الليرة تتعافى والأسواق الدولية تنظر لها بإيجابية.. فهل انتهت أزمات العملة التركية؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/12 الساعة 17:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/13 الساعة 09:36 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان/رويترز

واصلت الليرة التركية تعافيها منذ إقالة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لمحافظ البنك المركزي مراد أويسال مطلع الأسبوع، خاصة بعد نظرة المستثمرين والمؤسسات الدولية بإيجابية إلى التطورات المالية في البلاد.

وأقال أردوغان محافظَ البنك المركزي، كما قبِل استقالة صهره وزير المالية براءت آلبيرق قبل عدة أيام، بعد تراجع الليرة التركي لمستوى قياسي، خلال الفترة الماضية.

وعقب ذلك صعدت الليرة التركية 4.3% مقابل الدولار يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني، مسجِّلةً أكبر مكسب لها في يوم واحد منذ أواخر أغسطس/آب 2018، لتصل عند مستوى 8.113 ليرة للدولار، وهو أقوى سعر لها منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول، حسب موقع Business Insider.

وبلغ مجمل ارتفاعات الليرة هذا الأسبوع نحو 9 %.

لماذا تعاملت الأسواق بإيجابية مع هذه التغييرات؟

"من الرائع رؤية الليرة التركية تتعزز، على الرغم من أن هذا ينطوي على مخاطر، حيث تتوقع الأسواق الآن تغييراً كبيراً في السياسة النقدية"، بهذه الكلمات غرد روبن بروكس، كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، يوم الإثنين الماضي.

ما الذي تريده الأسواق من تغيير السياسة النقدية التركية؟ إنها نهاية النمو المدفوع بالائتمان، الذي ساد منذ عام 2017. 

وتعتقد الأسواق أنَّ رفع أسعار الفائدة سيشير إلى ذلك، هذا ما يبحثون عنه، حسب تغريدة روبن بروكس، كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، يوم الإثنين.

وساهمت سياسات تخفيض سعر الفائدة في تعزيز النمو الاقتصادي في تركيا إلا أنه جعل الليرة أكثر عرضة للمخاطرة والمضاربة، خاصة في حال حدوث أي أزمات سياسية.

ورغم ما يمثله تراجع الليرة من أعباء على المواطنين، فإنه ساهم في تعزيز القدرة التنافسية للصادرات التركية، لتصبح تركيا إحدى الدول القليلة التي زادت صادراتها رغم الجائحة.

كما أن تأثير ارتفاع الليرة على الأسعار يكون في تركيا أقل ضرراً مما يحدث في بلدان أخرى، بالنظر إلى أنها دولة منتجة لنسبة كبيرة من استهلاكها المحلي؛ وبالتالي الزيادة بالأساس تكون على أكبر المنتجات المستوردة أو المُدخَل الأجنبي في المنتجات المحلية الصنع.

ويعد انخفاض الاحتياطي النقدي أحد الأسباب التي تضغط على الليرة التركية.

ولكنَّ تراجع الليرة هذا ساهم في تقليل الواردات أيضاً، وتعزيز الصادرات، وأدى ذلك قبل أزمة كورونا، إلى بدء تراكم إيجابي لرصيد العملات الأجنبية للبلاد، وزيادة هذه الاحتياطات، مما كان يؤشر إلى خروج البلاد من دوامة تراجع الليرة المتكررة.

ولكن أزمة كورونا أخلَّت بالوضع، ورغم استمرار زيادة الصادرات، فإن آثار تراجع السياحة كانت أكبر على توازن البلاد المالي.

إجراءات مالية جديدة تخفف القيود السابقة

وقالت وكالة Bloomberg الأمريكية في تقرير لها واصفةً ارتفاع سعر الليرة: "لقد تكدَّس التجار على العملة التركية يوم الأربعاء، بعد أن تعهد الرئيس رجب طيب أردوغان بسياسات مريرة إذا لزم الأمر، وألقى دعمه خلف محافظ البنك المركزي الجديد وقيصر الاقتصاد وزير المالية السابق ناجي أغبال، مما أثار تكهنات بأن السلطة النقدية سترفع أسعار الفائدة الأسبوع المقبل".

وبعد التغييرات الأخيرة في وزارة المالية ورئاسة البنك المركزي، سهّلت تركيا على المستثمرين الأجانب الوصول إلى التمويل بالليرة، وهي خطوة تهدف إلى إلغاء بعض القيود المفروضة على مدار العامين الماضيين.

وأدت هذه الخطوة إلى ارتفاعٍ آخر لليرة.

وتراجعت مقايضات التخلف عن سداد الديون التركية لمدة خمس سنوات- وهي شكل من أشكال التأمين ضد التخلف عن سداد الديون السيادية- إلى أدنى مستوياتها في أكثر من ثلاثة أشهر ونصف الشهر، مما يعكس تحسُّن ثقة المستثمرين تجاه الأصول التركية، حسب وكالة Bloomberg.

وزاد البنك المركزي التركي من حجم مقايضات العملات وصفقات المشتقات التي يمكن للمقرضين المحليين تنفيذها مع نظرائهم الأجانب، وفقاً لبيان صدر أمس الأربعاء.

وجاءت هذه الخطوة بعد أن أقال الرئيس رجب طيب أردوغان، محافظَ البنك المركزي مراد أويسال، يوم السبت؛ مما أدى إلى استقالة وزير الخزانة والمالية براءت ألبيرق، مهندس سياسات الحد من مشاركة المستثمرين الأجانب في أسواق المال التركية.

ونقلت وكالة Bloomberg عن شخص مطَّلع على الأمر، طلب عدم الكشف عن هويته، أن أحد الأهداف الرئيسية لتغييرات يوم الأربعاء هو السماح للمستثمرين الأجانب بحيازة مزيد من الليرات من خلال مقايضات الدولار بعد أن كانت قدرتهم على القيام بذلك محدودة. 

وقيل إن محافظ البنك المركزى الجديد أغبال انتقد سياسات ألبيرق الاقتصادية وتفضيله للدفاع عن الليرة بتدخلات في أسواق العملات، حسب بيوتر ماتيس، كبير محللي الأسواق الناشئة في رابوبنك.

وفقاً للمتداولين، كان ارتفاع العملة منذ أحداث نهاية الأسبوع مدفوعاً في الغالب ببيع الأجانب للدولار في السوق الفورية وشرائهم الليرة.

ويرى البعض أن التغييرات تمهد الطريق لرفع سعر الفائدة بشكل مباشر، في اجتماع البنك المركزي في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، وهو اختبار رئيسي للمستثمرين الذين يبحثون عن علامات العودة إلى العقيدة التقليدية في الاقتصاد.

وزير المالية التركي المستقيل/رويترز

وقال غابرييل فوا، مدير المال في Algebris UK Ltd، ومقره لندن: "السبب في استجابة السوق بشكل جيد هو أن المشاركين في السوق يتوقعون زيادة فرص ارتفاع أسعار الفوائد في اجتماع الأسبوع المقبل، إنها خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها لا تحل محل الارتفاع المناسب".

ويعد هذا القرار تحركاً آخر نحو "تطبيع" السوق، فمنذ سبتمبر/أيلول بدأ صانعو السياسة فك هذه الحدود تدريجياً.

ومع التسهيل الأخير، ارتفعت كمية الليرات التي يمكن للبنوك بيعها للمؤسسات الأجنبية إلى 5% من حقوق الملكية من 2% للمعاملات التي ستستحق خلال سبعة أيام. تم رفع الحد الأقصى إلى 10% من 5% لمن يستحقون استحقاقاً في شهر وإلى 30% من 20% لمن يستحقون استحقاقاً في عام.

وتم إدخال الحدود لأول مرة بعد أزمة العملة في عام 2018، وتم تصميمها للوقوف في طريق المستثمرين الذين يضاربون على الليرة. 

لكنها أدت إلى أزمة سيولة دورية أدت إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض بين عشية وضحاها، وأجبرت المستثمرين الأجانب على التخلي عن حيازاتهم من السندات والأسهم.

وفي مواجهة بيئة تداول غير متوقعة، سحب المستثمرون غير المقيمين أكثر من 13 مليار دولار من أسواق السندات والأسهم هذا العام. كما عزز المستثمرون الأتراك حيازاتهم من الدولار والذهب، مما زاد من مشاكل الليرة.

وسيتطلب التحول في سلوك المستثمرين صبراً من جانب صانعي السياسة أثناء تشديدهم للسياسة وزيادة احتياطيات تركيا من العملات الأجنبية، وفقاً لكيران كيرتس، مدير الاستثمار بشركة أبردين لإدارة الأصول في لندن. 

وانخفض إجمالي الموجودات الأجنبية للبلاد بنسبة 21% هذا العام إلى 84.4 مليار دولار.

وقال كورتيس، إن القضية الأساسية للفريق الاقتصادي القادم هي الحاجة إلى بناء احتياطيات. "ستحتاج السياسة النقدية أن تكون مُحكمة بما يكفي، لكي يشتري البنك المركزي الدولارات بانتظام دون إضعاف الليرة".

ماذا تريد الأسواق الدولية من أردوغان؟

وجاء صعود الليرة ليخالف التوجهات الهبوطية للأسواق الناشئة.

وقال إدوين جوتيريز، رئيس الديون السيادية للأسواق الناشئة في أبردين لإدارة الأصول بلندن: "يبدو أن أردوغان قد وافق على العقيدة التقليدية في الوقت الحالي، والتي ستستمر حتى تستقر العملة"، مضيفاً أنه "في اجتماع البنك المركزي الأسبوع المقبل، "ستكون الإشارة مهمة، أي إنهم يخططون للعودة إلى المعدلات الحقيقية الإيجابية".

بينما يقول نايجل ريندل، كبير المحللين في Medley Global Advisors بلندن : "تحوُّل واضح من الرئيس التركي، ربما أدرك أنه لا يوجد بديل لمعدلات فائدة أعلى إذا كان يريد أن يضع نوعاً ما من الأرضية تحت سعر الليرة وحماية الشركات ذات الديون الكبيرة بالعملات الأجنبية".

"كل هذا يبني التوقعات لاجتماع سياسة البنك المركزي التركي، الأسبوع المقبل. يتعين على البنك رفع أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس على الأقل (3 %). 

فيما قال كريستيان ماجيو، رئيس إستراتيجية الأسواق الناشئة في TD Securities بلندن:  "من أجل الحفاظ على زخم الليرة، يجب أن يقوم البنك المركزي التركي بتشديد السياسة في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، مع رفع معدل إعادة الشراء بمقدار 575 نقطة أساس على الأقل إلى 16%".

أين ذهبت الزيادة التي تراكمت في أرصدة البلاد؟

وقبل جائحة كورونا، شهدت الاحتياطات التركية من العملات الأجنبية والذهب زيادة كبيرة، حيث تجاوز إجمالي أصول الاحتياطيات الدولية لدى البنك المركزي في تركيا 101 مليار دولار في أغسطس/آب 2019، بزيادة 14.2% عند المقارنة على أساس سنوي، عندما كان الاحتياطي يقف عند 88.9 مليار دولار في نهاية أغسطس/آب 2018.

كما أن احتياطيات النقد الأجنبي والذهب شهدت في ذلك الوقت زيادة قوية تجاوزت ملياري دولار في أسبوع واحد.

وكانت تركيا تراهن عقب خروجها من أزمة عام 2018، على قدرتها على الاستفادة من تراجع الليرة لزيادة الصادرات وتعزيز السياحة لتحقيق فائض في ميزان المدفوعات والحساب الجاري، مع الحفاظ على سياسة خفض الفائدة التي أدت إلى تحقيق نمو اقتصادي جيد، وبالتالي يصبح الدولار الداخل للبلاد أكثر من الذي يخرج منها بعيداً عن الأموال الساخنة.

ولكن جائحة كورونا جاءت لتفسد هذا التوازن، خاصة فيما يتعلق بتراجع قطاع السياحة.

ورغم الانتقادات التي توجَّه في الأوساط المالية العالمية لإصرار أردوغان على سياسة تخفيض الفائدة، فإن هذه الأوساط (التي هي أقرب دوماً لمستثمري الأموال الساخنة) تقر بخجل بأن سياسة خفض الفائدة وتيسير الإقراض ساعدت في عدم سقوط الاقتصاد التركي في أزمات أو ركود خلال جائحة كورونا، كما حدث في أغلب دول العالم.

وساعدت هذه السياسات الشركات التركية على تخطي الجائحة، خاصةً أنها تطبق مع سياسة مرنة للتعامل مع الجائحة، تركز على الإجراءات الاحترازية مثل ارتداء الكمامات أو منع الازدحام دون إغلاق، مع تنفيذ إغلاق جزئي لعدة أيام في ذروة الجائحة أو حظر تجول انتقائي شمل فئات بعينها مثل كبار السن أو المراهقين أو الأطفال.

كما لم تواجه تركيا على غرار جيرانها من الدول الأوروبية أو إيران، أزمة في المستشفيات.

أفضل دول العالم في تجاوز كورونا اقتصادياًَ بعد كوريا والصين

وتشير معطيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية  (التي تضم الدول المتقدمة) إلى أن تركيا في مصاف الدول الأقل تأثراً بالجائحة. وذلك بعد الصين وكوريا الجنوبية، بين دول المنظمة في 2020، حسب وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان.

كما أن البلاد لديها عجز معتدل في الميزانية، ولكن ظلت أزمة العملة التركية تطارد التجربة الاقتصادية التركية، رغم أدائها اللافت في مجالات التصنيع والصادرات والخدمات ومواجهة الجائحة.

وزاد من الضغوط على الليرة الخلافات السياسية التركية مع أوروبا والولايات المتحدة، وأسواق المال بطبيعتها تميل إلى تضخيم تلك الخلافات.

وفي مقابل خروج المستثمرين الماليين ومستثمري الأموال الساخنة، فقد عززت البلاد وضعها كوجهة مفضَّلة للمستثمرين المباشرين كشركات صناعة السيارات، كما برزت البلاد كمصدر مهم للمعدات الوقائية والطبية.

تحميل المزيد