يمر الجيش الأمريكي بمرحلة حاسمة حيث تعيد وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تجهيز نفسها لتتمكن من مجابهة خصم قوي من القوى العظمى بعد تركُّز صراعاتها لما يقرب من عقدين من الزمن على مكافحة التمرد المسلح.
إذ تشكل روسيا تحدياً تقليدياً للقوة البرية للجيش الأمريكي بتشكيلاته المدرعة الكبيرة التي تهدد دول البلطيق، فضلاً عن صواريخها الباليستية طويلة المدى ومدفعيتها وصواريخها الأرض-جو، حسبما ورد في تقرير لمجلة National Interest الأمريكية.
وفي المقابل، سيتركز صراع محتمل مع الصين على السيطرة على البحر والمجال الجوي فوق المحيط الهادئ. ولمجابهة هذه القدرات سيتعين على الجيش الأمريكي نشر صواريخ طويلة المدى مضادة للسفن ومروحيات في الجزر النائية والدول الحليفة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وحتى على أسطح سفن البحرية الأمريكية.
وعليه شكّل الجيش الأمريكي عام 2017 ثماني فرق متعددة الوظائف بقيادة عمداء لتطوير جيل جديد من الأسلحة بسرعة وتكلفة معقولة. وهذه المبادرات بعيدة المدى للتحديث يطلق عليها مجتمعة "The Big Six" أو "الستة الكبار".
أسلحة الجيش الأمريكي المخصصة لهزيمة روسيا والصين
1- إطلاق النار الدقيق طويل المدى عبر صواريخ ومدفعية خارقة
تتركز الأولوية القصوى للجيش الأمريكي على "إطلاق النار طويل المدى". إذ يتركز هدف نصف دزينة من المشاريع على تمكين ضربات أرضية دقيقة على أهداف على بعد عشرات أو مئات الأميال.
بادئ ذي بدء، يسعى الجيش الأمريكي إلى رفع تحديث مدافع هاوتزر ذاتية الدفع M109 Paladin الشبيهة بالدبابات التي تعود إلى حقبة الستينيات بمدفع طويل الماسورة والمدى، لزيادة مدى الهجوم المستمر إلى 43 ميلاً (69 كم)، وربما مدى القذائف المدعومة بمحرك نفث تضاغطي إلى 81 ميلاً (130 كم).
أما الدعامة الأساسية الأخرى لفرع المدفعية، وهي منظومتا M270 المحمولة على الشاحنات وM142 متعددة القواذف الأصغر حجماً، فستُزود بصواريخ يصل مداها إلى 93 ميلاً (149.6 كم). علاوة على ذلك، ستصبحان قادرتين على إطلاق صاروخين صغيرين من طراز Precision Strike بمدى يصل إلى 310 أميال (498.8 كم) يمكّنهما من إصابة الأهداف المتحركة (السفن)، بدلاً من إطلاق صاروخ تكتيكي ATACMS واحد كبير يبلغ مداه 180 ميلاً (289.6 كم).
وبعد وأد معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى INF، يعمل الجيش الأمريكي أيضاً على تطوير سلاحين طويلي المدى: صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت بمدى 1499 ميلاً (2412 كم)، ومدفع استراتيجي عملاق من المفترض أن يصل مداه إلى ألف ميل (1609 كم).
2- الجيل القادم من المركبات القتالية
تتمثل الأولوية الثانية للجيش الأمريكي في تغيير مركبات مشاتها القتالية M2 Bradley الضعيفة. ففي عام 2018 قرر الجيش المضي في تحسين محركات مَركبات برادلي ولكنه تراجع عن تغيير برجها.
غير أنه يسعى لامتلاك مركبة قتالية من النوع الذي يمكن تشغيله تقليدياً أو عن بعد (OMFV) ويمكنها حمل عدد أكبر من الفرق، ومدفع آلي من عيار يتراوح بين 30 إلى 50 ملم (مركبة برادلي مزودة بمدفع من عيار 25 ملم)، وصواريخ جديدة ومنظومات حماية نشطة. والخيارات الحالية تشمل مركبات: Raytheon/Rheinmetall Lynx وGeneral Dynamics Griffon III وBAE CV-90 Mark IV.
وبدأ الجيش الأمريكي أيضاً في شراء مركبات برادلي معدومة الأبراج لتؤدي وظيفة المركبات المدرعة متعددة الأغراض، ولتحل محل ناقلات الجنود المدرعة M113 القديمة في أدوار الدعم مثل الهندسة القتالية، والنقل، ومهام الإسعاف، ومركز القيادة، وحمل قذائف الهاون.
وتُزود بعض ناقلات الجنود المدرعة ذات العجلات من طراز Stryker بأبراج "دراغون" بمدافع عيار 30 ملم وصواريخ جافلين المضادة للدبابات لمنح المركبات الخفيفة فرصة للقتال مع قوات العدو المدرعة.
ويثبّت الجيش الأمريكي أيضاً منظومتي الحماية النشطة Trophy وIron Fist على دبابات أبرامز وبرادلي. ووظيفة هاتين المنظومتين الكشف عن الصواريخ القادمة وإصابتها أو إسقاطها قبل حدوث الاصطدام. وبالنظر إلى مئات الدبابات التي دمرتها الصواريخ طويلة المدى المضادة للدبابات في حروب الشرق الأوسط، فبإمكان منظومة الحماية النشطة تحسين صمودها بدرجة كبيرة.
3- المروحيات العمودية المستقبلية
المروحيات ضرورية في ساحة المعركة والتنقل، لكنها أيضاً باهظة الثمن وبطيئة نسبياً (241-321.8 كم في الساعة) وقصيرة المدى وعرضة لخطر الإصابة بنيران العدو.
ولذا يتطلع الجيش الأمريكي إلى نظام "طيران عمودي" جديد كلياً ليحل في نهاية المطاف محل مروحيات النقل المتوسطة Blackhawk التي يزيد عددها عن ألفين وطائرات أباتشي المدرعة والمدججة بالسلاح.
ويتوفر نموذجان مبتكران للطيران العمودي. طائرة Bell V-280 Valor من نوع التيلت روتر tiltrotor والتي تجمع بين قدرة الطيران العمودي لمروحية وسرعة ومدى الطائرات التقليدية ذات الأجنحة الثابتة.
أما طائرات Sikorsky SB-1 Defiant فهي عبارة عن مروحيات مُركَّبة ذات مروحيتين فوق بعضهما ومروحة دافعة. وطائرات Defiant هي الأفضل على الأرجح في المناورات منخفضة السرعة التي تناسب المروحيات، على حساب السرعة واستهلاك الوقود.
4- الشبكة قليلة التكلفة
يرغب الجيش الأمريكي في شبكة قيادة وتحكم واتصالات ومعلومات جديدة تماماً (C3I) لنشرها ميدانياً وربط منظومات حروبه البرية.
غير أنه تراجع عن محاولته الأخيرة لإطلاق مثل هذه الشبكة، التي تسمى WIN-T، بعد إنفاق 6 مليارات دولار بسبب ضعفها في الحرب الإلكترونية.
ففي عام 2014، لاحظ الجيش كيف شوشت القوات الروسية على نقاط القيادة والإشراف الأوكرانية واخترقتها وحددت موقعها الجغرافي، بل استهدفتها بهجمات مميتة.
ولذا يعتزم الجيش الأمريكي شراء أكبر قدر ممكن من البرامج الجاهزة لتجنب إنفاق الوقت والأموال في بناء نظام جديد من الألف إلى الياء. ومن الضروري أن تكون الشبكة الجديدة موحدة ولكن مقسمة إلى وحدات وقابلة للنقل وآمنة عبر الإنترنت.
ويعمل فريق منفصل معنيّ بـ"ضمان تحديد الملاحة والتوقيت والموقع" على تطوير مساعدات ملاحية إضافية بحيث تتمكن القوات البرية من العمل بسلاسة في ظروف غياب نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، لا سيما عن طريق استخدام الأقمار الصناعية الطائرة pseudo-satellites.
5- الدفاع الجوي يركز على الطائرات بدون طيار
في نصف القرن الماضي أدى التفوق الجوي لسلاح الجو الأمريكي إلى تقليل الطلب على الدفاعات الجوية الأرضية للجيش، التي قُلِّصت إلى درجة كبيرة. غير أن التهديدات الجديدة التي تشكلها هجمات الطائرات بدون طيار وانتشار الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز جعلت من إعادة بناء فرع الدفاع الجوي أولوية قصوى.
ويركز الجيش الأمريكي حالياً على "مناورات الدفاع الجوي قصير المدى"، أو المركبات التي ترافق قوات الخطوط الأمامية لإسقاط التهديدات التي تطير على ارتفاعات منخفضة. ويخطط الجيش لنشر مركبات سترايكرز 8×8 مسلحة بصواريخ Stinger وHellfire وأجهزة التشويش المضادة للطائرات بدون طيار ومدافع عيار 30 ملم. ويشتري مؤقتاً أيضاً أنظمة صواريخ القبة الحديدية الإسرائيلية، التي يمكن تكييف ذخيرتها مع قاذفة متعددة المهام في النهاية.
ويعمل الجيش أيضاً على تطوير ليزر 100 KW المحمول على مركبات الذي يمكن استخدامه لإسقاط الطائرات بدون طيار من السماء بكفاءة وتكلفة معقولة.
أما الدفاع الجوي بعيد المدى، فبدلاً من تطوير صواريخ جديدة، ينفق الجيش المليارات لتحسين منظومتي باتريوت وثاد الحاليتين عن طريق الربط بين راداراتهما المشتتة وأنظمة التحكم في إطلاق النيران في شبكة نظام متكامل لقيادة معركة دفاع جوي وصاروخي (IBCS).
6- تقليل الخسائر في جنود المشاة
يمثل جنود مشاة القتال المباشر 4% فقط من أفراد الجيش لكن خسائرهم بلغت 90% من الخسائر في الحروب منذ عام 2001. وتنقسم مبادرة "خطورة الجنود" إلى فريقين.
الأول يركز على تحسين العوامل "البشرية" باستخدام محاكيات تدريب أكثر واقعية، والاحتفاظ بضباط الصف والضباط ذوي الخبرة برفع امتيازاتهم وحوافزهم.
أما الفريق الآخر فيخطط لشراء بنادق "الجيل القادم" الهجومية ومدافع رشاشة خفيفة، التي تستخدم على الأرجح طلقات Creedmoor مقاس 6.5 ملم، التي تعتبر ذات قوة اختراق عالية بالقياس إلى الدروع الواقية من الرصاص. ويعمل الجيش أيضاً على تطوير "شاشة عرض رأس" للمشاة مزودة برؤية ليلية مدمجة (ومُحسَّنة) وبيانات تكتيكية وجهاز تسديد.