أثار قول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "الإسلام دين يعيش أزمة اليوم في جميع أنحاء العالم"، ردود فعل غاضبة، فربما تكون المرة الأولى التي يوجّه فيها رئيس غربي اتهامات للإسلام كدين بشكل عام، فماذا يريد ماكرون أن يحقق من وراء تصريحاته التي استفزت مشاعر نحو ملياري مسلم حول العالم؟
ماذا قال الرئيس الفرنسي؟
قال ماكرون في خطاب له، الجمعة 2 أكتوبر/تشرين الأول: "الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم، وعلى فرنسا التصدي للانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام موازٍ وإنكار الجمهورية الفرنسية"، مضيفاً خلال زيارة لضاحية لي ميرو الفقيرة في باريس: "ما نحتاج لمحاربته هو الانفصالية الإسلامية.. المشكلة في أيديولوجية تدعي أن قوانينها يجب أن تعلو على قوانين الجمهورية".
ماكرون اعتبر أن السلطات تتحمل جزءاً من المسؤولية في تطور ظاهرة "تحول الأحياء إلى مجتمعات منغلقة"، مضيفاً: "إنهم (الإسلاميين) بنوا مشروعهم على تراجعنا وتخاذلنا"، ودعا في الوقت نفسه إلى "فهم أفضل للإسلام وتعليم اللغة العربية".
ماكرون أيضاً طرح تفاصيل مشروع قانون ضد ما سماه "الانفصال الشعوري"، استغرق تحضيره أشهراً وعرف عدة تأجيلات، ويهدف إلى "مواجهة التطرف الديني وحماية قيم الجمهورية الفرنسية"، ويؤكد مشروع القانون ضرورة فصل الكنيسة عن الدولة الذي يمثل عماد العلمانية الفرنسية، وفرض رقابة أكثر صرامة على الجمعيات الإسلامية والمساجد الخاضعة للتدخل الخارجي، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
مشروع القانون الذي يسعى ماكرون لإقراره ينص أيضاً على "منع الممارسات التي تهدد المساواة بين الجنسين"، بما في ذلك "شهادات العذرية" التي تحرص بعض الأسر المسلمة على استخراجها قبل الزواج.
"الإرهاب الإسلامي"
وفيما يبدو أنه تحرّك حكومي فرنسي منسق، جاءت دعوة ماكرون بعد أيام من تصريحات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بشأن الهجوم الذي استهدف المقر القديم لصحيفة شارلي إيبدو الساخرة، وأسفر الهجوم الذي نفذه، رجل من أصول باكستانية، عن إصابة شخصين بجروح خطيرة، حيث قال الوزير الفرنسي إن بلاده "في حرب ضد الإرهاب الإسلامي".
وذكر الوزير أنه تم إحباط "32 هجوماً" في فرنسا على مدى السنوات الثلاث الماضية، موضحاً أن ذلك "يساوي تقريباً هجوماً كل شهر"، في وقت تشهد فيه الدول الغربية ومنها فرنسا هجمات إرهابية يشنها أنصار اليمين المتطرف دون أن تخرج تصريحات في فرنسا تحديداً تندد بحركات اليمين المتطرف أو تعتبرها "إرهاباً"، بحسب ردود الفعل التي أفرزتها تصريحات ماكرون ووزير الداخلية على منصات التواصل الاجتماعي.
ردود فعل رسمية تندد بماكرون
وأمس السبت 3 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن الأزهر الشريف رفضه تصريحات ماكرون عن الإسلام، مؤكداً أنها "عنصرية وتؤجج مشاعر ملياري مسلم"، وذلك في بيان لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، بعد يومين من رفض شيخ الأزهر، أحمد الطيب، تصريحات وزير الداخلية الفرنسي التي تحدث فيها عن "الإرهاب الإسلامي".
بيان الأزهر أوضح أن "التصريحات الأخيرة الصادرة عن ماكرون اتهم فيها الإسلام باتهامات باطلة لا علاقة لها بصحيح هذا الدين"، وأضاف: "نرفض بشدة تلك التصريحات ونؤكد أنها تصريحات عنصرية من شأنها أن تؤجج مشاعر ملياري مسلم".
واستنكر البيان "إصرار البعض على إلصاق التهم الزائفة بالإسلام أو غيره من الأديان كالانفصالية والانعزالية"، مؤكداً أن هذا الإصرار "خلط معيب بين حقيقة ما تدعو إليه الأديان من دعوة للتقارب بين البشر وعمارة الأرض وبين استغلال البعض لنصوص هذه الأديان وتوظيفها لتحقيق أغراض هابطة".
كما هاجم مفتي سلطنة عُمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي الرئيسَ الفرنسي بشدة منتقداً تصريحاته التي وصفها المفتي بأنها هجوم غير مسبوق على الدين الإسلامي من جانب رئيس فرنسا، الدولة التي تتفاخر بالحريات والديمقراطية والمساواة.
وكان شيخ الأزهر قد أعلن، الخميس الأول من أكتوبر/تشرين الأول، في بيان "استنكاره وغضبه الشديد من إصرار بعض المسؤولين في دول غربية على استخدام مصطلح الإرهاب الإسلامي غير منتبهين لما يترتب على هذا الاستخدام من إساءة بالغة للدين الإسلامي والمؤمنين به".
منصات التواصل تستشيط غضباً
وفي فرنسا، انتقد مدونون وسياسيون ماكرون بشكل خاص على اختياره مصطلحاً مثيراً للخلاف والفتنة داخل المجتمع، على حد قولهم، كما عبرت الهيئات والجمعيات الممثلة للمسلمين عن تخوفها من أن تسهم تصريحات ماكرون وخطته في انتشار خطاب الكراهية ودفع البعض إلى الخلط بين الدين الإسلامي وتصرفات المتطرفين.
وكتب مدون موجهاً كلامه لماكرون: "خدعة سحرية لطيفة للغاية! في كل مرة تكون فيها فرنسا في أسوأ حالاتها اقتصادياً واجتماعياً (إغلاق المطاعم والحانات والمستشفيات تحت الضغط وإفلاس وبطالة واكتئاب، وما إلى ذلك) تطل علينا قائلاً إن المشكلة في الإسلام".
كما قرأ بعض المعلقين العرب وأبناء الجالية المسلمة في فرنسا في خطابات ماكرون "استهدافاً واضحاً لهم ولدينهم دون غيرهم من الأديان والجاليات"، فهم يرون أن خطته لا تهدف إلى محاربة الإرهاب بالأساس، ولكنها تمثل "عودة للسياسات الفرنسية التقليدية بمحاولة قطع أي علاقة ثقافية للأقليات المسلمة في فرنسا ببلدانهم الأصلية"، بحسب تقرير BBC.
إلى أين يريد أن يصل ماكرون بعدائه لتركيا؟
كثير من المحللين داخل فرنسا وخارجها ربطوا بين تصريحات ماكرون الأخيرة وبين عدائه لتركيا، في ظل الملفات السياسية المتعددة التي تتواجه فيها باريس وأنقرة سواء في ليبيا أو شرق المتوسط ومؤخراً في الصراع بين أذربيجان وأرمينيا.
ففي ليبيا تساند فرنسا ميليشيات شرق ليبيا بزعامة خليفة حفتر في مقابل دعم تركيا لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس المعترف بها دولياً وأوروبياً وأممياً، وتقف فرنسا في صف اليونان في نزاع الأخيرة مع تركيا بشأن حدودهما البحرية في شرق المتوسط.
وعندما اندلعت الاشتباكات المسلحة بين أرمينيا وأذربيجان الأسبوع الماضي، سارع ماكرون بالوقوف في صف أرمينيا رغم احتلالها 20% من أراضي أذربيجان وصدور 4 قرارات من مجلس الأمن الدولي تطالبها بالانسحاب، بينما أعلنت تركيا وقوفها بجانب أذربيجان حتى تحرير أراضيها.
وبالتالي فإن تصريحات ماكرون الأخيرة قد أثارت مشاعر المسلمين بشكل عام حول العالم وفي المنطقة العربية على وجه الخصوص، ورأى فيها كثيرون أنها جزء من حملة تستهدف الإسلام بشكل عام والمسلمين كافة وليس فقط محاربة التطرف كما يردد المسؤولون الغربيون وحلفاوهم من بعض الأنظمة العربية في المنطقة، وهو ما يزيد من حدة الاضطراب وعدم الاستقرار حول العالم رغم وباء كورونا الذي يتطلب التعاون لمكافحته.