يحظر الدستور المصري الحالي على رئيس الدولة أن يترأس حزباً سياسياً، لكن معارضين يقولون إنه "حزب السيسي"، في جدال يعيد للأذهان الحزب الوطني الذي تم حله بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 فما قصة "مستقبل وطن" الذي بدأ كائتلاف وأصبح الحزب المهيمن؟
كيف كانت البداية؟
منذ النشأة يبدو أن "مستقبل وطن"، وفق مراقبين، تم إعداده ليكون أحد الكيانات البارزة في الحياة السياسية المصرية، سواء برغبة من أعضائه أو توجيه من الدولة، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
صعد شاب يدعى محمد بدران إلى الحياة السياسية بسرعة صاروخية، عبر إطلاق حملة بعنوان "مستقبل وطن"، لدعم الدولة والسيسي في مرحلة ما بعد الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، على خلفية كون بدران رئيساً لاتحاد طلاب مصر آنذاك.
وتحولت الحملة إلى حزب أسسه وترأسه بدران في أغسطس/آب 2014 وخصه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالصعود معه على متن يخت "المحروسة"، أثناء افتتاح تفريعة جديدة لقناة السويس، في الشهر ذاته من العام التالي، وراجت تقارير صحفية آنذاك بأن الحملة والحزب ظهرا بدعم من الدولة.
وبطريقة دراماتيكية، سافر بدران إلى الولايات المتحدة الأمريكية بهدف معلن هو استكمال الدراسة، مطلع يناير/ كانون الثاني 2016، وحصل على دورة سريعة في القيادة والإدارة، قبل أن يستقيل من الحزب إثر أزمات داخلية، عقب تغيبه الطويل بالخارج، وذلك في سبتمبر/أيلول 2016.
وجاءت الاستقالة بعد أشهر قليلة من تقارير صحفية، في مايو/أيار 2016، تحدثت عن طموح لدى بدران لتشكيل الحكومة حال حصد حزبه الأغلبية البرلمانية وفق ما ينص عليه الدستور، لاسيما وقد أصبح ثاني كتلة في البرلمان المنتهية ولايته بـ57 مقعداً (من 596)، في أول تجربة انتخابية آنذاك.
بعدها أصبح أشرف رشاد، وهو وجه غير معروف حزبياً، رئيساً جديداً للحزب بالتزكية، في سبتمبر/أيلول 2017، مع نفي متكرر لكونه حزب الرئيس، وآنذاك قال أحمد الشاعر، المتحدث باسم "مستقبل وطن"، في تصريح لصحيفة "المصري اليوم" (خاصة) إن "الرئيس السيسي ليس عضواً بالحزب، ولكننا داعمون له بشكل كبير".
وأضاف: "نعمل على أن تكون لنا الأغلبية فى مجلس النواب، حتى نتمكن من تشكيل الحكومة، وتقديم حقائب وزارية بخطط ورؤى جاهزة"، رافضاً اتهام الحزب بأنه نموذج جديد للحزب الوطنى المنحل.
وفي مارس/آذار الماضي، انتُخب عبدالوهاب عبدالرازق رئيساً للحزب، قبل أن يترأس، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مجلس الشيوخ (الذي انتخب في أغسطس/آب)، في ظل فوز حزبه بنحو 70% من المقاعد.
وقال عبدالرازق، في حوار متلفز مع عمرو أديب، إعلامي مصري، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي: "إننا حزب داعم للدولة، وفي ظهر الدولة أو ظهير لها، وذلك أمر له شقان، شق أننا نقف مع الدولة، ولكن نتدخل للتصحيح"، وتابع: "بمعيار موضوعي بحت، شاءت الأقدار أن الأداء الحكومي هذه الفترة فيه إنجازات والأمور كلها تسير بإيجابية كبيرة جداً، فلم يعطِك فرصة أن تصطدم أو تعارض، ولا يمنع هذا لو هناك أمور سلبية نراجعها ونقف أمامها".
كيف يعرّف الحزب نفسه؟
بالضغط على أيقونة التعريف بحزب "مستقبل وطن"، الأبرز حالياً في مصر، عبر موقعه الإلكتروني، تظهر صورة كبيرة للرئيس عبدالفتاح السيسي في الواجهة، وبالعودة لما قبل أسبوعين، تقرأ وتسمع من إعلام حكومي وخاص عن انتخاب عبدالوهاب عبدالرازق، رئيس الحزب، رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق، رئيساً لمجلس الشيوخ (الغرفة البرلمانية الثانية).
عبدالرازق الذي أعلنت النشرة الرئيسية للتلفزيون الرسمي، انتخابه رئيساً للحزب في مارس/آذار الماضي، ترأس مجلس الشيوخ، بعد سيطرة حزبه على نحو 70% من مقاعده، مع فوز عريض لمرشحي الحزب في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب (الغرفة البرلمانية الأولى)، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتعزز دلائل الفوز المتوقع للحزب في انتخابات مجلس النواب اعتقاداً يكرره مغردون، أغلبهم معارضون، على نطاق واسع بأن "مستقبل وطن" هو "حزب السيسي".
ويقول هؤلاء إن الحزب "يكرر تجربة الحزب الوطني، الذي ترأسه الرئيس الأسبق حسني مبارك
(1981: 2011)، وكانت ممارساته سبباً في الإطاحة به في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
كما يرون أن الحزب يتلقى "دعماً كبيراً من الدولة لإدارة الحياة البرلمانية بسلاسة، في ظل استحواذ متوقع على المجلسين البرلمانيين".
وفي ظل الحديث المتكرر عن كونه حزب الرئيس أو الحزب الوطني الجديد، قال "مستقبل وطن" عبر بيان في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إنه لا "يسعى إلى أن يكون شبيهاً لأي أحزاب، لا في الشكل أو الأداء السياسي بأي حال من الأحوال".
وشدد على أنه "يرفض تماماً أن يُعاد إنتاج أشكال وأساليب سياسية قديمة"، وأنه "حريص على مصلحة مصر وشعبها"، وتحدث عن أنه "يريد حياة سياسية بعيدة كل البعد عن أي مغالبة سياسية أو انفراد بالسلطة".
ماذا يقول السيسي عن مستقبل وطن؟
منذ نشأته عام 2014، نفى الحزب في أكثر من تصريح لمسؤوليه، كونه حزباً للرئيس أو مقرباً منه، أما من زاوية الدولة، فالسيسي ومنذ أن تولى الرئاسة عام 2014، يرفض أن يترأس حزباً، والدستور يمنع ذلك، وعن دور الدولة في دعم الأحزاب السياسية قال السيسي، في تصريح لصحفيين يوم 26 ديسمبر/ كانون الأول 2019، إن "الدعم السياسي موجود"، مضيفاً: "أنا لست طرفاً ضد أحد، وما عندي حزب حاكم (..) هناك أكثر من 100 حزب. ممكن يكونوا 4 أو 5 كيانات"، في إشارة لدمج الأحزاب.
ووفق المسار الذي يعتمده السيسي حتى الآن، فهو أول رئيس لمصر لا يقف خلفه تنظيم أو حزب سياسي معلن، فالرئيس الراحل جمال عبدالناصر (1956– 1970) أسس "الاتحاد الاشتراكي"، في 4 يوليو/تموز 1962، كتنظيم موحد يقود الحياة السياسية بمصر.
وكذلك أسس الرئيس الراحل أنور السادات (1970: 1981) الحزب الوطني في 1978، واستمر في عهد مبارك، حتى تم حله بحكم قضائي، بعد ثورة 2011.
كما انتمى الرئيس الأسبق الراحل، محمد مرسي (2012: 2013)، لحزب "العدالة والتنمية"، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، قبل أن يتم حل الأول وحظر الثاني، عقب الإطاحة بمرسي من الرئاسة، صيف 2013.
ومسار السيسي لا يمكن تغييره إلا بتعديل دستوري، فالمادة 140 من الدستور المصري تنص على أنه "لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة"، ولم تُمس تلك المادة في تعديلات دستورية أُقرت في 2019، وسمحت للرئيس بإمكانية البقاء في السلطة حتى بعد 2030.
من ائتلاف إلى حزب
ومع حلول انتخابات برلمان 2015، كان ائتلاف "دعم مصر"، المكون من قائمة مستقلين وأحزاب بينها "مستقبل وطن"، هو أكبر كتلة برلمانية، واعتُبر الائتلاف آنذاك الداعم الأول لرئيس البلاد، ومع تواتر الحديث في الشهور الأولى من 2018، عن اتجاه لتحويل الائتلاف إلى حزب سياسي، ظهرت معارضة قانونية وسياسية من مؤيدين للنظام.
فتغيير عضوية النائب من ائتلاف إلى حزب سيصطدم بالمادتين (110) من الدستور و(6) من قانون مجلس النواب، وهما تنصان على إسقاط عضوية النائب حال تغيرت أحد شروط العضوية، كالصفة أو الانتماء الحزبي، اللذين انتُخب على أساسهما.
وقال الإعلامي والبرلماني آنذاك مصطفى بكري، المقرب من السلطة، في تصريح، إن "تحويل (ائتلاف) دعم مصر لحزب سياسي (هو) استهانة بالدستور وانحراف تشريعي، ومجلس النواب لن يعد قوانين لمصلحة أحد"، ومتطرقاً آنذاك لما يبدو أنه المخرج الذي اتجه إليه النظام، أضاف بكري: "إننا بحاجة إلى تواجد ظهير سياسي للدولة المصرية".
وبالفعل انتهت مرحلة برلمان 2015، وكان ائتلاف "دعم مصر" متصدراً مشهد دعم الرئيس والدولة، وفي المرحلة المقبلة، حيث توجد غرفتان للبرلمان القادم، يبدو أن حزب "مستقبل وطن" هو الأقرب لتسلم الدفة من الائتلاف.
إذن حزب "مستقبل وطن"، وفق هذه المعلومات وصعوده اللافت والمتكرر، هو الأقرب بقوة في هذه المرحلة لدعم السيسي دون أن يكون حزباً للرئيس، في ظل حظر دستوري، ولا ناطقاً باسمه، في ظل رفض الرئيس ذاته أن يكون هناك حزب حاكم.
وهو ما يعزز أن "مستقبل وطن" هو الظهير السياسي لهذه المرحلة، ويتلقى دعماً واسعاً من السلطات، مثلما كان ائتلاف "دعم مصر" في مرحلة سابقة، ووارد أن يتغير هذا الاختيار (مستقبل وطن)، بحسب مقتضيات الظروف السياسية في البلاد، لنرى حزباً أو ائتلافاً جديداً يتولى المهمة في وقت لاحق.
وكالعادة ستقول السلطة إن هذا الحزب أو الائتلاف صعد بإرادة الجماهير، بينما تعزو المعارضة ذلك الصعود إلى إرادة السلطة، وهو جدل لن ينتهي طالما ظل الصراع بين الطرفين "صفرياً"، فكل منهما يرغب بالقضاء على الآخر.