاشقجي والصراع في اليمن".
الرسالة الموجهة لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تحدّثت عن أنه "يتعيّن على الولايات المتحدة الانسحاب من قمّة مجموعة العشرين، ما لم تقم السعودية بتغييرات جذرية في سجلها السيّئ في مجال حقوق الإنسان".
مقاطعة وخفض التمثيل
جاءت رسالة أعضاء الكونغرس بعد أيام من توقيع 65 نائباً أوربياً خطاباً طالبوا فيه الاتحاد الأوروبي بعدم المشاركة في قمة الرياض "أو على الأقلّ بخفض تمثيله في القمّة، معلّلين طلبهم بأنّ "انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان تُرتكب" في المملكة.
وأعربت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن أسفها لعقد هذه القمة، لأنّه "في الوقت الذي تتعرّض فيه النساء الشجاعات للتعذيب بسبب أنشطتهن السلمية، فإنّ الحكومة السعودية تسعى لتأكيد نفسها على الساحة الدولية كقوة إصلاحية".
ودعت المنظمة دول "مجموعة العشرين" إلى الضغط على السعودية للإفراج عن جميع المعتقلين بصورة غير قانونية، وتوفير المساءلة عن "الانتهاكات الجسيمة"، والسماح لهيئة دولية مستقلة بالتحقيق في مقتل جمال خاشقجي، وذلك قبل القمة الافتراضية للمجموعة.
وتعتقد "رايتس ووتش" أن مجموعة العشرين تُعزز جهود الدعاية الممولة جيداً للحكومة السعودية لتصوير البلاد على أنها "إصلاحية"، رغم الزيادة الكبيرة في القمع منذ عام 2017.
مسؤولون وبرلمانيون أوروبيون وأمريكيون يقاطعون
وأطلقت الكثير من الدعوات لمقاطعة القمة من مسؤولين كبار وبرلمانيين في دول عدة. وأعلن عمدة نيويورك، بيل دي بلازيو، مقاطعته المشاركة في قمة المدن الكبرى التي تُعقد افتراضياً على هامش قمة المجموعة، ودعا زملاء له في مدن أخرى من العالم إلى مقاطعة القمة.
وبحسب وسائل إعلام غربية فإن عمدة لندن، صديق خان، انضم مؤخراً إلى مقاطعي القمة مثل عمدة نيويورك ولوس أنجلوس وباريس.
وأصدر البرلمان الأوروبي قراراً بموافقة 413 نائباً واعتراض 49 وتحفظ 233، يطالب بـ"إلغاء التمثيل المؤسسي والدبلوماسي للاتحاد الأوروبي في قمة مجموعة العشرين، وذلك لعدم إضفاء الشرعية على إفلات السعودية من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان".
وتعهدت منظمات دولية غير حكومية بمقاطعة قمة مجموعة العشرين؛ احتجاجاً على "سجل" السعودية في مجال حقوق الإنسان.
فرصة ضاعت على ولي العهد
ويرى مراقبون أن جائحة كورونا حالت دون استضافة الكثير من قادة العالم خلال رئاسة السعودية للقمة، وهو ما أضاع فرصاً كبيرة كان يمكن لولي العهد أن يستثمرها لتحسين صورته أمام قادة العالم وكبار مسؤوليه، بعد مسؤوليته "المباشرة" وفقاً لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية عن مقتل جمال خاشقجي، وكذلك ما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، والتي دفعت دولاً أوروبية عدة لوقف مبيعات الأسلحة للسعودية، إضافة إلى ملفات حقوق الإنسان والقمع الذي يستهدف قادة الرأي وناشطي المجتمع المدني، خاصة من النساء.
وتنفي الرياض صحة الاتهامات بأن محمد بن سلمان هو من أمر باغتيال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وتعاني سمعة السعودية الكثير في الأوساط الغربية والأمريكية، نتيجة ملفات حرب اليمن والقمع ضد منتقدي سياسة الحكومة وولي العهد، والاعتقالات على نطاق واسع، والمسؤولية عن مقتل خاشقجي، إضافة إلى الإخفاقات في السياسة الخارجية مثل قرار الحصار على دولة قطر، والخلافات الدبلوماسية مع كندا وألمانيا وغيرهما.
لذلك يعتقد أن رئاسة السعودية للمجموعة طيلة عام كانت فرصة ثمينة لتحسين صورتها لدى الرأي العام الغربي والأمريكي.
ويعوّل ولي العهد قبل تسليم رئاسة القمة، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، على استثمار عقد القمة الافتراضية بالرياض لإظهار قدرات السعودية على كونها لاعباً دولياً فاعلاً خلال عام من رئاستها مجموعة العشرين.
ومنذ أكثر من عامين يحاول ولي العهد السعودي استعادة مكانته كقائد شاب لدولة ذات ثقل دولي وإقليمي، رغم تورطه في اليمن، وقمع الأصوات المعارضة لسياساته بالداخل والخارج.