"قبيلة الحويطات مهددة بسبب مشروع نيوم، وما يحدث ضدها يشكل جرائم محتملة ضد الإنسانية"، بهذه الكلمات عبر نشطاء ومحاملون لقبيلة الحويطات عن حال أفراد القبيلة الذين يواجهون حملة لطردهم من أراضيهم لإقامة مشروع نيوم.
ويبدو أن مقاومة الحويطات، القبيلة العربية العريقة، بدأت تكتسب اهتماماً دولياً، مع حديث نشطاء من قبيلة عن تعرضهم لتهديد من سلطات بلادهم لترك ديارهم، وتحركهم لإثارة قضيتهم خارج المملكة.
ومشروع نيوم هو المشروع المحبوب للحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية: وهو عبارةٌ عن مدينة ضخمة جديدة مزودة بالتكنولوجيا الفائقة، بتكلفة 500 مليار دولار، ومن المفترض أن يجذب المشروع الاستثمار الأجنبي ويدفع عجلة الاقتصاد غير النفطي للمملكة.
ووفقاً لوثائق مسربة، فإن مشروع محمد بن سلمان لمدينة نيوم سوف يتضمن قمراً مزيفاً ضخماً، سيلقي بضوئه ليلاً على الشواطئ المظلمة، وروبوتات لتقديم الخدمات والأعمال المنزلية، وسيارات أجرة طائرة.
لكن هناك عقبة واحدة تقف في الطريق: الحويطات، إحدى أقدم القبائل السعودية، والذين كانوا يكدحون كمزارعين ورعاة في نفس المنطقة منذ قرون، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
وفي إطار المضي قدماً في المشروع الضخم، يُزعم أن السلطات السعودية في الأشهر الأخيرة اعتقلت وضايقت ولاحقت وقتلت أعضاءً من القبيلة، بسبب كونهم عائقاً لمخططاتهم، ورفضهم بيع أراضي أجدادهم إلى الدولة.
وُعدوا بأن يكونوا جزءاً من المشروع
وتقول علياء الحويطي، الناشطة في لندن والمتحدثة باسم القبيلة: "عندما بدأت السلطات مشروع نيوم في بداية عام 2016، وعدهم محمد بن سلمان بأن يكونوا جزءاً من المشروع، وأن يشاركوا في تطوير وتحسين المنطقة، لكن في عام 2020، أُجبروا على ترك أراضيهم دون أماكن للإقامة. وفي اللحظة التي تفتح فيها فمك أو تقول شيئاً ما على الشبكات الاجتماعية تختفي من على وجه الأرض".
والآن، بعد عامين من اختطاف وتعذيب وقتل وتقطيع الصحفي جمال خاشقجي على يد بعض الحمقى الموالين لولي العهد السعودي، لا يزال القمع في المملكة وحشياً كما كان دائماً.
فقبيلة الحويطات، وهي قبيلة تضم فروعاً في الأردن ومصر وفلسطين وكذلك السعودية، من بين أكثر القبائل تعرضاً للقمع الوحشي، حسب الصحيفة البريطانية.
إذ تضيف علياء أنه في يوم الخميس الماضي، الأول من أكتوبر/تشرين الأول، جرى اعتقال اثنين من أفراد القبيلة، أحدهما قُبِضَ عليه من الجامعة، في محاولة لإسكات وترهيب أسرهم الذين يتحدثون علانية.
تدمير لشعب أصلي.. قبيلة الحويطات مهددة بسبب مشروع نيوم
وقد دعا أفراد القبيلة الأمم المتحدة إلى التحقيق في محنتهم، بحجة أن ما تفعله السعودية يرقى إلى تدمير شعبٍ أصلي. وجاء في بيان صحفي أنه "على عكس الفيديوهات الترويجية التي أطلقها فريق التسويق لمشروع مدينة نيوم، والتي تدعي أنها تُبنى على "أرضٍ بكر"، فإن قبيلة الحويطات تعيش في مناطق مختلفة من تلك الأرض منذ مئات السنين".
ورغم تباطؤ تشييد المشروع بسبب الانهيار الاقتصادي العالمي؛ تواصل السلطات السعودية طرد قبيلة الحويطات من أراضيها، والتي تضم 13 قرية على طول البحر الأحمر. وفي أبريل/نيسان الماضي، قُتل أحد أفراد القبيلة ويُدعى عبدالرحيم الحويطي في مواجهة مع السلطات السعودية بعد أن رفض إعادة توطينه.
هدَّدوا بفقء عيني
وتقول علياء، التي أمضت سبع سنوات من حياتها المهنية كفارسة محترفة تحت رعاية قطب الأعمال السعودي الأمير الوليد بن طلال، إنها تلقت تهديدات متكررة بالقتل، بسبب حديثها باسم قبيلتها. وقد حُذرت ذات مرة من أنها قد تلقى "نفس مصير جمال خاشقجي"، وتلقت أيضاً رسائل من أشخاص يهددون بخطفها، وفقء عينيها، وإغراقها في الحمض.
وعلى حد قولها، وُعدِت القبيلة في الأصل بتعويضها بشكل كبير عن المشروع، من خلال الوظائف والمزايا. لكن في مرحلة ما "غيرت السلطات رأيها"، واختارت بدلاً من ذلك مطاردة الحويطات. وأردفت: "ولي العهد يجبر الناس على المغادرة، ويخيفهم ويرعبهم من أجل التحرك، نيوم مبنية على عظامنا ودمنا".
عرض هزيل
وقد عُرضت على العائلات مبالغ زهيدة، قدرها 3 آلاف دولار للانتقال، وربما قبلت أسرة واحدة من كل 30 أسرة. وأُغلِقت المدارس، وقُطعت الكهرباء، واشتعلت حرائق غامضة.
وتوضح: "يقولون إنّه يتعين عليك قبول الصفقة، وإذا لم تفعل فسوف نطردك ولن تحصل على هللةٍ واحدة، الأجواء مرعبة ومخيفة للغاية بشكل عام".
ولم تذكر السلطات السعودية الكثير عن عمليات الطرد المزعومة، لكن قوات الأمن قالت إن عبدالرحيم الحويطي قُتل بعد أن فتح النار على قوات الأمن، ما أجبرها على الرد.
وقال أعضاء المجلس الاستشاري لنيوم لصحيفة The Independent البريطانية، إنه لم يُطرد أحد أو يُبعد بعنف عن أراضيه.
بينما يقول علي الشهابي، المحلل السياسي السعودي وعضو مجلس الإدارة: "للمملكة العربية السعودية تاريخ في أخذ الأرض من الجميع لبناء الدولة. ولطالما عوّضت الحكومة الناس بأكثر من سعر السوق، وفي حالة نيوم لا يوجد شيء مختلف عن ذلك، إنهم يعرضون على الناس مساكن جديدة في أي مكان يريدون داخل المملكة العربية السعودية"، مشيراً إلى المزايا الأخرى المزعومة، بما في ذلك ألف منحة دراسية في الخارج.
جرائم محتملة ضد الإنسانية
لكن المحامي في لندن رودني ديكسون، الذي يمثل القبيلة، يصف الهجمات "المنهجية" على الحويطات بأنها ترقى إلى جرائم محتملة ضد الإنسانية، وتستحق الاهتمام الدولي.
ويقول إنه يشك في وجود أي أثر ورقي يظهر محاولة لتدمير القبيلة، لكنه يشير إلى أدلة بالفيديو تظهر الوحشية.
وأردف: "يُجبَر الناس على المغادرة، ولا يُسمح لهم بالعودة إلى أراضيهم الأصلية، وتجري عملية ترهيب وتهديد لهم، واستخدام التهديدات التي لا داعي لها من أجل بناء هذه المدينة الكبيرة هو أمرٌ غير مبرر".