كيف حطّم “تكتيك” أردوغان “أسطورة” بوتين الذي تخشاه أوروبا؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/10/23 الساعة 15:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/23 الساعة 15:25 بتوقيت غرينتش
أردوغان وبوتين، أرشيفية/ الأناضول

انخرطت تركيا هذا العام في خوض صراعات غير مباشرة ضد قوات وميليشيات عسكرية مدعومة من روسيا، ومع كل نجاح حققته خلال ذلك كان الأمر ينطوي على إهانة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإطاحة بأهدافه، كما يقول موقع Business Insider الأمريكي.

وفي الآونة الأخيرة، دعمت تركيا أذربيجان في حربها ضد أرمينيا المدعومة من روسيا بشأن إقليم قره باغ، وهي المنطقة التي تعد من بقايا انهيار الاتحاد السوفييتي وتقع حدودياً داخل أذربيجان، واحتلتها أرمينيا قبل نحو 30 عاماً. ولطالما كانت تركيا حليفة لأذربيجان، في حين تدعم روسيا أرمينيا ولها قاعدة عسكرية دائمة في البلاد.

"تكتيك" أردوغان الخاص

يعتقد محللون عسكريون أن جرأة تركيا المتنامية تنبع من تصرُّف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. هذه التطورات جعلت أحد المحللين العسكريين، وهو يعمل لصالح الناتو ويقيم في الشرق الأوسط، يقول لموقع Business Insider، إن "أردوغان أصبح أكثر بوتينية من بوتين".

وتذهب تلك الآراء إلى أن ما شجَّع أردوغان على التصرف على هذا النحو هو ردود الفعل الضعيفة التي تلقاها بوتين من الغرب حيال تمركز قواته طويل الأمد في سوريا وليبيا، علاوة على ضمِّه أجزاء كبيرة من أوكرانيا دون معارضة جدية.

على أثر ذلك، شهد العام الماضي مزيداً من الأدوار التركية في الصراعات القائمة بسوريا وليبيا. ويقول المحلل العسكري، إن "أردوغان نظر إلى برنامج الطائرات المسيَّرة المتوافر لديه، وهو غير باهظ التكاليف لكنه فعال في الوقت نفسه، وقال لنفسه: لماذا لا أفعل الشيء نفسه؟ ليتبين بعد ذلك أن هذه التكتيكات تعمل على نحو أفضل في تلك الأماكن مما كان عليه الأمر مع بوتين نفسه".

ويشير المصدر هنا إلى استعانة تركيا بأسراب من الطائرات المسيّرة المنتجة محلياً وغير المكلفة، والتي تمكنت من تدمير أعداد كبيرة من المركبات المدرعة باهظة الأثمان روسية الصنع. وقد استخدمت أذربيجان تلك الطائرات التركية المسيّرة في معارك قره باغ.

نجاح تركي في سوريا وليبيا

كانت روسيا قد أرسلت، في وقت سابق من هذا العام، مرتزقة وأسلحة ودعماً جوياً في ليبيا؛ لمساندة القوات الموالية لأمير الحرب الليبي، خليفة حفتر، في حملته التي كان هدفها السيطرة على العاصمة طرابلس وإسقاط حكومة الوفاق المعترف بها أممياً.

في ذلك الوقت، اعتقد بوتين -وحلفاؤه في مصر والإمارات- أنهم متجهون إلى انتصار سهل، من شأنه أن يعود عليهم بصفقات نفطية مربحة، ويضمن لهم وجوداً عسكرياً طويل الأمد وحكومة صديقة في تلك المنطقة المهمة من شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

لكن تركيا أيضاً رأت في ذلك فرصةً للعمل على تشكيل دور خاص بها، بدعم خاص لحكومة طرابلس، لتتمكن الأخيرة من إيقاف التقدم الروسي في نهاية المطاف، وتجبر الأطراف المعنيَّة على وقف لإطلاق النار والشروع في مفاوضات.

على المنوال ذاته، دخل الجيش التركي في أكتوبر/تشرين الأول 2019، محافظة إدلب السورية للمرة الأولى، واضعاً نصب عينيه إيقاف تقدُّم قوات النظام السوري المدعومة من روسيا في المحافظة الحدودية مع تركيا. وبعد عدة أسابيع من تبادل إطلاق النار، نجح الأتراك، مرة أخرى، بدعمٍ من الطائرات المسيّرة، في إيقاف تقدم النظام..

والآن، جرى الاتفاق بين القوات الأمريكية والروسية والأكراد والنظام السوري والنظام الإيراني والقوات التركية، إضافة إلى مجموعة من الميليشيات السورية متباينة التحالفات، على تسيير دوريات عسكرية على الطريق السريع الرئيسي في المنطقة.

"نجاح غير مكلف"

يقول المحلل العسكري لموقع Business Insider، إن "الطائرات المسيّرة هي التي جعلت كل ذلك متيسراً ومتاحاً بتكلفة زهيدة".

ويوضح ذلك بالقول: "أردوغان يستطيع المخاطرة ببعض الطائرات المسيّرة والقوات التي نظّمها من سوريا، وفي كل مرة ينجح الأمر، وحتى وإن كانت هناك بعض الانتقادات من الناتو وبعض المكالمات الهاتفية الغاضبة، لكن الأمر يظل كما شهدنا مع بوتين في ضمِّه شبه جزيرة القرم الأوكرانية: لا أحد يفعل أي شيء [للتصدي لذلك]".

النجاح غير المكلف الذي حققته تركيا في ليبيا وسوريا، جعلَ من السهل عليها اتخاذ قرار التدخل لصالح أذربيجان في ناغورنو قره باغ الآن.

يقول محلل الناتو: "الأتراك يرون أن هذه السياسة نجحت في الشرق الأوسط؛ ومن ثم قرروا أن التدخل ينطوي على مكاسب في كل الأحوال: مساعدة أبناء العمومة والأشقاء الأذربيجانيين ضد الأرمن دائماً ما ستكون أمراً محموداً في تركيا، كما أن التكلفة العسكرية لن تتجاوز بعض الطائرات المسيرة، وهكذا بدأت للتو حرباً في قلب مناطق الاتحاد السوفييتي السابق دون أي تكلفة تقريباً، وهذا لابد أنه دفع بوتين إلى الاستشاطة غضباً".

تراجع الدور الروسي

في غضون ذلك، قيّدت روسيا من تدخلاتها في هذا الصراع، ففي حين أنها متحالفة من الناحية الفنية مع أرمينيا عبر اتفاق دفاعي، فإن علاقتها بأذربيجان ليست سيئة أيضاً.

ومع ذلك، قال قسطنطين زاتولين، وهو عضو رئيسي في لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الدوما [النواب] الروسي، الخميس 22 أكتوبر/تشرين الأول، إن روسيا لن تستجيب لطلب جورجيا عدم استخدام مجالها الجوي لدعم أي من جانبي الصراع، وفقاً لترجمة الباحث ماكس فراس.

وتقع جورجيا على حدود روسيا وأرمينيا وأذربيجان، وكان من شأن طلبها أن يجعل إرسال المساعدات إلى أرمينيا غير المطلَّة على سواحل أمراً عسيراً.

من جهة أخرى، كتب نيت شينكان، مدير قسم الأبحاث الخاصة في منظمة "فريدوم هاوس"، في تغريدات نشرها على موقع تويتر، أن تركيا في أثناء تدخُّلها بالصراع المتعلق بإقليم ناغورنو قره باغ، يبدو أنها قررت تجاهل احتمالات الانتقاد الدولي لها أو العقوبات قصيرة المدى، وهي مغامرة سبق أن قام بها بوتين مراراً وتكراراً.

تعليقاً على ذلك، يقول محلل الناتو إنه في حين أن الآثار طويلة المدى لهذا التدخل لا تزال غير واضحة، فإن تداعياته قصيرة المدى على خطط بوتين في الشرق الأوسط والقوقاز ظاهرةٌ للعيان.

ويرى محلل الناتو أنه "إلى أن تتمكن روسيا من إيقاف تركيا بطريقة ما، عن نشر طائراتها المسيّرة زهيدة التكلفة، فإن بوتين سيظل يواجه مشكلة كبيرة". وفي إشارة إلى أردوغان، أضاف: "هذا الرجل لا يعبأ كثيراً بما يعتقده العالم بشأنه، وعلى الأقل فقد نجح، إلى الآن، في إعاقة معظم خطط بوتين لعام 2020".

تحميل المزيد