من الأكثر تضرراً من المقاطعة.. فرنسا أم العرب والأتراك؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/10/27 الساعة 19:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/28 الساعة 08:18 بتوقيت غرينتش
الرئيسان التركي والفرنسي رجب طيب أردوغان وإيمانويل ماكرون (أرشيف)/رويترز

تصاعدت الدعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية في العالمين الإسلامي والعربي، وهي الدعوات التي وصلت لذروتها مع دعوة الرئيس التركي لمقاطعة فرنسا تجارياً، فما حجم التبادل التجاري بين فرنسا وتركيا والعالم العربي، وكيف ستتأثر العلاقة التجارية بين أنقرة وباريس بهذه الدعوة؟ 

وأثارت تصريحات الرئيس التركي جدلاً واسعاً وقاطعت العديد من الدول الإسلامية البضائع الفرنسية، بما في ذلك منتجات الألبان ومستحضرات التجميل، منها قطر والأردن والكويت والمغرب وإيران وبنغلاديش وتركيا وباكستان. كما نظمت مظاهرات مع اشتعال النيران في ملصقات لماكرون في بعض الحالات.

دعوات المقاطعة تتصاعد 

وحث أردوغان المواطنين أمس الإثنين على وقف شراء البضائع الفرنسية، وانضم إلى الدعوات في جميع أنحاء العالم الإسلامي للمقاطعة المستهلكون احتجاجاً على الصور التي يتم عرضها في فرنسا للنبي محمد والتي يعتبرها المسلمون تجديفاً.

وبذلك أصبح أردوغان أول رئيس دولة ينضم إلى دعوات المقاطعة التي أدت إلى سحب البضائع الفرنسية من أرفف المتاجر في قطر والكويت، من بين دول الخليج الأخرى.

وقال أردوغان يوم الإثنين "مثلما يقولون لا تشتري بضائع بعلامات تجارية تركية في فرنسا، أنا أدعو جميع المواطنين من هنا لعدم مساعدة العلامات التجارية الفرنسية أو شرائها".

 في وقت سابق من هذا الشهر وصف ماكرون الإسلام بأنه دين "في أزمة" وأعلن عن خطط لقوانين أكثر صرامة لمواجهة ما سماه "الانفصالية الإسلامية" في فرنسا.

 وتزامن ذلك مع مقتل مدرس لغة فرنسية عرض رسوماً كاريكاتيرية للنبي محمد في الصف. وأشاد ماكرون به وقال إن فرنسا لن تمنع نشر رسوم مسيئة للنبي بحجة حرية التعبير.

أردوغان ليس رئيس الدولة الوحيد الذي وجه اللوم إلى فرنسا ورئيسها بسبب مزاعم الإساءة إلى المسلمين.

ففي سلسلة تغريدات نُشرت يوم الأحد، اتهم رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان ماكرون بـ"مهاجمة الإسلام، من الواضح دون أن يكون لديه أي فهم له".

وأضاف خان: "لقد هاجم الرئيس ماكرون وأضر بمشاعر ملايين المسلمين في أوروبا وفي جميع أنحاء العالم".

حجم التبادل التجاري بين فرنسا وتركيا والعالم العربي

وأظهرت بيانات موقع ITC Trade، مشروع تابع للأمم المتحدة، أن إجمالي صادرات فرنسا إلى دول العالم بلغ العام الماضي 555.1 مليار دولار، أي أكثر من نصف تريليون دولار.

وفقاً للبيانات التي جمعتها وكالة الأناضول (AA) تلعب الدول الإسلامية دوراً مهماً في التجارة الخارجية لفرنسا. 

يقال إن فرنسا صدرت بقيمة 45.8 مليار دولار إلى الدول الإسلامية في عام 2019، وبلغت وارداتها 58 مليار دولار.

وبلغت صادرات فرنسا إلى 7 دول عربية العام الماضي نحو 29 مليار دولار، أبرزها كانت إلى المغرب والجزائر.

وبصفة عامة يلاحظ أن علاقة فرنسا مع معظم الدول الإسلامية والعربية تميل لصالح فرنسا، التي تحقق فائضاً في التبادل التجاري مع شركائها العرب والمسلمين.

تركيا الشريك الأكبر لفرنسا، ولكن أيهما يتفوق في التبادل التجاري؟

وتعد تركيا أهم شريك تجاري من الدول الإسلامية مع فرنسا، إذ تحتل أنقرة المرتبة الـ13 في قائمة أكبر المورّدين العالميين لفرنسا، وخامس أكبر دولة باستثناء الاتحاد الأوروبي وسويسرا. إنه عميلنا الثاني عشر في الترتيب، أو الثالث إذا تم استبعاد الاتحاد الأوروبي وسويسرا. تعد فرنسا سادس أكبر عميل لتركيا، حيث تتلقى 4.3٪ من صادراتها، حسب موقع الدبلوماسية الفرنسية التابع لوزارة أوروبا والشؤون الخارجية.

كما تعد فرنسا سادس أكبر عميل لتركيا، حيث تتلقى 4.3٪ من صادراتها.

ولكن اللافت أنه على عكس معظم الدول العربية والإسلامية فإن فرنسا تعاني من عجز مع تركيا.

حيث بلغت صادرات فرنسا إلى تركيا 6.66 مليار دولار أمريكي خلال عام 2019، وفقاً لقاعدة بيانات التجارة الدولية التابعة للأمم المتحدة، في حين بلغت صادرات تركيا إلى فرنسا 9.81 مليار دولار أمريكي خلال عام 2019، 

أي أن باريس تعاني من عجز مع تركيا، يزيد عن ملياري دولار.

صادرات تركيا تتزايد رغم الجائحة والعجز الفرنسي يتفاقم

وتعاني فرنسا من تراجع تجارتها هذا العام جراء جائحة كورونا

فقد بلغ إجمالي الصادرات الفرنسية 41.8 مليار دولار في أغسطس 2020، بانخفاض قدره 17.4٪ على أساس سنوي. سجل إجمالي الواردات 51.0 مليار دولار في أغسطس 2020، بانخفاض قدره 10.5٪ على أساس سنوي،

 أي أن العجز تزايد، حيث سجل الميزان التجاري الفرنسي عجزاً قدره 9.1 مليار دولار في أغسطس 2020، مقارنة بعجز قدره 8.1 مليار دولار في الشهر السابق. 

وانخفضت الصادرات بنسبة 0.6٪ إلى 35.4 مليار يورو، وقفزت الواردات بنسبة 1.1٪ إلى 43.1 مليار يورو، وهو أعلى مستوى منذ فبراير/شباط.

وفي المقابل كانت تركيا من الدول القليلة التي حققت زيادة في الصادرات رغم الجائحة.

فقد سجلت الصادرات التركية ارتفاعاً خلال سبتمبر/أيلول الماضي، وقد بلغت 16 ملياراً و13 مليون دولار، بزيادة 28.5% عن أغسطس/آب الماضي، كما ارتفعت بنسبة 4.8% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.

وقبلها أعلنت جمعية المصدرين في تركيا عن زيادة حجم الصادرات في شهر يوليو/تموز 2020 بنسبة 11.5% عن الشهر السابق.

وذكرت الجمعية وفق ما نشرت صحيفة "حرييت" وترجمت وكالة نيوترك بوست أن الصادرات التركية بلغت خلال يوليو نحو 15 ملياراً و12 مليون دولار، وهو أعلى رقم شهري منذ تفشي وباء كورونا.

وتظهر أحدث البيانات المتاحة الخاصة بكل بلد أن 51.9٪ من المنتجات المصدرة من تركيا تم شراؤها من قبل المستوردين التاليين: ألمانيا (9٪ من الإجمالي العالمي)، المملكة المتحدة (6.3٪)، إيطاليا (5.4٪)، العراق (5.2٪)، الولايات المتحدة (4.7٪)، فرنسا (4.5٪)، إسبانيا (4.5٪)، هولندا (3.2٪)، إسرائيل (2.5٪)، روسيا (2.3٪)، رومانيا (2.2٪) والإمارات العربية المتحدة (2.1٪) ).

أهم السلع المتبادلة بين باريس وأنقرة

السلع الرئيسية التي تصدرها تركيا إلى فرنسا هي السيارات وقطع غيار المركبات البرية ومركبات النقل وأجهزة استقبال التلفزيون والحلويات والتسمين والمنتجات الزراعية، بينما تتمثل العناصر الرئيسية لواردات تركيا من فرنسا في منتجات صناعات الطيران والفضاء والآلات والمركبات وقطع الغيار. وملحقاتها للسيارات والأدوية. 

في الفترة من 2002-2017 بلغ إجمالي حجم الاستثمارات المباشرة من فرنسا إلى تركيا 6 مليارات و957 مليون دولار أمريكي. هذا الرقم هو 217 مليون دولار من تركيا إلى فرنسا في نفس الفترة.

 في عام 2017 زار تركيا 578.524 ألف سائح فرنسي، حسب موقع الخارجية التركية

صناعة السيارات.. علاقة خاصة

تمثل صناعة السيارات أهمية خاصة بين البلدين، فالسيارات من أهم صادرات تركيا إلى فرنسا، كما أن تركيا سوق مهم للشركات الفرنسية خاصة أنها تعاني من التراجع في الأسواق خاصة الصيني الذي يعد أكبر سوق في العالم، حيث بدأت الشركات الفرنسية تخرج منه.

أدرجت شركة رينو الفرنسية لصناعة السيارات تركيا في المرتبة الثامنة بين أكبر أسواقها، حيث بيعت 49131 سيارة هناك في الأشهر الستة الأولى من هذا العام.

 وقالت مجموعة PSA التي تصنع العلامتين التجاريتين Citroen 

وPeugeot، في نتائجها المالية الأخيرة إن المبيعات في تركيا تتزايد وتمثل نقطة مضيئة في سوق صعبة رغم أنها لم تقدم أرقاماً.

من يتضرر أكثر  من المقاطعة؟ العرب يغيرون المعادلة

 بصفة عامة يميل ميزان التبادل التجاري بشكل واضح لصالح تركيا على حساب فرنسا، إضافة إلى تدفق السياحة الذي يجعل مجمل تجارة السلع والخدمات أكثر لصالح تركيا.

ولكن هذا لا يعد ميزة في أي مقاطعة بين البلدين، لأن تركيا مستفيدة من التجارة بين البلدين.

ولكن هناك نقطة مهمة لصالح أنقرة أنه في الأغلب جزء من الصادرات التركية  لفرنسا من تصنيع شركات فرنسية، مما يجعل مقاطعتها تضر بمصالح ملاكها الفرنسيين إضافة إلى العمال الأتراك، في المقابل فإن الأمر ليس العكس أي معظم الصادرات الفرنسية لتركيا من تصنيع شركات فرنسية.

ولكن المعادلة تتغير تماماً إذا أضيفت الدول العربية، فصادرات  فرنسا إلى سبع دول عربية رئيسية إضافة إلى تركيا (تركيا، الجزائر، المغرب، قطر، تونس، الإمارات، السعودية، مصر) وصلت العام الماضي إلى 35 مليار دولار.

وعلى عكس تركيا يتسم الميزان التجاري بين فرنسا وأغلب الدول العربية لصالح باريس، كما أن جزءاً كبيراً من الصادرات الفرنسية يتضمن أسلحة وخاصة الطائرات الحربية.

هل تضررت الشركات الفرنسية؟

وبينما حاول المسؤولون الفرنسيون التقليل من الدعوات، قالت جماعة ضغط فرنسية إن وزارة التجارة بوزارة الخارجية أقامت مركزاً للأزمات وتجري اتصالات مع ممثلي الصناعة والزراعة.

وكانت سلسلة متاجر كارفور أحد أهداف دعوات المقاطعة في المملكة العربية السعودية. 

كانت حملة المستهلكين للابتعاد عن متاجرها شائعة على وسائل التواصل الاجتماعي السعودية خلال عطلة نهاية الأسبوع، ويأتي ذلك رغم تحالف السعودية مع فرنسا وعدائها غير المعلن مع تركيا وتشجيعها بشكل غير رسمي لدعوات المقاطعة للمنتجات التركية.

والشركة المتخصصة في مبيعات التجزئة تعمل في أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط وجنوب آسيا عبر ترتيب الامتياز مع الشركاء. يمتلك أحد الشركاء الحقوق الحصرية في امتياز كارفور في دول مثل باكستان ولبنان والبحرين. شريك آخر يحمل حقوق امتياز كارفور للمغرب.

وزار صحفيو رويترز في العاصمة السعودية الرياض متجرين لكارفور بدا أنهما مشغولان كالمعتاد. وقال ممثل كارفور في باريس إن الشركة لم تشعر بأي تأثير حتى الآن من دعوات المقاطعة.

وتتواجد شركة توتال الفرنسية العملاقة للطاقة في العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة. في باكستان وبنغلاديش وتركيا، وهي البلدان التي كان فيها رد الفعل العنيف ضد فرنسا بسبب الرسوم الكاريكاتيرية أكثر صخباً، تركز توتال بشكل أساسي على بيع منتجاتها البتروكيماوية والبترولية.

 وفي المملكة العربية السعودية وكذلك في العديد من دول الخليج الأخرى، تمتلك توتال استثمارات في التنقيب والإنتاج، وفي بعض الحالات التكرير.

 الموضة والفخامة

وفي متجر زارته رويترز في مدينة الكويت يوم الأحد، أزيلت مستحضرات التجميل ومنتجات العناية بالبشرة التي تنتجها لوريال من الرفوف. كان المتجر واحداً من حوالي 70 منفذاً مرتبطة باتحاد تعاوني قرر وقف بيع المنتجات الفرنسية.

لكن تعرض لوريال – إلى جانب لاعبين آخرين في قطاع الأزياء الفرنسي – لتأثير المقاطعة محدود. 

إذ يعد الشرق الأوسط، جنباً إلى جنب مع إفريقيا، أصغر مساهم في أرباح لوريال، حيث يمثل ما يزيد قليلاً عن 2%.

فبالنسبة إلى ماركات الأزياء الفرنسية الكبرى، يمثل الشرق الأوسط جزءاً صغيراً من المبيعات مقارنة بالولايات المتحدة أو آسيا أو أوروبا، رغم أن العلامات التجارية الكبيرة مثل Louis Vuitton المملوكة لشركة LVMH أو Chanel المملوكة للقطاع الخاص لديها متاجر في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك المملكة العربية السعودية ودبي.

 لكن العملاء الأثرياء في الشرق الأوسط يميلون إلى شراء السلع الفاخرة أثناء السفر بعيداً عن الوطن. 

الدفاع والفضاء

تعد فرنسا أحد أكبر مصدري الأسلحة في العالم. تبيع شركة تاليس الأسلحة وتكنولوجيا الطيران وأنظمة النقل العام لعدد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة. ومن بين العملاء المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا وقطر، وفقاً لموقع الشركة على الإنترنت.

مصر وقطر من بين الدول التي طلبت طائرات رافال العسكرية من شركة داسو  التي تعتبر المنطقة أيضاً سوقاً كبيراً لطائراتها الخاصة.

الطاقة

يقال إن الدول الإسلامية تستورد في الغالب الآلات وتوربينات الغاز وسلع الطيران والمراجل وقطع غيار السيارات والسيارات والجرارات ومنتجات الحديد والصلب ومعدات الإلكترونيات الكهربائية والأدوية من فرنسا.

 من ناحية أخرى، تستورد فرنسا في الغالب سلعاً مثل النفط الخام والغاز الطبيعي والزيوت المعدنية والسيارات والسيارات وقطع غيار السيارات وأجهزة استقبال الأقمار الصناعية والسخانات الكهربائية والكابلات والملابس والفواكه والخضراوات والفواكه المجففة.

المسؤولون التجاريون يشتمون المقاطعة، ولكن يتجنبون الرد على أردوغان

وقال رئيس اتحاد أصحاب العمل الفرنسي MEDEF يوم الإثنين إن المقاطعة، التي وصفها بأنها "حماقة"، هي أنباء سيئة بشكل واضح للشركات المتضررة بالفعل من جائحة فيروس كورونا. 

وقال جيفروي رو دي بيزيو لمحطة RMC: "لكن ليس هناك شك في الاستسلام للابتزاز". "إنها مسألة التمسك بقيمنا الجمهورية (…). هناك وقت لوضع المبادئ فوق العمل".

وحثت وزارة الخارجية الفرنسية دول الشرق الأوسط على منع المقاطعات، قائلة إن الدعوات "التي لا أساس لها" يتم "دفعها من قبل أقلية متطرفة".

ولكن وزير التجارة الفرنسي فرانك ريستر قال للصحفيين يوم الإثنين إن الحكومة لا تخطط لمقاطعة متبادلة للمنتجات التركية، وستواصل المحادثات والعلاقات مع تركيا ورئيسها.

وقال ريستر لراديو آر تي إل: "لا يوجد انتقام على جدول الأعمال". ومع ذلك كرر إدانة الحكومة لتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة بشأن الرئيس إيمانويل ماكرون ومعاملته للمسلمين في فرنسا.

تحميل المزيد