افتتاح الإمارات قنصلية في إقليم الصحراء ليس مجرد بادرة رمزية بل تأكيد على نجاح سياسة المغرب الخارجية التي لا تخضع للابتزاز، بحسب محللين، فهل استوعبت أبوظبي منهجية الرباط بالفعل؟
هل بدأت صفحة جديدة؟
بعد توتر صامت لأكثر من عامين، يعيد فتح الإمارات قنصلية في إقليم الصحراء، إضافة إلى إعراب أبوظبي عن تأييد تحرك الرباط الأخير بمنطقة "الكركرات"، تسليط الضوء على علاقات البلدين، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
وفيما اعتبر خبير أن الخطوة الإماراتية الجديدة تؤشر على بداية طي صفحة برود العلاقات بين البلدين منذ اندلاع الأزمة الخليجية، رأى خبير آخر أن الإمارات استوعبت منهجية المغرب في التمييز بين العلاقات التاريخية وعدم تراجع الرباط عن مواقفها السيادية بعيداً عن الابتزاز.
وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، افتتحت الإمارات قنصلية عامة لها في العيون، كبرى مدن إقليم الصحراء، لتكون أول دولة خليجية تفتتح قنصلية بالإقليم، وثالث دولة عربية بعد جيبوتي وجزر القمر، وترأس حفل افتتاح القنصلية الإماراتية، وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، رفقة السفير الإماراتي لدى الرباط، العصري الظاهري.
وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أبلغ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، العاهل المغربي محمد السادس، خلال اتصال هاتفي، بقرار بلاده "فتح قنصلية عامة بمدينة العيون"، وفق بيان للديوان الملكي المغربي، وبذلك، يرتفع إجمالي عدد القنصليات في إقليم الصحراء إلى 16، بعد افتتاح القنصلية الإماراتية.
ويشهد إقليم الصحراء منذ عام 1975 نزاعاً بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، وذلك بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، وتحول النزاع إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين، توقفت عام 1991 بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية من الأمم المتحدة.
وتقترح الرباط حكماً ذاتياً موسعاً للإقليم تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوِي عشرات الآلاف من اللاجئين من الإقليم.
ندعم تحرك المغرب في "الكركرات"
كما أعربت الإمارات، الجمعة، عن دعمها للتحرك الذي بدأه المغرب في معبر "الكركرات" الحدودي مع موريتانيا لوقف "استفزازات" جبهة "البوليساريو" هناك، وأكدت الخارجية الإماراتية، في بيان، "دعم قرار صاحب الجلالة الملك محمد السادس بوضع حد للتوغل غير القانوني بالمنطقة العازلة للكركرات، بهدف تأمين الانسياب الطبيعي للبضائع والأشخاص".
وجددت أبوظبي دعمها "الموصول للمملكة المغربية في كل الإجراءات التي ترتئيها للدفاع عن سلامة وأمن أراضيها ومواطنيها".
وكان التوتر في معبر الكركرات قد بدأ منذ 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين عرقلت عناصر من "البوليساريو" مرور شاحنات مغربية عبر المعبر إلى موريتانيا. و"الكركرات" هو المعبر الحدودي بين المغرب وموريتانيا، وتتنازع الرباط للسيطرة عليه، في مواجهة عناصر من جبهة "البوليساريو".
أزمة صامتة لأكثر من عامين
وعلى امتداد أكثر من عامين، شهدت علاقات المغرب والإمارات حالة من التوتر، بسبب تباعد مواقف الطرفين بشأن ملفات عديدة، أبرزها موقف الرباط المحايد من الحصار المفروض على قطر ضمن الأزمة الخليجية القائمة منذ عام 2017.
وكذلك موقفها من الأزمة الليبية، بجانب انسحاب المملكة من الحرب في اليمن، والتي تدعم فيها الرياض وأبوظبي القوات الموالية للحكومة اليمنية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران.
وطفت على السطح قبل أشهر أخبار تداولتها مواقع مغربية تفيد بسحب الرباط سفيرها وقنصليْها في الإمارات، بسبب عدم تعيين سفير إماراتي بالرباط بعد عام من شغور المنصب.
هذه الأحداث المتسارعة التي تكشفت معها ملامح هذه الأزمة، كان آخرها ما تعرضت له الحكومة المغربية ورئيسها سعد الدين العثماني من اتهامات بالفشل في مواجهة فيروس كورونا، وبالعجز عن تلبية احتياجات المواطنين، من قبل "الذباب الإلكتروني" التابع للإمارات.
"أينما حلت الإمارات تعقدت الأزمات"
وكان عبدالرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي بالجزائر) قد اتهم الإمارات بقيادة مشروع زعزعة استقرار منطقة المغرب العربي، وذلك في منشور له على صفحته بموقع فيسبوك، تعليقاً على أزمة معبر "الكركرات" الحدودي بين المغرب وموريتانيا، تحت عنوان "الإمارات في مدينة العيون.. أينما حلت الإمارات تعقدت الأزمات.. وسالت الدماء".
وقال مقري: "لا يجب أن نعتقد في الجزائر أنه حين يحط حكام دولة الإمارات رحالهم في المغرب العربي، ويدخلون في مشكلة معقدة بين بلدين شقيقين جارين سيتفقان يوماً ما"، في إشارة إلى الجزائر والمغرب، وأضاف: "هم (حكام الإمارات) أهون وأضعف من أن يقدروا على مواجهة الجزائر، إنما يفعلون ذلك ضمن مشروع صهيوني مسنود أمريكياً وفرنسياً لابتزاز الجزائر وإخضاعها".
وفي وقت سابق السبت، أعلنت جبهة "البوليساريو" عدم التزامها باتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه مع المغرب عام 1991، برعاية أممية، وهو ما يهدد بعودة التوتر المسلح للإقليم.
استيعاب منهجية المغرب
من جهته، اعتبر سلمان بونعمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة "سيدي محمد بن عبد الله" (حكومية) بفاس (شمال)، أن "فتح الإمارات قنصلية بالعيون يؤكد أن الإمارات استوعبت منهجية المغرب في التمييز بين العلاقات التاريخية والأخوية والاقتصادية وحفاظ الرباط على مواقفها السيادية بعيداً عن الابتزاز وقريباً من التعاون والشراكة".
وأضاف بونعمان للأناضول أن "المغرب يفصل بين مواقفه في النزاعات الإقليمية والتي قد تتعارض مع أطراف عدة وبين استمرار العلاقات الأخوية مع أصدقائه"، واستدرك: "لكن فتح القنصلية لا يلغي استمرار استقلالية مواقف المغرب في كل القضايا الإقليمية ولا يعني تراجعه عن إبداء وجهات نظره ومنهجيته في إدارة الخلافات والنزاعات العربية-العربية أو الخليجية-الخليجية أو الشمال إفريقية".
وأشار إلى أن "الرباط لها نموذج في التفكير مستقل في قضايا النزاعات وتتبنى سياسات خارجية متوازنة ومحايدة تدعم الاستقرار والوساطة الإيجابية والنزيهة"، موضحاً أن "المغرب في الوقت نفسه قام بالتقدير اللازم للموقف الإماراتي المستجيب لعمق العلاقات القائمة، التي يريدها مبنية على منطق رابح-رابح والحفاظ على سيادية المواقف".
وخلص إلى أن "المغرب يقدر انخراط أي بلد في دعم قضية وحدته الترابية، لكنه لا يسمح أن يمارس تحت ذريعة هذا الدعم أي نوع من الوصاية أو الابتزاز أو محاولة التحكم، وهذا الذي يعكس تميز المغرب الحضاري والسياسي والثقافي".
أكبر من مبادرة ودية
بدروه، قال أستاذ العلاقات الدولية بذات الجامعة، نبيل زكاوي، إنه "رغم رمزية فتح الإمارات لقنصلية بالعيون فإن هذه الخطوة التي جاءت في ظل سيولة المعطيات الدولية الجديدة، تؤشر على بداية طي صفحة برود العلاقات بين البلدين منذ اندلاع الأزمة الخليجية".
زكاوي قال أيضاً للأناضول: "خاصة أنها لامست أهم ملف في السياسة الخارجية المغربية وهو ملف الصحراء"، مردفاً: "هذه الخطوة لا تقرأ كمجرد مبادرة ودية من جانب الإمارات، ولكنها تعزز سياسة الأمر الواقع تجاه هذا الملف من طرف دولة عربية لها وزنها الإقليمي على كل حال ويمكن أن تلهم دولاً عربية أخرى لتنحو نفس المنحى خاصة تلك التي تقع في دائرة تأثيرها".
وشدد على أن "هذا المتغير سيديم التحالف الاستراتيجي بين البلدين، وسيجعل الاختلاف الأخير بينهما في حكم الظرفي".
وبعد سنتين من علاقات متوترة، بلغت حد سحب سفيريهما، عيّن المغرب في يوليو/تموز الماضي، محمد حمزاوي سفيراً لدى أبوظبي، وردت الإمارات في أغسطس/آب الماضي، بتعيين العصري الظاهري سفيراً لها لدى الرباط.
ومنذ 1975، هناك نزاع بين المغرب و"البوليساريو" حول إقليم الصحراء، بدأ بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، وتحول الصراع إلى مواجهة مسلحة استمرت حتى 1991، وتوقفت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار اعتبر "الكركرات" منطقة منزوعة السلاح.
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيادتها، فيما تطالب "البوليساريو" باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي لاجئين من الإقليم المتنازع عليه.