مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب قال إن رفع الحصار الخليجي على قطر من أولويات الإدارة الحالية قبل انتهاء ولايتها، فما فرص النجاح هذه المرة، ولماذا هذا الأمر مهم للرئيس المنتهية ولايته؟
ماذا قال أوبرايان تحديداً؟
قال روبرت أوبرايان إن إدارة الرئيس دونالد ترامب تعمل حالياً على رفع الحصار الخليجي على قطر، مضيفاً أن هناك "إمكانية" لحل الأزمة الخليجية: "أود أن أرى ذلك الأمر يتم -لو انتهى الأمر بمغادرتنا البيت الأبيض- خلال الأيام المتبقية لنا في الرئاسة، وأعتقد أن هناك إمكانية بالفعل لأن يحدث ذلك"، بحسب موقع The Hill التابع للكونغرس الأمريكي.
تصريحات أوبرايان ليست الأولى المتعلقة بذلك الملف، بل هي تأكيد على نفس نغمة التفاؤل التي تحدّث بها مسؤولون آخرون في إدارة ترامب، وتصبّ تلك المحاولات في إطار سعي الإدارة لإنهاء الأزمة الخليجية، بغرض تقوية الجبهة المضادة لإيران في المنطقة.
تصريحات أوبرايان جاءت خلال مقابلة في إطار منتدى الأمن العالمي 2020، حيث تناول مواضيع السياسة الخارجية لبلاده، تطرق فيها إلى الحصار المفروض على قطر من قِبل السعودية والبحرين والإمارات ومصر، منذ يونيو/حزيران 2017.
أوبرايان لفت أيضاً إلى أن "التناغم بين دول الخليج سيفتح الباب أمام المزيد من اتفاقات السلام مع إسرائيل، وسيخلق فرصاً اقتصادية حقيقية في الشرق الأوسط وفي بقية مناطق العالمين العربي والإسلامي"، وشبّه أوبرايان موقف الدول الخليجية حيال قطر بـ"الخلاف العائلي"، وأشار إلى أن حل خلاف كهذا "يتسم بالصعوبة".
لماذا يريد ترامب إنهاء الحصار؟
رغم انشغال الرئيس ترامب حالياً بمحاولة البقاء في البيت الأبيض لفترة ثانية، وإصراره على أنه الفائز في الانتخابات، بحسب تغريدة له مساء الإثنين، 16 نوفمبر/تشرين الثاني، قال فيها نصاً "لقد فزت بالانتخابات"، تأتي تصريحات مستشار الأمن القومي بشأن إنهاء الحصار الخليجي على قطر خلال الفترة المتبقية لترامب في ولايته الأولى، لتطرح التساؤل حول دوافع ترامب لجعل هذه القضية في قمة أولوياته.
فمن المعلوم أن الدعم غير المشروط الذي قدّمه ترامب لحكومات السعودية والإمارات ومصر كان السبب الأساسي وراء سياساتها العدوانية في المنطقة، بحسب تقرير لموقع Responsiblestatecraft الأمريكي، فلماذا يريد إنهاء الأزمة الخليجية قبل مغادرته البيت الأبيض؟
والقصة هنا تتعلق بالسنوات الأربع الماضية منذ وصول ترامب للرئاسة، والتي رأى فيها ولي عهد السعودية وولي عهد أبوظبي والرئيس المصري فرصة فريدة لاتباع سياسات مندفعة، كان من المستحيل اتّباعها في وجود الإدارات التي سبقت ترامب، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، والآن مع انتخاب جو بايدن أصبح السؤال الأكبر يتعلق بالخطوات التي قد تتخذها إدارته لكبح جماح الطموحات الإقليمية لتلك الأنظمة.
وبالإضافة لملفات التدخل العسكري السعودي-الإماراتي في اليمن، والتورط في الأزمة الليبية، يأتي ملف حصار قطر على قمة أولويات إدارة بايدن الجديدة، حيث إن نجاح الإدارة الجديدة في حل الأزمة الخليجية يمثل نجاحاً سريعاً للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، ويعيد ترتيب أوراق البيت الخليجي بصورة تخدم مصالح مجلس التعاون الخليجي والمصالح الأمريكية على حد سواء.
وهذا بالطبع ليس غائباً عن ترامب، الذي قالت تقارير إنه يفكر بالفعل في الترشح للرئاسة عام 2024، وبالتالي فإنه يريد أن يتم حل الأزمة الخليجية قبل مغادرته البيت الأبيض، خصوصاً أن الأمور العالقة في الملف، بحسب التقارير الإعلامية، تكاد تكون انتهت بالفعل، وهو ما يعني أن حل الأزمة بات مسألة وقت فقط، ولا يريد ترامب أن يحقق بايدن انتصاراً في السياسة الخارجية خلال المئة يوم الأولى في ولايته، ليصبح تفجر الأزمة ضمن إرث ترامب وحلها ضمن إرث بايدن.
أين يقف بايدن من الأزمة الخليجية؟
وقياساً على الأزمة الخليجية الأولى، في مارس/آذار-نوفمبر/تشرين الثاني 2014، حينما سحبت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من الدوحة، بسبب مزاعم تدخُّل قطر في شؤونها الداخلية، نجد أن بايدن الذي كان نائباً للرئيس باراك أوباما وقتها قد لعب دوراً هاماً لمنع الأزمة من التفاقم، عن طريق التوازن في التعامل مع أطرافها، بحسب ما قاله بين رودز، الذي كان نائباً لمستشار الأمن القومي وقتها.
لكن حدث العكس تماماً مع وصول ترامب للبيت الأبيض، فبعد زيارته للسعودية في مايو/أيار 2017، تفجرت الأزمة الحالية بفرض الدول العربية حصاراً على قطر، ساندته إدارة ترامب لفترة قصيرة للغاية، قبل أن تدرك خطورته، وتحاول حل الأزمة دون جدوى حتى الآن.
ويرى كثير من المراقبين الآن أن واشنطن يجب أن تمارس ضغوطاً أقوى على السعودية والإمارات والبحرين ومصر لإنهاء الحصار، حتى لو وصل الأمر للتهديد بتعطيل أو تأجيل مبيعات الأسلحة الأمريكية، حتى تُنهي تلك الدول أزمتها مع قطر، وهذا ما عبّر عنه كريستوفر هانتر، الباحث في مجلس الأطلسي: "يجب أن تكون أولى خطوات إدارة بايدن في الشرق الأوسط هي مطالبة السعودية بشكل معلن بإنهاء الحصار فوراً، وأن يصاحب ذلك نية مناقشة الحصار في مجلس الأمن إذا لزم الأمر".
ويقول هانتر إن ذلك التحرك يجب أن يكون في إطار استعادة أوسع لحكم القانون الدولي على المسرح العالمي، وفي العلاقات بين الدول، بعد أن شهدت فترة ترامب غياباً للطرق الديمقراطية والدبلوماسية، وفرضاً لأساليب الأنظمة القمعية والسلطوية دون قلق من المساءلة.
السعودية لا تريد أن تخسر إدارة بايدن
وفي السياق نفسه يعتقد كثير من المحللين أن السعودية قد تكون أقل تشدداً الآن في موقفها من الأزمة الخليجية، في محاولة لتسجيل نقاط إيجابية مع الإدارة الأمريكية الجديدة، حيث إن القلق يسيطر على المسؤولين السعوديين، ما قد تصبح عليه العلاقات بين الرياض وواشنطن تحت إدارة الرئيس بايدن.
وقد شهدت السعودية في ظل قيادة حاكمها الفعلي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عدداً من القرارات والمواقف التي أساءت بشدة لسمعة المملكة على المسرح الدولي، وبصفة خاصة حرب اليمن وجريمة اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018، على يد فريق من المسؤولين الأمنيين في السعودية.
ويرى بعض الخبراء الاستراتيجيين أن توقيع اتفاقية تطبيع مع إسرائيل قد يكون الخطوة التي سيقدم عليها ولي العهد، على أمل منع انهيار الشراكة بين الرياض وواشنطن، لكن التطبيع مع إسرائيل يظل خطوة محفوفة بالمخاطر لآل سعود داخلياً وإقليمياً، في ظل الرفض الشعبي داخل المملكة لتلك الخطوة، وتفضيل السعوديين المصالحة مع قطر على التطبيع مع إسرائيل.
لكن الصورة في الإمارات تبدو مختلفة عنها في السعودية، فيما يخص حل الأزمة الخليجية وإنهاء الحصار على قطر، فأبوظبي غير متورطة في اغتيال خاشقجي، كما أنها أنهت عملياً مشاركتها في حرب اليمن، من وجهة نظر واشنطن بالطبع، كما أنها وقَّعت بالفعل اتفاق التطبيع مع تل أبيب، وبالتالي فإن الإمارات قد تكون أقل حماساً لإصلاح العلاقات مع قطر، خصوصاً في ظل الموقف المتشدد من جانب ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد طوال فترة الحصار، ما يجعل تراجعه أكثر صعوبة، بحسب المراقبين.
كل هذه المواقف المتشابكة والمعقدة تجعل من تدخل ترامب لإنهاء الأزمة الخليجية قبل مغادرته البيت الأبيض ونجاحه في ذلك واحداً من أبرز الملفات حالياً، بحسب ما قاله أوبرايان، ويظل السؤال: هل يسعفه الوقت وينجح فعلاً؟