عندما تم تكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة اللبنانية قبل 10 أيام، كان التفاؤل بولادة سلسة لتلك الحكومة سائداً، خصوصاً في ظل الوضع المتأزم للغاية منذ #تفجير_مرفأ_بيروت قبل نحو ثلاثة أشهر، لكن حديث العقبات بدأ يطل برأسه من جديد.
العقبات تطل برأسها.. كالعادة
وبينما تحدثت مصادر حزبية لوكالة الأناضول التركية عن ملامح تلك العقبات، كشف مصدران مطلعان على تشكيل الحكومة، عن أن تلك العقبات أدت لتأخر التوصل إلى تصور نهائي للتشكيلة، التي كان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد صرّح قبل أسبوع بأنها قد ترى النور خلال 4 أو 5 أيام على الأكثر.
فمع تكليف الحريري بمهمة تشكيل الحكومة يوم الخميس 22 أكتوبر/تشرين الماضي، تصاعد التفاؤل بحسم ملف تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة إثر تعثر تشكيلها لنحو 3 أشهر، لكن سرعان ما عادت الأمور إلى حالها المعتاد على الساحة السياسية، وبدأ التفاؤل يتراجع مع تصاعد حديث العقبات خلال الساعات الأخيرة، بحسب مصادر لبنانية مطلعة.
ومنذ أطاح الانفجار الهائل الذي وقع في مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس/آب الماضي بحكومة حسان دياب، وما تبعه من تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقوة في الملف اللبناني وتحديد مهلة محددة لتشكيل الحكومة برئاسة مصطفى أديب في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، ثم اعتذار أديب يوم 26 سبتمبر/أيلول عن تشكيل الحكومة، عادت الأمور للمربع صفر وبدا واضحاً أنه لا مناص من عودة سعد الحريري للمشهد السياسي وتشكيل الحكومة.
وبحسب المصادر التي تحدثت للأناضول، فإن العقبات تتمثل في سعي التيار الوطني الحر (حزب الرئيس عون) لتكبير حجم الحكومة والحصول على عدد وزارات يؤمن له الثلث المعطل، ومشاركة "حزب الله" في الحكومة، ومن الأحق بحقيبة الطائفة الدرزية.
وكشف مصدر سياسي مطلع على مباحثات تشكيل الحكومة، للأناضول، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، أن المشاورات الأخيرة أظهرت وجود تباين في الآراء حول توزيع الحقائب.
فيما أفاد مصدر مقرّب من الرئيس عون، للأناضول، مفضلاً كذلك عدم الكشف عن هويته، بأنه "لا يوجد بعد حسم حكومي، وأن هناك نقاطاً لم تحل"، لافتاً إلى أن مرحلة التشاور والتواصل "ما زالت مستمرة".
الإصرار على الثلث المعطل
وعن طبيعة العقبات، قال القيادي في تيار المستقبل (حزب الحريري) مصطفى علوش، إن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يريد "تكبير حجم الحكومة والحصول على عدد وزارات يؤمن له الثلث المعطل"، وكشف علوش، في حديثه للأناضول، عن أن باسيل يطالب بحكومة مؤلفة من 24 وزيراً، ويبدي رغبته في الحصول على 9 وزارات مع حلفائه، أي الثلث المعطل.
وأشار في هذا السياق إلى ما أعلنه الحريري، غداة تكليفه بتشكيل الحكومة، من أنه سيعمل على تشكيل "حكومة اختصاصيين بعيدة عن الأحزاب"، لافتاً إلى أن رئيس الحكومة المكلف "متكتم على الأسماء".
وهذه هي المرة الرابعة للحريري على رأس الحكومة، إذ تولى الأولى في 2009، والثانية عام 2016، قبل أن تنهار حكومته الثالثة في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2019، تحت ضغط احتجاجات شعبية، ليخلفه حسان دياب الذي استقال عقب 10 أيام على انفجار مرفأ بيروت.
تمثيل "حزب الله"
وضمن العقبات التي أثرت على الأجواء الإيجابية، مشاركة "حزب الله" في الحكومة، حيث تحدثت وسائل إعلام محلية، عن بروز عقبات في اللحظات الأخيرة، تتعلق بتمثيل الحزب في الحكومة.
وفي هذا السياق، يرى علوش أن الإصرار على تمثيل "حزب الله" في الحكومة "يعرّضها لمزيد من الضغوطات"، مشدداً على ضرورة أن يتجنب الحزب فرض أي وزراء لتسلم حقائب وزارية محددة في الحكومة المقبلة.
وكان الأمين العام لجماعة "حزب الله" حسن نصر الله، قد رأى في خطابه الأخير، أنه لا ينبغي "المبالغة" في النظرة الإيجابية، رغم سير معطيات الملف الحكومي بشكل جيد.
ويشدد علوش على أنه لا بد من "تشكيل حكومة مصغرة لا تحتوي على ثلث معطل، وإبعاد وزراء حزب الله عن الوزارات ذات التأثير".
وفيما يظهر بأنه رد على اتهام "التيار الوطني الحر" بإحداث عقبات عبر السعي إلى توسيع حجم الحكومة، أكد أنطوان قسطنطين، مستشار رئيسه، أنه "ليس هناك أي عرقلة من طرف التيار".
وأضاف في حديثه للأناضول: "أي حكومة حتى تتمكن من النجاح لا يمكن أن يتسلم فيها شخص حقيبتين وزاريتين، وبالتالي التيار ضد ذلك، ويجب أن يكون على رأس كل وزارة وزير متخصص".
وأشار قسطنطين إلى أن الحديث "عن 18 وزيراً لا يتوقع معه تغطية كل الحقائب الأساسية بوزير واحد لكل حقيبة".
لكنه في ذات الوقت، نفى اشتراط التيار الوطني الحر أن تتشكل الحكومة من 24 وزيراً، مضيفاً: "نحن لا نطالب، بل نعبر فقط عن رأينا كطرف سياسي في البلد".
وعقد الحريري بعد تكليفه تشكيل الحكومة، عدة اجتماعات مع الرئيس عون، جميعها كانت بعيدة عن الإعلام، وكانت العلاقة بين باسيل والحريري قد تعكرت بعد استقالة الأخير من رئاسة الحكومة، إثر احتجاجات 17 أكتوبر 2019، بعدما كانوا حلفاء في الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2018.
نفس المنهج في التشكيل
بدوره، يرى النائب عن الحزب التقدمي الاشتراكي بلال عبدالله أن طريقة التعاطي الحالية مع تشكيل الحكومة "هي ذاتها التي اعتمدت في الحكومات السابقة".
وأوضح في حديثه للأناضول أن عملية التأليف "ما زالت تقوم على اعتبار المحاصصة مع أن الوضع لا يحتمل"، مشدداً على ضرورة "تشكيل حكومة مهمة وإصلاح بعيداً عن كل هذه الحسابات".
وكانت وسائل إعلام محلية تحدثت مؤخراً عن بروز عقدة تتمثل في مطالبات بإعطاء حقيبة وزارية للطائفة الدرزية من خارج الحزب التقدمي الاشتراكي، بخلاف ما جرت عليه العادة في الحكومات الأخيرة.
وفي هذا السياق، يقول عبدالله إنه "ليس الوقت لتوزيع حقائب، بل المبدأ تشكيل حكومة رشيقة من الاختصاصيين"، مضيفاً: "نعرف أن الضغط يحدث من فريق رئيس الجمهورية، وهذا الأمر في غير محله".