مطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولي عهد الإمارات محمد بن زايد بتشجيع البلدان الأخرى في منطقة الشرق الأوسط على التطبيع مع إسرائيل، تستحق التوقف أمام سر الاختيار واحتمالات نجاح "عراب التطبيع" في مهمته.
اختيار صادف أهله
السياق الذي جاءت فيه دعوة ترامب، بن زايد لتشجيع بقية دول المنطقة على "اتباع المسار الذي اتبعته الإمارات"، هو سياق انتخابي بحت من جانب الرئيس الأمريكي الذي يواجه صعوبة بالغة في الفوز بفترة ثانية في البيت الأبيض، وهو السياق ذاته الذي تم في إطاره الإعلان عن اتفاق التطبيع الإماراتي والبحريني مع إسرائيل.
فمنذ الإعلان من جانب الرئيس الأمريكي، يوم 13 أغسطس/آب الماضي، عن الاتفاق بينه وبين بن زايد ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، على تطبيع العلاقات بين تل أبيب وأبوظبي، يجمع المراقبون والمحللون والخبراء حول العالم على أن الاتفاق لا علاقة له بإقرار السلام في منطقة الشرق الأوسط كما يزعم أطرافه، وإنما يصبُّ فقط في مصلحة ترامب ونتنياهو لأسباب انتخابية خاصة لا علاقة لها حتى بمصالح إسرائيل أو الولايات المتحدة.
والواقع أن ترامب منذ وصوله للبيت الأبيض قبل أربع سنوات وهدفه الأهم هو أن يفوز بفترة ثانية، ومع اقتراب موعد الانتخابات أصبح ذلك الدافع واضحاً لدرجة أن صحيفة الغارديان البريطانية نشرت الإثنين 12 أكتوبر/ تشرين الأول تقريراً بعنوان "إنه لا يفكر إلا في نفسه: رئيس أمريكا المريض المتهور"، ألقى الضوء على استهانة الرئيس بأرواح المحيطين به من حراس ومسؤولين في البيت الأبيض والحملة الانتخابية والناخبين كذلك.
وإذا كان سياق أفعال ترامب واضحاً ومفهوماً – بغض النظر عن تصنيف تلك الأفعال أو الحكم عليها، فإن اختياره لولي عهد أبوظبي تحديداً ليكون العراب الرسمي للتطبيع مع إسرائيل، ليس فقط من جانب الإمارات لكن أيضاً من جانب باقي دول المنطقة، يعتبر اختياراً جيداً من وجهة نظر فرص النجاح والأدوات التي يتحكم فيها محمد بن زايد من جهة واستعداده ورغبته وتطوعه للقيام بذلك الدور من جهة أخرى، وهو ما يجعله بالفعل اختياراً صادف أهله.
أهم سمات محمد بن زايد
تتناسب السمات الشخصية لولي عهد الإمارات تماماً مع طبيعة المهمة التي يضطلع بها كعراب التطبيع الأول مع إسرائيل في المنطقة، فمحمد بن زايد شخصية لا تحب الظهور الإعلامي ويحب العمل بعيداً عن الأضواء، وهذا منعكس بشكل عام في ندرة ظهوره الإعلامي، وأصبح أكثر وضوحاً منذ 13 أغسطس/ آب الماضي.
فعلى الرغم من وجود ترامب ونتنياهو في مراسم التوقيع على ما يسمى "الاتفاقات الإبراهيمية"، غاب عراب التطبيع نفسه وأرسل بدلاً منه أخاه عبدالله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي، وكان أحد أسباب ذلك الغياب يرجع للطبيعة الشخصية لرجل يفضل اللعب في الظل ولم يرِد الظهور في البيت الأبيض ليكون أول من وقع اتفاقية تطبيع في الخليج مع إسرائيل، وهي التي تراها الشعوب العربية مثالاً لـ"الخيانة" أو التنازل عن الثوابت العربية.
وبحسب محللين ومراقبين عرب وغربيين، لا يريد ولي عهد أبوظبي أن يربط التطبيع بشخصه بل أراد اعتباره "إنجازاً" للإمارات وليس لمحمد بن زايد إذا ما نظر العرب أو بعض الإماراتيين لهذه الخطوة على أنها كسر للمحرمات الخليجية، وهذا قد يعد سبة في جبينه على الأقل في ضمير العرب والإماراتيين.
وفي السياق نفسه، لم يتم نشر صورة واحدة للحاكم الفعلي للإمارات وعراب التطبيع تتعلق بالقصة، وحتى الوفد الإسرائيلي الذي زار أبوظبي لم يقابل محمد بن زايد في العلن وربما لم يلتقه في السر أيضاً، مما يعزز رغبة حاكم الإمارات الفعلي في البقاء خلف الكواليس وإدارة المشهد دون الظهور.
تحديات تفرضها دعوة ترامب
هذا السياق يثير التساؤل بشأن تلك الدعوة التي وجهها ترامب لبن زايد بشكل علني وما إذا كان ذلك سيسهل مهمة عراب التطبيع في المنطقة أم سيجعلها أكثر صعوبة مما هي عليه بالفعل؟ فمحمد بن زايد فشل حتى الآن في ضم السودان لقائمة المطبعين مع إسرائيل، رغم ما يملكه من أدوات متعددة للضغط.
ورغم استضافة ولي عهد الإمارات لرئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان ومسؤولين أمريكيين لوضع الرتوش الأخيرة على اتفاق التطبيع الرسمي بين تل أبيب والخرطوم، فشلت المحاولات حتى الآن والأسباب متعددة، لكن الواضح هو أن السبب الرئيسي هو خوف السلطات السودانية من ردة الفعل الشعبية في بلد يتمتع الشعب بهامش من الحرية بعد الإطاحة بالرئيس البشير ومشاركة القوى المدنية في الحكم مع قادة المؤسسة العسكرية.
والآن بعد تلك الدعوة العلنية واعتبار محمد بن زايد رجل التطبيع الأول في المنطقة، من المتوقع أن تواجه تحركاته في ذلك الملف مقاومة أشد من جانب المسؤولين في البلدان المستهدفة خشية رد الفعل الشعبي، وهنا ستختلف الأمور من دولة لأخرى.
وقد كشف تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي عن مؤشرات تضع سلطنة عمان على رأس قائمة الدول التي قد تعلن التطبيع مع إسرائيل قريباً، في سياق الضغط الذي يمارسه محمد بن زايد على السلطان الجديد هناك هيثم بن طارق خليفة السلطان قابوس.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الخانقة في سلطنة عمان بفعل جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط وحاجة السلطنة الملحة إلى سيولة نقدية بسرعة، لا سيما بعد الإخفاق في الخطوة المتعلقة بهندسة صندوق إنعاش يديره مجلس التعاون الخليجي (بدعم كويتي)، تسعى مسقط الآن إلى توقيع عدة صفقات ثنائية. ومن بين هذه الصفقات قرض تجسيري بتمويل قيمته مليارا دولار، وبتنسيق من مؤسسات مالية إماراتية، حصلت عليه عُمان في أغسطس/آب الماضي.
لكن الخطوة التي يرى مراقبون أنها المؤشر الأبرز على قرب نجاح ضغوط بن زايد على السلطنة هي إقالة وزير الخارجية يوسف بن علوي الذي كانت تجمعه علاقة غير مستقرة بأبوظبي وكان المسؤول العماني الأقرب صلةً بإيران.
الأيام القادمة ستكشف المزيد عن مساعي محمد بن زايد في الاضطلاع بدور عراب التطبيع الأول في المنطقة ومدى نجاحه في تلك المهمة التي قد تكون ازدادت صعوبة بسبب تصريحات ترامب التي يرى البعض أنها أضافت مزيداً من الاحتقان حول قصة التطبيع ودور ولي عهد أبوظبي فيها، خصوصاً أن نتائج التطبيع بين أبوظبي وإسرائيل أثارت حفيظة أحد أهم حلفاء بن زايد في ملف التطبيع وهو الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بعد الخسائر الاقتصادية الفادحة التي نتجت بالفعل عن التقارب الإماراتي الإسرائيلي، خصوصاً تأثر دخل قناة السويس وفرص الاستثمار في مصر بعد أن أصبحت إسرائيل قبلة الإمارات الأولى مالياً.