عقب مقتل مدرس فرنسي على يد أحد المتطرفين الأسبوع الماضي، اعتقلت السلطات الفرنسية عشرات المشتبه بهم، وسعت لحل الجماعات المدنية المسلمة وأغلقت مسجداً يستقبل الآلاف من المصلين، مما أجَّج صراعاً مستعراً منذ أمد حول مكانة الإسلام في المجتمع الفرنسي، حسب صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
تأتي هذه الإجراءات ضمن حملة حكومة إيمانويل ماكرون لمواجهة ما يسميه "النزعة الانفصالية الإسلامية"، التي يصفها مسؤولون كبار بأنها هيمنة القواعد الدينية على سلطة الدولة في بعض المجتمعات المسلمة. وتقول السلطات إنَّ تحركاتهم تعكس اعتزام الحكومة على ضمان امتثال المسلمين في فرنسا مع قوانين الدولة الصارمة بفصل الدين عن الدولة، أو "العلمانية".
سلب الهوية الإسلامية
بيد أنَّ المسلمين في فرنسا يرون في هذه الإجراءات محاولة لتشويه سمعتهم وسلبهم هويتهم. وفي تصريحات ترددت أصداؤها واسعاً في مجتمع المسلمين، قال وزير الداخلية الفرنسي اليميني المتشدد جيرالد دارمانان هذا الأسبوع إنه صُدِم لمعرفة أنَّ المتاجر بها أقسام للأغذية الحلال. وتساءل: "لماذا لديهم هذه الأقسام"؟.
وأعرب بعض القادة المسلمين عن رفضهم للمبرر الذي تستند إليه حملة ماكرون في حملتها؛ وهو ادعاء أنَّ "مقاومة المسلمين الفرنسيين للانصهار في المجتمع العلماني يسمح بتغذية الأيديولوجيات المتطرفة".
ومنذ سنوات يطالب القادة السياسيون في البلاد أتباع الديانات بالتخلي عن "الرموز والملابس ذات الدلالات الدينية" عندما يكونون في بعض الأماكن العامة، رافضين التعددية الثقافية على غرار الولايات المتحدة أو كندا وغيرهما، التي يتقبل فيها السياسيون علناً المجموعات العرقية والدينية المختلفة.
وبالرغم من أنَّ الدستور الفرنسي يكفل حرية العبادة، لكنه يمنح السلطات صلاحية فرض قيود صارمة على التعبير الديني الشخصي في المدارس والمباني الحكومية وحتى في الشوارع.
حرية الكيل بمكيالين
ودفعت واقعة قطع رأس المدرس الذي أعاد نشر رسوم مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، الحكومة إلى تكثيف حملتها ضد الجمعيات الإسلامية، بهدف "محاربة التطرف".
وإحدى هذه الجمعيات، التي حلَّتها الحكومة بالفعل هي BarakaCity، وهي منظمة إسلامية غير ربحية تقول إنَّ لها أعمالاً خيرية في عشرات البلدان. وعندما قررت مجلة تشارلي إيبدو إعادة نشر الرسوم المسيئة عن الرسول صلى الله عليه وسلَّم، في سبتمبر/أيلول، كتب مؤسس الجمعية، إدريس سهامدي، في منشور على فيسبوك، "لعن الله تشارلي إيبدو". واستشهدت الحكومة بهذا المنشور وغيره في أمرها الرسمي الذي نُشِر الأربعاء، 28 أكتوبر/تشرين الأول، بحل جمعية BarakaCity، قائلة إنَّ "الجماعة تشجع التطرف الإسلامي".
من جانبه، قال سهامدي إنَّ تعليقه كان ساخراً على غرار ما تفعله مجلة تشارلي إيبدو. وأضاف: "أثرت استفزازهم مثلما يفعلون. أم أنَّ حرية التعبير تقتصر على تشارلي إيبدو؟".
وأشار سهامدي إلى أنَّ جماعته تطعن في قرار الحكومة لدى المحكمة الإدارية العليا في فرنسا، مضيفاً أنه يخطط للحصول على اللجوء السياسي إلى تركيا.
ولطالما عارضت الجماعات الإسلامية، التي تتحرك الحكومة الآن لحلَّها، القيود التي تفرضها الدولة على الملابس والرموز الدينية في الأماكن العامة. وتقول هذه الجماعات إنَّ تطبيق فرنسا هذه القيود كان ذريعة لاستهداف الممارسات الإسلامية، مثل ارتداء الحجاب.
"مجتمع واحد"
بدوره، قال جواد بشار، مدير اتحاد مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا، المعروف باسم CCIF "تحاول السلطات اليوم فرض قواعد عن اللباس واللغة. إنهم يحاولون صهر المسلمين، الذين يريدون فقط أن يكونوا أحراراً، في المجتمع".
وتعتبر المؤسسة الفرنسية رفض الانصهار في المجتمع شكلاً من أشكال "النزعة الجماعية"، وهو المصطلح المُستخدَم لوصف تهديد الجمهورية بتقسيمها على أساس العرق والدين. وقال الرئيس الفرنسي، يوم الخميس 29 أكتوبر/تشرين الأول "في فرنسا، هناك مجتمع واحد فقط".
ويواجه اتحاد مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا تهديداً بالإغلاق من قِبل الحكومة. وقد تأسس هذا الاتحاد عام 2003 لتوفير التمثيل القانوني للمسلمين ضحايا التمييز العنصري. ووصف دارمانان الأسبوع الماضي الاتحاد بأنه "عدو للجمهورية" واتهمه بأنه "متورط بوضوح" في وفاة المدرس صامويل باتي. وقال إنَّ الحكومة ستتحرك لحلَّها.
ونشر والد أحد طلاب المعلم باتي مقطع فيديو يدين فيه المعلم لأنه طلب من تلامذته المسلمين مغادرة الفصل قبل عرض رسوم شارلي إيبدو المسيئة. وناشد الوالد اتحاد مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا المساعدة في التصدي لما وصفه بالتمييز من باتي ضد المسلمين. وقبل وفاته، قال باتي للمسؤولين الذين يحققون في الحادث إنه لم يستهدف الطلاب المسلمين.
وأدان بشار مقتل باتي. ومنذ تعليقات وزير الداخلية الفرنسي، انهالت رسائل التهديد على اتحاد مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا، بحسب بشار.
إلى جانب ذلك، أغلقت الحكومة لمدة 6 أشهر مسجد بانتين الكبير، في ضاحية للطبقة العاملة شمال شرق باريس، بسبب نشره مقطع فيديو والد الطالب على صفحة المسجد على فيسبوك، التي تضم عشرات الآلاف من المتابعين. ويبلغ عدد المصلين في المسجد نحو 2000.
يقول محمد حنيش، رئيس الجمعية التي تدير المسجد، إنه ليس لديه مشكلة مع مدرس يعرض الرسوم الكاريكاتيرية في الفصل، لكنه صُدم عندما سمع أباً يقول إن الأطفال في فصل ابنته طُلب منهم رفع أيديهم لو كانوا مسلمين. لذلك نشر الفيديو على فيسبوك. وقال السيد حنيش: "هل هذا يجعلني متواطئاً؟".