اقترب المنافس الديمقراطي جو بايدن، حتى وقت كتابة هذه التقرير، من حشد 270 صوتاً انتخابياً يحتاجها لهزيمة الرئيس دونالد ترامب ويصبح الرئيس 46 للولايات المتحدة – واستعاد ولايتين رئيسيتين في الغرب الأوسط خسرهما حزبه في عام 2016، ويسكونسن وميتشيغان، في وقت متأخر عدد الأصوات.
لكن ترامب الذي أعلن فوزاً مبكراً ما يزال يرفض التنازل، وبدلاً من ذلك قام بالتلويح بالطعون القانونية لفرز الأصوات في العديد من الولايات المتأرجحة. وكان من الواضح، استناداً إلى استطلاعات الرأي، أن الأمة الأمريكية لا تزال أكثر استقطاباً بمرارة مما يعتقده النقاد، مما يفرض تحديات هائلة على رئاسة بايدن، حسبما تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية.
انقسامات حادة بين الأمريكيين
انقسم الناخبون بشكل حاد على أساس العرق والأصول والتعليم، وربما أكثر مما كان عليه الحال في عام 2016. ورغم أن عدداً قياسياً من الأمريكيين صوتوا في الانتخابات الرئاسية، فإن الانقسام الحزبي محفوف بالغضب وحتى التهديدات بالعنف.
بايدن نفسه، في بيان في وقت متأخر من بعد ظهر الأربعاء، لن يعلن النصر الآن، لكنه قال: "أنا واثق من أننا سنخرج منتصرين"، وإنه "عندما ينتهي عد الأصوات كاملة"، سيكون فقط المنافس الرابع في القرن الماضي لإسقاط رئيس منتخب شاغل المنصب.
وبايدن، نائب الرئيس السابق – الذي إذا تم تنصيبه في 20 كانون الثاني/يناير 2020 سيكون في سن الثامنة والسبعين، أكبر رئيس يؤدي اليمين الدستورية – لمّح أيضاً إلى الصعوبات التي تنتظره في مواجهة مجلس الشيوخ الذي ربما لا يزال يقوده الجمهوريون.
قال بايدن: "الرئاسة نفسها ليست مؤسسة حزبية"، مشيراً إلى فترة ترامب المضطربة والمثيرة للانقسام الشديد، والتي جعلته الرئيس الوحيد في عصر الاقتراع الحديث الذي لم يحصل على تأييد بنسبة 50% في أي وقت خلال فترة ولايته بحسب استطلاعات الرأي. قال بايدن: "علينا التوقف عن معاملة خصومنا كأعداء".
دعوات بايدن الإيجابية قد تذهب أدراج الرياح
لكن هذا هو بالضبط الجهد الذي بدأته حملة ترامب بالفعل، حيث رفعت دعوى في فيلادلفيا بدعوى المراقبة غير الصحيحة لأوراق الاقتراع التي وصفها محامي ترامب رودي جولياني بأنها "غير شرعية تماماً". وفي مؤتمر صحفي، قال نجل الرئيس إريك ترامب: "الديمقراطيون يعرفون أن الطريقة الوحيدة التي يمكنهم بها الفوز في هذه الانتخابات هي الغش في ولاية بنسلفانيا".
لا تزال عدة آلاف من الأصوات غير محسوبة في ولاية بنسلفانيا، ولكن حتى أثناء حديث جولياني، انضمت قناة فوكس نيوز إلى شبكة CNN في احتساب ميشيغان إلى صالح بايدن، مما رفعه إلى ما يصل إلى 264 صوتاً انتخابياً، وفقاً لإحصاء فوكس، والذي احتسب أريزونا المتنازع عليها لصالح بايدن.
وبعد ذلك، سيحتاج بايدن فقط إلى ولاية نيفادا، الولاية التي يقودها، لوضعه على القمة، حتى بدون الفوز في بنسلفانيا، لكن الفرز النهائي للأصوات ظل غير مؤكد حتى ليلة الأربعاء.
في وقت سابق من صباح ذلك اليوم، أعلن ترامب قبل الأوان فوزه في ميشيغان وولايات أخرى، قائلاً إنه فاز في الانتخابات. وأضاف ترامب في تصريحات من الغرفة الشرقية بالبيت الأبيض: "بصراحة، لقد فزنا في هذه الانتخابات"، مدعياً زعماً لا أساس له أن النتائج "احتيال".
قال جولياني: "من المحتمل جداً أن نرفع دعوى قضائية وطنية ونكشف حقاً عن فساد الحزب الديمقراطي". في نفس اليوم، طعنت حملة ترامب في عد الأصوات في عدة ولايات أخرى.
لذلك من المرجح أن يذهب نداء بايدن لخفض العدائية والتوحد أدراج الرياح إلى حد كبير، خاصة إذا كان زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل – الذي احتفظ بمقعده – يحتفظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ أيضاً.
وعلى الرغم من فوز بايدن في التصويت الشعبي بوضوح، كما فازت هيلاري كلينتون في عام 2016 – حيث بلغ العد اعتباراً من مساء الأربعاء 50.3% مقابل 48.1% – تظل الأمة منقسمة بالتساوي تقريباً في الأصوات الانتخابية والمجالس التشريعية للولايات.
بايدن.. الرجل الذي يفهم الجمهوريين جيداً
وضع أنصار بايدن بعض الأمل في مسيرته المهنية التي استمرت 47 عاماً في العمل مع الجمهوريين. فقد كانت مقدرته القديمة على التفاوض مع الجمهوريين قد ساعدته في الكونغرس على وضع تشريعات مثل قانون إعانات الضرائب والتأمین ضد البطالة وخلق فرص العمل في عام 2010 الذي حل أزمة الجمود الضریبي، وقانون مراقبة الموازنة لعام 2011 الذي حل أزمة سقف الدین في ذلك العام، وقانون إعفاء دافع الضرائب الأمريكي لعام 2012 الذي تناول مشكلة "الهاوية المالية" الوشیكة.
ويقول مايكل هالتزل، كبير مساعدي بايدن السابق في مجلس الشيوخ: "بصفته عضواً في مجلس الشيوخ ونائباً للرئيس، أظهر مراراً قدرة على الوصول عبر الممر الضيق لإنجاز الأمور، في كل من الشؤون الداخلية والخارجية".
يقول هالتزل: "في الفئة الأخيرة، كان بايدن زعيماً لجهود مجلس الشيوخ الناجحة من الحزبين لتوسيع الناتو ووضع حد للحروب في البلقان. ستعيد إدارة الرئيس المنتخب بايدن إقامة تعاون وثيق مع حلفاء أمريكا وستواجه خصومنا بهدوء وتصميم".
يؤكد حلفاء آخرون لبايدن على نفس النقاط السابقة، إذ يقول رئيس مجلس الشيوخ السابق، تيد كوفمان، الذي شغل مقعد بايدن في مجلس الشيوخ بعد أن أصبح الأخير نائباً للرئيس: "يمكنه العمل في السياسة الخارجية أو غيرها من القضايا وإيجاد مصلحة مشتركة ودفع الأفكار إلى الأمام".
لكن الجمهوريين سيقاتلونه الآن في كل خطوة وسيضطر للتنازل
بايدن هو أيضاً من الشخصيات الدولية ذات الخبرة العميقة والملتزم بتحالفات الولايات المتحدة، وقد تعهد بالعمل بسرعة لاستعادة مكانة الولايات المتحدة من خلال عكس أسوأ إخفاقات ترامب فيما يتعلق بجائحة كورونا والاقتصاد والاستقرار العالمي وتغير المناخ. لكن يكاد يكون من المؤكد أن مجلس الشيوخ الذي يقوده الجمهوريون سيقاتله في كل خطوة على الطريق، وسيظل حلفاء الولايات المتحدة متوترين وغير مستقرين.
يقول السيناتور الجمهوري السابق ووزير الدفاع تشاك هاجل في مقابلة سابقة في عام 2010: "إنه يفهم الحكم أفضل من أي شخص آخر"، ويقول هاجل إنه هو الذي نصح باراك أوباما باختيار بايدن نائباً له في الانتخابات عام 2008، لأنه "على وجه الخصوص ومن بين الجميع، يفهم الكونغرس جيداً".
أكبر التحديات التي تنتظر بايدن
لكن هذا يعني أن الرئيس بايدن سيعرف أيضاً أنه سيتعين عليه تقديم تنازلات – وقد أشار بالفعل إلى استعداده للقيام بذلك في أمريكا التي لا تزال تهيمن عليها السياسات الترامبية. في الواقع ، ليس من الصعب تخيل ترامب يخوض المنافسة ضده مرة أخرى في عام 2024.
سيجد بايدن، على سبيل المثال، صعوبة في إحياء اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ التي دعا إليها ذات مرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه يجب أن يستوعب الجناح التقدمي القوي في حزبه الذي -مثل العديد من الجمهوريين- يفضل المزيد من السياسات الحمائية. قال بايدن بالفعل إنه لن ينضم إلى الاتفاقية فحسب، بل سيسعى إلى إعادة التفاوض بشأنه ليشمل "قواعد منشأ قوية" تتطلب مزيداً من التصنيع في الولايات المتحدة، وقبل الدخول في أي صفقة تجارية دولية جديدة سيركز على مبادرة الاستثمار "Buy America" على غرار ترامب بقيمة 400 مليار دولار لتعزيز الإنتاج المحلي.
أما سياسة الدعم لمنظمة التجارة العالمية، التي تبناها الديمقراطيون في عهد الرئيس بيل كلينتون، يتضاءل بسرعة أيضاً في مواجهة إجماع الحزبين الآن على أن الصين أساءت استخدام قواعدها بشكل غير عادل لسرقة وظائف الطبقة الوسطى الأمريكية. ويسعى بايدن، مثل ترامب، إلى تقليص دور أمريكا في الخارج لسنوات. كنائب لرئيس أوباما، جادل بايدن ضد الحشد الأمريكي في أفغانستان وتفاوض على انسحاب سريع من العراق.
ومع ذلك، سيكون الاقتصاد في ظل أزمة كورونا أكبر التحديات التي تنتظر بايدن. كتب المؤرخ الاقتصادي آدم توز، المساهم في فورين بوليسي، يوم الأربعاء: "النتيجة الأكثر ترجيحاً هي تقسيم السيطرة على البيت الأبيض والكونغرس (مع استمرار سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ)، والشلل في السياسة المالية، والاعتماد المستمر على بنك الاحتياطي الفيدرالي باعتباره الدعامة الرئيسية ليس فقط للاقتصاد الأمريكي ولكن للاقتصاد العالمي بأكمله".