"الأمر سينتهي بتفجير مصر للسد" هذا ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرئيس وزراء السودان عبدالله حمدوك نصاً. فهل هذه نبوءة أم توقّع أم ضوء أخضر لحرب بين مصر وإثيوبيا؟
في ظل السباق الانتخابي المشتعل حالياً في الولايات المتحدة وحالة الاستقطاب الحادة على جميع المستويات ومنها الإعلام بطبيعة الحال، تناولت صحيفة The Washington Post الأمريكية القصة بعنوان: "ترامب يُفتَرض به أن يتوسط في الخلاف حول سد النهضة. ولكنه يحرض على الحرب".
وساطة ترامب فشلت منذ شهور
تواجه مصر والسودان موقفاً متوتراً للغاية مع إثيوبيا قد يتحول إلى مواجهة في مواجهة حول سد النهضة الذي تبنيه الأخيرة على نهر النيل الأزرق عند المنبع، والمشروع، الذي أوشك على الانتهاء وتبلغ تكلفته 5 مليارات دولار يمثل أهمية كبيرة لخطط التنمية في إثيوبيا، إذ سيساعدها على مضاعفة إنتاجها من الكهرباء ووصولها بالتالي إلى 65 مليون شخص محروم منها الآن.
لكنَّ مصر والسودان، اللتين تعتمدان على مياه نهر النيل بصورة كاملة، تخشيان حرمانهما من المياه بعد ملء الخزان العملاق خلف السد، الذي أوشك بناؤه على الاكتمال بالفعل دون التوصل لاتفاق بين الأطراف الثلاثة.
وكان يفترض بالولايات المتحدة المساعدة في حل هذا الخلاف، فمصر وإثيوبيا حليفتان للولايات المتحدة منذ فترة طويلة ومن الدول التي تتلقى مساعدات منها، والعلاقات بين واشنطن والخرطوم تتحسن بسرعة. لكن ما يفعله الرئيس ترامب هو أنه يحرض على الحرب. إذ قال الأسبوع الماضي خلال مكالمة هاتفية مع مسؤولين سودانيين: "الأمر سينتهي بتفجير مصر للسد… عليهم أن يفعلوا شيئاً".
السيسي لن ينصت لترامب
والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي وصفه ترامب بـ"ديكتاتوري المفضل"، لن يصغي لترامب على الأرجح، لكن تصريحات ترامب التي تنم عن الجهل والاندفاع تؤكد كيف بددت إدارته نفوذ الولايات المتحدة وتنازلت عن دورها القيادي في إفريقيا والعالم ونبذت الحلفاء المهمين للولايات المتحدة. وإثيوبيا، الدولة التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة، والتي فاز رئيس وزرائها، أبي أحمد، بجائزة نوبل للسلام لعام 2019 لتوصلها إلى اتفاقية سلام مع جارتها إريتريا، هي أحدث مثال على ذلك.
وقد حاولت الولايات المتحدة في البداية التوسط بين إثيوبيا ومصر والسودان مطلع هذا العام، ويعتقد معظم الخبراء أن الحل ممكن؛ إذ لا بد أن تتفق البلدان الثلاثة على المدة التي سيستغرقها ملء الخزان خلف السد وطريقة إدارة إمدادات المياه أثناء فترات الجفاف في المستقبل. لكن بدلاً من أن يؤدي ترامب دور الوسيط النزيه، وقف إلى جانب السيسي، الديكتاتور الذي يُحمِّل نظامه إثيوبيا مسؤولية شح المياه.
"رئيس لا يدري عما يتحدث"
وحين انسحبت إثيوبيا من المحادثات وبدأت في ملء الخزان، أمر ترامب بحجب 264 مليون دولار من المساعدات الأمنية والإنمائية الأمريكية، وهو ما لم يؤدِّ إلا إلى زيادة مقاومة أبي أحمد للضغوط الأمريكية. والآن يقترح ترامب أن تخوض مصر حرباً مع دولة كانت حليفة مهمة لأمريكا في محاربة تنظيم القاعدة وفروعه في شرق إفريقيا.
وردت وزارة الخارجية الإثيوبية دبلوماسياً على هذا التصريح بالقول إن "التحريض على الحرب بين إثيوبيا ومصر من الرئيس الأمريكي الحالي" لا يعكس "الشراكة طويلة الأمد والتحالف الاستراتيجي بين إثيوبيا والولايات المتحدة". غير أن رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي مريام ديسالين عبَّر عن ذلك بطريقة أكثر مباشرة بتغريدته: "الرئيس ترامب ليس لديه أدنى فكرة عما يتحدث عنه".
ولكن لحسن الحظ، يتوفر وسطاء آخرون: إذ يسعى الاتحاد الإفريقي للتوسط في تسوية. لكن ترامب سيزيد من صعوبة مهمته، بعد إثارته للمشاعر القومية في البلدان الثلاثة. والعلاقات الأمريكية المُدَّمرة مع إثيوبيا قد تعود لطبيعتها، ولكن في حالة واحدة فقط هي خسارة ترامب لانتخابات الأسبوع المقبل أمام جو بايدن.