ستظل الانتخابات الرئاسية 2020 الأشرس والأكثر سخونة في ذاكرة الأمريكيين، لكنها أيضاً العملية التي شهدت مستوى غير مسبوق من الشائعات والمعلومات المضللة.
صحيفة New York Times الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "متابعة لانتشار المعلومات المضللة في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020"، رصد أبرز الشائعات التي تم إطلاقها دون أن يكون لها أساس، وكيف فشلت محاولات محاربة المعلومات المضللة.

عام سيئ للتوافق بشكل عام
لقد كان هذا عاماً سيئاً للواقع التوافقي بكل المقاييس، إذ بدأ بإجراءات عزل ترامب -العملية المثيرة للانقسام والمشحونة عاطفياً، والتي أطلقت العنان أمام سيلٍ من الأكاذيب والمبالغات والإهانات المُبطّنة على الإنترنت.
ثم جاءت جائحة كوفيد-19 التي مثّلت فرصةً أكبر للمتلاعبين وأصحاب نظريات المؤامرة والحالمين الراغبين في تقسيمنا على أساس المعرفة، بين أولئك الذين يُصدّقون الخبراء وأولئك الذين يُفضّلون البحث عن المعلومات بأنفسهم.

وبينما تُعَدُّ سنوات الانتخابات أوقاتاً حافلة دائماً للمدققين في الحقائق، لكن سيل الأكاذيب التي أدلى بها ترامب هذا العام عن تزوير الانتخابات وفضيحة تجسّس أوباما ورسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهانتر بايدن، أسفرت جميعاً عن تحدٍّ أكبر لأولئك المنوط بهم الفصل بين الحقيقة والخيال.
فيسبوك يُزيل إعلانات حملة ترامب وبايدن
وقال فيسبوك يوم الثلاثاء 27 أكتوبر/تشرين الأول، إنّه حذف إعلانات لحملتي ترامب وبايدن الرئاسيتين، لأنّها قد تُضلّل الناخبين في الولايات التي لم يكُن باب التصويت المُبكّر قد فُتِحَ فيها بالفعل.
وكانت حملات ترامب وبايدن قد أطلقت تلك الإعلانات في عطلة نهاية الأسبوع تلك، ضمن جهودهما في اللحظات الأخيرة لإطلاق إعلانٍ على فيسبوك قبل نهاية يوم الإثنين، الـ26 من أكتوبر/تشرين الأول. وقال فيسبوك مؤخراً، إنّه لن يقبل أي إعلانات سياسية خلال الأسبوع الذي يسبق الانتخابات، لكنه سيُواصل عرض الإعلانات التي تم شراؤها مسبقاً بالفعل.

وقال متحدثٌ باسم فيسبوك: "كما أوضحنا في اتصالاتنا العامة وحملاتنا المباشرة، نحن نحظر أي إعلانٍ يقول (صوّتوا اليوم)، من دون إضافة سياقٍ أو توضيح".
المعلومات المُضللة تنتقل إلى الرسائل النصية
في الأسبوع الماضي، كشفت لجنة عملٍ سياسي تُدعى American Principles Project عن مقطع فيديو جديد في تويتر، يزعم أنّ المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن يدعم تغيير جنس الأطفال في الثامنة من عمرهم، والأصعب من ذلك هو أنّ الفيديو انتشر على نطاقٍ واسع باستخدام الرسائل النصية.

ورغم أنّ شركات مثل فيسبوك وتويتر، طوّرت أدوات لرصد وإزالة المعلومات المُضلّلة على الشبكات الاجتماعية، فإن أنشطة الرسائل النصية خدمةٌ مجانية ومفتوحة للجميع دون تدقيقٍ كبير من الشركات التقنية والجهات التنظيمية الحكومية.
بوتات تويتر استعدت لنشر المعلومات المُضلّلة قبل الانتخابات، ففي الأسبوع السابق للانتخابات، نشر الباحثون بجامعة جنوب كاليفورنيا دراسةً جديدة تعرّفت على آلاف الحسابات الآلية، أو "بوتات الإنترنت"، التي تنشر معلومات متعلّقة بترامب وبايدن وحملاتهما على تويتر. وفحصت الدراسة أكثر من 240 مليون تغريدة مرتبطة بالانتخابات منذ يونيو/حزيران وحتى سبتمبر/أيلول.
لكن التعرّف على بوتات الإنترنت بالعين المجردة ليس أمراً سهلاً على الإطلاق. إذ يقول الباحثون، إنّ الحسابات الآلية باتت أكثر تعقيداً في الأشهر الأخيرة. وأوضحوا أنه في العادة، صارت البوتات يحرّكها مزيجٌ من البرامج الآلية والمُشغلين البشر الذين يعملون من أجل تنسيق وتنويع سلوك الحسابات الوهمية حتى يصعب رصدها.
وتعمل هذه البوتات على جانبي الطيف السياسي، وفقاً للدراسة. لكنّ البوتات اليمينية تفوق نظيرتها اليسارية عدداً بنسبة أربعة إلى واحد في الدراسة، كما كانت البوتات اليمينية أكثر ميلاً لنشر نظريات المؤامرة الكاذبة بنحو 12 ضعفاً.

كيف انتشرت ثلاث أكاذيب مرتبطة بالانتخابات؟ غمرت الأكاذيب بشأن الانتخابات المسؤولين المحليين، الذين قالوا إنّهم يتعاملون مع "تسونامي من المعلومات المضللة"، وطار النوم من أعينهم، لأنّهم يعملون ساعات إضافية طويلة، وإليكم ما وجدناه في الأيام السابقة للانتخابات:
مزاعم كاذبة حول التلاعب بأوراق الاقتراع
تتضمّن هذه المعلومات المضللة التأكيد غير المثبت بأنّ هناك أوراق اقتراع تجري "إضافتها" أو نقلها جملةً بواسطة أشخاصٍ غير مُخوّلين، وفي المثال التالي، اتُّهِمَت النائبة الديمقراطية من مينيسوتا إلهان عمر كذباً، الشهر الماضي، بالتورّط في إضافة أوراق اقتراع غير شرعية بشكلٍ منهجي.

وشارك 3.959 منشوراً على فيسبوك هذه الشائعة، وفقاً لمُحلّلينا. وحصدت تلك المنشورات على 953.032 إعجاباً، وتعليقاً، ومشاركة. ومن بين مشاركي تلك الكذبة مجموعتان لمؤيدي ترامب في مينيسوتا على فيسبوك، إلى جانب الرئيس ترامب شخصياً. كما ناقشت 26.300 تغريدة على الأقل هذه الأكذوبة.
إلقاء أوراق الاقتراع البريدية في القمامة أو تقطيعها
كان التخلُّص من أوراق الاقتراع البريدية من الأكاذيب الشائعة الأخرى، التي قال مسؤولو الانتخابات إنّهم صادفوها. لذا تفحّصنا واحدةً من تلك الشائعات، التي نشرها موقع The Right Scoop اليميني. ففي الشهر الجاري نشر الموقع مقالاً بعنوان: "تقطيع أطنان من طلبات أوراق الاقتراع البريدية الخاصة بترامب في مؤخرة شاحنة متجهة إلى ولاية بنسلفانيا".
ونُشِرَت المقالة على فيسبوك 163 مرة، وحصلت على 91 ألف إعجاب وتعليق ومشاركة على الشبكة الاجتماعية، وفقاً لمحللينا. كما جرت مشاركتها 1.032 مرة على تويتر.

مزاعم كاذبة حول أعمال عنف مخطط لها في مراكز الاقتراع بواسطة متظاهري الأنتيفا وحركة حياة السود مهمة: إذ قال مسؤولو الانتخابات أيضاً، إنّ الناس واجهوهم بشأن تأكيدات كاذبة حول حركتي الأنتيفا وحياة السود مهمة، وأنهما تنسّقان لأعمال عنف في مراكز الاقتراع حول البلاد.
وجرت مشاركة الشائعة الكاذبة 472 مرة على فيسبوك، وفقاً لمحللينا. وحصدت 99.336 إعجاباً وتعليقاً ومشاركة، إلى جانب نشرها في 400 تغريدة على الأقل.
محاولات إنستغرام للتضييق على المعلومات المُضلّلة
استهدف موقع إنستغرام، الخميس 29 أكتوبر/تشرين الأول، محاولات نشر المعلومات المُضلّلة على منصته، إذ أعلن أنّه سيُعلّق مؤقتاً قدرة المستخدمين على عرض أحدث المنشورات قبل يوم الانتخابات.
وقال الموقع المملوك لـ"فيسبوك"، إنّ التغيير جرى من أجل "تقليل نشر المحتوى الذي يُحتمل أن يكون ضاراً في الوقت الفعلي، والذي قد يظهر للمستخدمين أثناء الانتخابات".

الولايات المتأرجحة تشهد أكبر قدرٍ من المعلومات المُضلّلة: شهد الناس في عدد من الولايات المتأرجحة، التي يُرجّح أن تُحدّد مصير السباق الانتخابي، أكبر قدرٍ من التضليل والأكاذيب حول التصويت بالبريد منذ الأول من سبتمبر/أيلول وحتى الـ29 من أكتوبر/تشرين الأول، وفقاً لشركة Zignal Labs التي رصدت ذكر المعلومات المُضلّلة المُحتمل في منافذ الأخبار كافة على الإنترنت، والقنوات التلفزيونية، والصحف المطبوعة، والشبكات الاجتماعية.
ومن بين 1.1 مليون أكذوبة رصدتها Zignal عن التصويت عبر البريد، تصدّرت ولاية بنسلفانيا القائمة بـ227.907 منها، أي أكثر من نصف عدد الأكاذيب المرصودة في الولاية الثانية على القائمة.
وحلّت أوهايو في المرتبة الثانية بـ89.996 أكذوبة، وفقاً لـZignal. وجاءت تكساس في المرتبة الثالثة بـ68.005 أكاذيب. وكلتاهما من الولايات المتأرجحة أيضاً.
انتشار فيديو مُعدّل بشكلٍ مُخادع لبايدن
شُوهِد فيديو مُعدّل بشكلٍ مخادع لبايدن، حتى يبدو كأنّه يعترف بتزوير الانتخابات، أكثر من 17 مليون مرة على منصات الشبكات الاجتماعية، وفقاً لمنظمة Avaaz الحقوقية التقدّمية.
وكان الفيديو عبارةً عن نسخة معدّلة ومقتطعة من ظهوره في 24 أكتوبر/تشرين الأول، بالبث الإذاعي "Pod Save America". فحين سُئِلَ عن جهوده لتعزيز أمن الانتخابات، أدلى بايدن بإجابةٍ طويلة ناقشت جهود إدارة أوباما للحماية من التزوير الانتخابي. وأضاف أنّه شكّل "منظمة التزوير الانتخابي الأكثر شمولاً في تاريخ السياسة الأمريكية".
دحض الأكاذيب المتداولة في يوم الانتخابات
الكذبة: الملياردير جورج سوروس يمتلك شركة Smartmatic التي تصنع آلات التصويت. ويستطيع بذلك التلاعبَ بالآلات في صالح مرشحه المفضل. الحقيقة: سوروس لا يمتلك شركة Smartmatic.
الكذبة: الناس يُدلون بعدة أصوات، مستخدمين بطاقات الاقتراع البريدية أو الاقتراع الغيابي. الحقيقة: قدّر خبراء الانتخابات أنّه على مدار 20 عاماً، أثّر التزوير المرتبط بالاقتراع البريدي على 0.00006% من الأصوات فقط، أي بمعدل حالة واحدة في الولايات كل ست أو سبع سنوات.

الكذبة: يستطيع الناس التصويت عبر الرسائل النصية، أو البريد الإلكتروني، أو المواقع الإلكترونية للولايات. الحقيقة: باستثناء عددٍ ضئيل من الناخبين الغائبين والعسكريين خارج البلاد، لا تسمح أي ولاية للأمريكيين بالتصويت عبر البريد الإلكتروني أو مواقع الويب أو الرسائل النصية.
الكذبة: آلات التصويت مُعطّلة وتُسجّل أصواتاً خاطئة. الحقيقة: يجري الإبلاغ عن مجموعة صغيرة من أعطال آلات التصويت في كل دورة انتخابية داخل غالبية الولايات. وتقع الأعطال على الأرجح بسبب أخطاء المستخدمين.
الكذبة: عملاء وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأمريكية سيكونون حاضرين في مراكز الاقتراع. الحقيقة: لن تكون الوكالة حاضرةً في مراكز الاقتراع.
استخدام الأقلام اللبدية في أريزونا
في يوم الأربعاء 4 نوفمبر/تشرين الثاني، أراد الجمهوريون إثارة الشكوك حول شرعية نتائج الانتخابات في ولاية أريزونا حيث كان بايدن متقدماً على ترامب، لذا بدأوا في تداول نظرية مؤامرة حول استخدام الأقلام اللبدية في مراكز الاقتراع بالولاية.
وزعمت الشائعات التي نشرها نجل ترامب، إيريك، وغيره من الجمهوريين البارزين الذين وصفوها بـ"فضيحة الأقلام اللبدية"، أنّ العاملين في مراكز الاقتراع زوّدوا ناخبي ترامب بأقلام لبدية لملء أوراق اقتراعهم، وهو ما زعم بعضهم أنّه يُبطل أوراق الاقتراع تلك، لأنّ آلات الفرز تعجز عن قراءتها.

لكن المسؤولين في أريزونا قالوا إنّ هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة، وإن الأصوات المسجلة بأقلام لبدية سيجري احتسابها بشكلٍ طبيعي.
تويتر يُضيّق على ترامب، ولكن جيشاً من الحسابات ينشر رسائله
قبل ساعات من زعم الرئيس ترامب كذباً لمُؤيديه في البيت الأبيض، صباح الأربعاء، أنه فاز بالانتخابات الرئاسية فعلياً، واستهل حجته بتغريدةٍ قال فيها: "نحن متقدمون بفارقٍ كبير، ولكنّهم يُحاولون سرقة الانتخابات".
لكنّ تويتر ضيَّق على هذا التصريح الذي يفتقر إلى الأدلة، بعد خمس دقائق من نشره. وأضافت الشبكة الاجتماعية إلى التغريدة ملصقاً يقول إنها تحتوي على معلومات مُضلّلة أو متنازع عليها، كما منعوا غالبية المستخدمين من الرد عليها والإعجاب بها ونشرها.
لكن ذلك لم يمنع أكثر من 750 حساباً آخر على تويتر من محاولة تضخيم مزاعم ترامب بالرسالة نفسها نصاً، إذ نسخت الحسابات، التي تمتلك 1.5 مليون متابع إجمالاً، مزاعم ترامب في أكثر من ألف تغريدة حصدت تسعة آلاف إعادة تغريد في غضون سبع ساعات ونصف الساعة من صباح الأربعاء، وفقاً لتحليل صحيفة New York Times الأمريكية.
وقال تويتر، إن التغريدات التي نسخت رسالة ترامب ستحصل على الملصق التحذيري نفسه، لكنّ الأمر سيستغرق بعض الوقت لكشفها.
لا، بايدن لم يحصل فجأةً على 138 ألف صوت في ميشيغان
في وقتٍ مُبكّر من صباح الأربعاء، اقترحت صورٌ لخرائط الانتخابات أن بايدن حصل فجأة على 138.339 صوتاً في ميشيغان، أي 100% من إجمالي آخر أوراق الاقتراع التي تم فرزها في تحديثٍ لأرقام الولاية.
وسرعان ما فتحت الصور الباب أمام المزاعم بالتزوير الانتخابي في الشبكات الاجتماعية، والتي ضخّمها ترامب، الذي شارك الصور على تويتر قائلاً: "ما الذي تدور حوله هذه القصة؟".
وفي الواقع، لم يحصل بايدن على تلك الأصوات. لكنّها أُضيفت إلى إجمالي الأصوات غير الرسمي على خريطة الانتخابات لفترةٍ وجيزة، نتيجة خطأ مطبعي في إحدى مقاطعات ميشيغان الصغيرة، وتم اكتشاف الخطأ وتصحيحه في غضون نصف ساعة.