لا تزال "شهادة التقدير" التي تلقتها عائلة هنادي الحيدري لتوفيرها الملجأ والغذاء وخدمات النقل للجيش الأمريكي تبدو جديدة، دون أي تجعُّد حتى. وتبقيها هنادي بجوار جواز سفرها العراقي في منزلها الجديد بمدينة دنفر الأمريكية.
تُعَد هذه الوثيقة دليلاً على المساعدة التي قامت بها العائلة لمساعدة الجنود الأمريكيين خلال غزو العراق، وتذكرة "بوعد لم يُوفَّ". فما يزال شقيق هنادي، أحمد، الذي سمح عمله مترجماً للقوات الأمريكية لعائلته بالتقدم للحصول على تأشيرة لجوء ذات أولوية للولايات المتحدة، طي النسيان في الشرق الأوسط يعاني من أجل دعم ابنه ذي الـ9 سنوات، كما تقول هنادي لصحيفة The New York Times الأمريكية.
وتضيف: "إنَّه يريد حقوقه الأساسية وحسب. أردنا القدوم إلى هنا (الولايات المتحدة) لأنَّنا لا نملك منزلاً. لم نعد نملك بلداً".
كانت إدارة ترامب قد خصَّصت 4 آلاف مكان للاجئين العراقيين الذين ساعدوا القوات الأمريكية، أو المتعهِّدين، أو وسائل الإعلام، أو أفراد مجموعات "أقليات مضطهدين" في السنة المالية التي انتهت في 30 سبتمبر/أيلول الماضي. لكنَّها قبلت في النهاية دخول 161 عراقياً أو 4% فقط إلى الولايات المتحدة، وهي أقل نسبة مئوية بين الأربعة تصنيفات من اللاجئين الذين سمحت الإدارة بإعادة توطينهم العام الماضي.
وفي حين تسببت جائحة فيروس كورونا في إلغاء الرحلات الجوية للاجئين لأشهر، نوَّه محامو الهجرة كذلك إلى الآثار المستمرة لإجراءات حظر اللاجئين التي فرضها الرئيس ترامب في البداية وتوسُّع عمليات التدقيق لأولئك الذين يفرون من بلادهم. ومن بين الـ5000 مكان التي خُصِّصَت لما يسمى بـ"ضحايا الاضطهاد الديني"، شُغِلَ 4859 مكاناً فقط، في انعكاسٍ ربما للأولويات السياسية للإدارة.
أمريكا تخلت عن الذين ساعدوها في حروبها
وتضاءلت آمال هنادي في أن يُعاد لمّ شمل عائلتها أكثر الشهر الماضي، حين أبلغ ترامب الكونغرس أنَّه يعتزم خفض الحد الأقصى لعدد اللاجئين للعام الرابع على التوالي. ويعتمد عدد اللاجئين المقبولين على الإدارة والأحداث العالمية، لكنَّ أعلى عدد في السنة المالية الحالية 15 ألفاً، هو الأقل في تاريخ البرنامج الممتد لأربعة عقود. كان الحد الأقصى إبَّان إدارة أوباما يبلغ 70 ألفاً سنوياً على الأقل. وقد استخدم ترامب مسألة اللاجئين لمهاجمة خصمه الديمقراطي، نائب الرئيس السابق جو بايدن، الذي اقترح رفع عدد اللاجئين المقبولين إلى 125 ألفاً.
لكنَّ العائلات أمثال عائلة الحيدري تتجه إلى أهداف سياسية غير محتملة. فقدامى المحاربين وأفراد الخدمة العسكرية النشطين حالياً يخشون من أن يكون استبعاد أولئك الذين ساعدوا الجيش من عمليات إعادة التوطين هو التهديد الحقيقي للأمن القومي، لأنَّ الحصول على مثل هذا التعاون سيكون أصعب في الصراعات المستقبلية. ووفقاً لبيانات وزارة الخارجية الأمريكية، استُقبِل أكثر من 9800 عراقي في الولايات المتحدة عام 2016. وبحلول السنة المالية 2019، انخفض هذا العدد إلى 465.
قال ألين فوت، النقيب السابق بالجيش الأمريكي والذي خدم في العراق بين عامي 2003 و2004: "إذا أُرسِلت الرسالة بأنَّ أولئك الذين أقدموا على مساعدة أفراد الخدمة العسكرية الأمريكية جرى التخلي عنهم ونسيانهم وتُرِكوا للموت، فستتقلَّص بصورة كبيرة احتمالية إقدام الناس في البلدان الأخرى مستقبلاً على مساعدة أفراد الخدمة الأمريكية في مهامهم".
ووفقاً لمنظمات إعادة التوطين، ينتظر ما لا يقل عن 110 آلاف عراقي أن يتم قبولهم كلاجئين استناداً إلى مساعدتهم للسلطات الأمريكية.
وأضاف فوت: "وُصِم كل مَن عمل مع القوات الأمريكية.. وكانت الطريقة التي قتلوا بها شنيعة، لقد حُرِقَ أحد المترجمين الذين كانوا يعملون معي حياً".
التدقيق الأمني حول الطلبات
حاولت الإدارة تنقيح برنامج اللاجئين العام الماضي، ليس فقط من خلال تقليص الحد الأقصى الإجمالي لعدد المقبولين، بل كذلك من خلال تمكين الحكومات المحلية لمنع إعادة التوطين في مناطقها، وهي خطوة توقفت حين أقام المعارضون دعوى ضدها في المحاكم.
ولطالما اضطر أولئك الساعين للحصول على اللجوء في الولايات المتحدة للخضوع لمقابلات عديدة مع مسؤولي ومنظمات الهجرة المتعاقدة مع وزارة الخارجية الأمريكية من أجل الحصول على موافقة للسفر إلى الولايات المتحدة. وفي العراق، تباطأت تلك المقابلات العام الماضي بسبب سحب الموظفين غير الأساسيين من السفارة الأمريكية في بغداد.
وتطلب الإدارة الآن معلومات إضافية من الكثير من اللاجئين وعائلاتهم. وعلى المتقدمين بالطلبات من 11 بلداً- معظمها بلدان ذات غالبية مسلمة- انتظار التدقيق في حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يزيد التأخيرات. ويخضع أقاربهم، بما في ذلك الأطفال، لفحوصات أمنية إضافية.
ووفقاً لتقرير للمشروع الدولي لمساعدة اللاجئين، يُطلَب من اللاجئين تقديم أرقام الهواتف والعناوين التي تعود لعشر سنوات بدلاً من خمس، وهي مهمة ليست سهلة بالنسبة لعائلة ربما ظلت تبحث عن مسكن دائم لسنوات.
وقال المكتب الصحفي للخارجية الأمريكية إنَّ الوزارة تحتاج لإجراء الفحوصات الأمنية لضمان أنَّ أولئك الذين يُسمَح لهم بإعادة التوطين في البلاد خضعوا لعملية تدقيق ملائمة.
"الموت أفضل من حالي"
والمترجم السابق لفوت، والموجود الآن في مصر، عالق في هذه الحلقة، بانتظار إتمام الفحوصات الأمنية حتى بعد إخباره بالاستعداد للسفر إلى الولايات المتحدة في عام 2017.
حظي هذا المترجم بدعم القوات التي ساعدها. وطلب، في مقابلة، أن نُعرِّفه باسم "سام"، وهو اللقب الذي منحه فريق فوت له.
كتب أحد ضباط الجيش في عام 2004 مذكرة يطلب فيها من الجيش إعادة توطين سام، ذكر فيها: "أعتقد أنَّه من الخطر للغاية بالنسبة له العمل في الفلوجة بعد الآن. لقد كان مخلصاً وجديراً بالثقة ويستحق تقديرنا".
ووفقاً للشهادة التي قدمها سام في دعوى قضائية ضد عملية التدقيق المطولة من جانب الإدارة، أطلقت مجموعة مسلحة في ذلك العام أكثر من 12 طلقة على سام وألقت قنبلة على منزله. وقرَّر أنَّ عليه الابتعاد عن زوجته وابنتيه من أجل سلامتهن. وبعد الانتقال من منزل إلى آخر بالعراق، فرَّ إلى مصر عام 2014، حيث كان يأمل أن يكمل عملية لجوئه. قال سام في مقابلة هاتفية: "حتى الموت أفضل من الوضع الذي أنا فيه".
تتمثل إحدى الطرق الأخرى المتاحة للعراقيين والأفغان الذي ساعدوا الجيش الأمريكي من أجل بلوغ الولايات المتحدة في التقدم بطلب للحصول على تأشيرة هجرة خاصة، لكنَّ البرنامج يواجه كذلك تأخيرات مطولة. فبحسب المشروع الدولي لمساعدة اللاجئين، على الرغم من تفويض الكونغرس لوزارتي الخارجية والأمن الداخلي بإتمام التأشيرات في غضون تسعة أشهر، عَلِقَ أكثر من 8 آلاف متقدِّم لفترة أطول من هذه.
يتلقون تهديدات بالقتل
طلب صبغة الله نورستاني، وهو مترجم أفغاني للجيش الأمريكي، تأشيرة خاصة للولايات المتحدة له ولعائلته من أجل مغادرة أفغانستان في 2013. ومع تصاعد التأخيرات، تواصل في النهاية عبر فيسبوك مع شخصٍ كان عمل معه في الجيش، هو مارك سيلفستري. وقد وعد سيلفستري بمساعدة نورستاني، الذي تلقَّت عائلته تهديدات بالموت.
تواصل سيلفستري مع عدد من أعضاء الكونغرس والمجتمع في مدينة رِفير بولاية ماساتشوستس من أجل حشد الدعم لقضية نورستاني. وحين وصل نورستاني أخيراً إلى مطار بوسطن لوغان الدولي في يونيو/حزيران الماضي، كانت مجموعة من ضباط الشرطة وأعضاء مجلس مدينة رفير وعائلة سيلفستري هناك لاستقباله.
ما يزال نورستاني يخشى على صهره، الذي ما يزال خارج الولايات المتحدة. وهو نفس التخوف الذي جعل والديّ هنادي الحيدري مكتئبين للغاية في دنفر. فبعد اجتياز كل الفحوصات الأمنية، جرت الموافقة على سفر هنادي ووالديها وشقيقها إلى الولايات المتحدة بصورة منفصلة. وصلت هنادي أولاً عام 2016، وتبعها والداها بعد أسبوعين. وقالت إنَّ مسؤولي الهجرة أخبروا العائلة أنَّ أحمد سيُسمَح له بالسفر في الأسابيع المقبلة.
ثُمَّ أصدر ترامب الحظر الأوليّ على اللاجئين، وعَلِقَ أحمد في بيروقراطية عملية التدقيق الموسع. وقالت هنادي: "الشيء الوحيد الذي أريده من الحياة الآن هو أن أرى شقيقي هنا".
وغالباً ما تقضي وقت فراغها في التطوع بمكاتب إعادة التوطين المحلية، تساعد في الترجمة للاجئين الواصلين حديثاً. لكن بما أنَّ ترامب قلَّص حجم برنامج اللاجئين، لم يعد هناك أحد تقريباً لتقديم المساعدة.