رغم الدعوات المتكررة التي أطلقها عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني بشأن تطوير قانون الأحزاب لتحقيق مشاركة أوسع في صنع القرار، فإن الحضور الحزبي في البرلمان المقبل تراجع إلى الثلث تقريباً مقارنة بسابقه المنتهية ولايته.
وأظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية التي شهدتها المملكة، الثلاثاء، فوز 12 مرشحاً من 4 أحزاب فقط ضمن 47 حزباً مشاركاً، وهو تراجع كبير مقارنة بانتخابات 2016 التي فاز فيها 34 نائباً من 11 حزباً.
تراجع أرجعه مراقبون إلى وجود قناعة شعبية بعدم فاعلية الأحزاب وضعف برامجها وقلة خبراتها، علاوة على وجود "رغبة سياسية" لذلك.
لكن معظم الأحزاب الأردنية ترى أن الضغوطات التي تتعرض لها "وخاصة الأمنية" تحول دون مشاركتها الفاعلة في الاستحقاقات الانتخابية، وأن ذلك نابع من إدراك أثرها على السياسات الحكومية وقراراتها، لذا فهناك "رغبة سياسية" بذلك.
محاربة الأحزاب
عبدالفتاح الكيلاني، أمين عام حزب حياة (تأسس عام 2007)، وأحد مرشحي "تحالف الإسلاميين" الذي لم يحالفه الحظ في دائرة إربد الأولى، أشار إلى اختلاف بين "المعلن والواقع".
وأوضح في حديثه للأناضول، أن عاهل الأردن "كان يقول أموراً بشأن الأحزاب، لكن السلطة التنفيذية تعمل عكسها"، في إشارة إلى حديث متكرر للعاهل الأردني عن دور فاعل للأحزاب. وأضاف أن "هناك محاربة للأحزاب وليس دعماً".
وأشار إلى أن "الأحزاب هي من تشكل القوائم الانتخابية، وهي وسيلة لتنظيم الشعب"، لكن "قوى الشد العكسي (في إشارة إلى المستفيدين من الوضع الحالي) لا تريد أن يشاركها أحد من أجل المحافظة على وضعها".
وقال مرشح "تحالف الإسلاميين": "من يريد من الأحزاب أن تعمل بالشكل الصحيح تتم محاربته"، دون أن يحدد جهة معينة.
وأوضح الكيلاني "أن مشاركة 47 حزباً لم يكن دافعه فعلاً المشاركة بالانتخابات، وإنما للحفاظ على تمويلها الذي هو حق لها ويرتبط استمراره بالمشاركة في الانتخابات". ولفت إلى أن "الضغوطات الأمنية لا تتوقف، فقد طلب مني الانسحاب، وكانت جريمتي هي أنني ضمن تحالف الإسلاميين".
سياسة ممنهجة
المحلل السياسي عامر السبايلة، أكد للأناضول أن "تراجع حضور الأحزاب نتاج سياسة ممنهجة تمت في سنوات سابقة تعود جذورها إلى تجريم العمل السياسي في حقبة ما (ما قبل ظهور قانون الأحزاب عام 1992)".
وأشار للأناضول إلى مسألة "الانتقال إلى فكرة العمل المفرغ من محتواه الحقيقي والأقرب في شكله إلى الصورة الديكورية، بمعنى وجود أحزاب دون تأثير فعلي وحقيقي".
وتابع السبايلة "بالتالي لا يمكن النظر إلى المشهد بالأردن على أنه حزبي، وأن هناك حياة سياسية. يوجد أحزاب أقرب إلى المسميات من العمل السياسي".
وقال إنه "لا يمكن التعويل على عمل الأحزاب في ظل (انحصار) التمويل الحكومي ومركزية القرار السياسي في يد جهة واحدة (لم يحددها)".
واعتبر أن "عدم وجود أحزاب قوية حقيقة عائد إلى غياب الرغبة السياسية في إيجادها، فهي نتاج لعملية تطور سياسي مبني على الحرية السياسية والرؤى المختلفة".
التقييم للبيئة السياسية
حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين)، كان أكثر الأحزاب حضوراً في الانتخابات، عبر 41 مرشحاً، ضمن التحالف الوطني للإصلاح الذي ضم 80 مرشحاً في مختلف دوائر المملكة.
لم يحصل الحزب سوى على 5 مقاعد، ليكون إجمالي ما حققه تحالفه 10 مقاعد فقط، وتراجع عن حضوره في برلمان 2016 بالنسبة للتحالف 4 مقاعد.
وتعليقاً على تلك النتيجة من تراجع حضور الحزب وعدمه، أكد الأمين العام مراد العضايلة أن "الأحزاب والحياة السياسية تحتاج لبيئة، والحقيقة أن الأحزاب منذ عام 1993 تعيش حالة حصار أمني، خاصة التي تمتلك رؤى وبرامج ووجهة نظر".
وزاد: "حضور الأحزاب الكبير في الانتخابات الأخيرة قائم بناء على التمويل، والذي يشترط الحصول عليه المشاركة في الانتخابات". وشدد على أن "الخطر الحقيقي على الحياة السياسية هو قانون الانتخاب الحالي، والذي لا يسمح بتشكيل قوى سياسية".
واستطرد: "أما الخطر الثاني فهو الضغط الأمني الشديد على القوائم الحزبية، فقد واجهنا ضغوطاً غير مسبوقة وتهديدات، لذلك استنكف الكثيرون عن الترشح".
مقاطعة شعبية واسعة
وأجريت الانتخابات البرلمانية، الثلاثاء، وسط إجراءات صحية غير مسبوقة لمنع تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وتنافس خلالها 1674 مرشحاً على مقاعد مجلس النواب وعددها 130، ضمن 294 قائمة.
وبلغت النسبة النهائية للمشاركين في الاقتراع 29.9% بواقع مليون و387 ألفاً و698، من أصل 4 ملايين و640 ألفاً و643 ناخباً.
وجرت الانتخابات ضمن قانون القوائم، الذي تم إقراره عام 2016، عوضاً عن قانون "الصوت الواحد" الذي لا يسمح سوى باختيار مرشح واحد، بعكس قانون القوائم الذي يسمح بمنافسة أكثر من قائمة تفوز منها من تحقق أعلى الأصوات.
ويضم البرلمان غرفتين هما: مجلس الأعيان (معين من قبل الملك ويضم 65 مقعداً) ومجلس النواب (منتخب ويضم 130 مقعداً).