أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في وقت مبكر من صباح اليوم الجمعة 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أنه وزوجته ميلانيا ترامب مصابان بفيروس كورونا، ليجعل قيادة البلاد في حالة من الغموض، في وقت تتصاعد فيه التبعات السياسية والاقتصادية للأزمة التي تسبَّب بها الوباء، الذي قتل بالفعل أكثر من 207 آلاف أمريكي ودمر الاقتصاد.
وجاءت نتيجة ترامب بعد أن أمضى شهوراً في التقليل من خطورة تفشي الوباء، وبعد ساعات من إعلانه على أن "نهاية الوباء أصبحت وشيكة". وعلى الفور، سارع طبيب الرئيس بالقول إن ترامب "بخير" دون أن يوضح ما إذا كان يعاني من الأعراض، وأضاف أن الرئيس سيبقى معزولاً في البيت الأبيض في الوقت الحالي. وقال الطبيب شون كونلي: "كونوا مطمئنين، أتوقع أن يواصل الرئيس أداء مهامه دون انقطاع أثناء تعافيه، وسأطلعكم على أي تطورات مستقبلية".
بداية، ما مدى خطورة الإصابة بكورونا على صحة ترامب؟
لم يذكر مساعدو ترامب مستوى الأعراض التي يعاني منها، لكنَّ العاملين في البيت الأبيض يقولون إنهم لاحظوا أن صوته بدا خشناً يوم الخميس، ويبدو أن ترامب لم يلاحظ أن ذلك أمر غير طبيعي، خاصة بالنظر إلى حضوره المستمر للتجمعات الانتخابية في الآونة الأخيرة، كما تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
ينتمي ترامب إلى الفئة العمرية التي تعتبر الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس؛ إذ إن 8 من كل 10 حالات وفاة بكورونا في الولايات المتحدة كانت بين أولئك الذين يبلغون 65 عاماً أو أكثر.
وكان ترامب يقاوم السماح بنشر تفاصيل صحته على الملأ، وهو ما أثار تساؤلات حول حالته العامة. وقام برحلة غير معلنة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى مركز والتر ريد الطبي العسكري الوطني، مما أثار تكهنات بأنه يعاني من مرض طبي غير معلوم، لكن البيت الأبيض أصرَّ على أنه خضع ببساطة لاختبارات روتينية، دون الكشف عما كانت عليه أو ما أظهرته.
ولكن في ذلك الحين، تم الإبلاغ عن أن ترامب يعاني من ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم ويبلغ وزنه 110 كيلوغرامات، وهو ما يعتبر سميناً بالنسبة لطوله، فقد أعلن طبيب الرئيس أن ترامب يتمتع "بصحة جيدة جداً" العام الماضي بعد آخر فحص طبي كامل له. وعلى عكس العديد من الذين استسلموا للفيروس، سيكون لديه أفضل رعاية طبية متاحة.
وأعرب ترامب مراراً وتكراراً عن ثقته في الجمهور خلال التجمعات الانتخابية بشأن صحته، قائلاً إنه غير قلق بشأن ذلك، متجاهلاً المخاوف بشأن التجمعات المزدحمة، وقال الشهر الماضي: "أنا على مسرح بعيد جداً، ولذا، لست قلقاً على الإطلاق".
لكن خلف الكواليس، كان الشخص الذي يصف نفسه بأنه يعاني من رهاب الجراثيم غاضباً في الربيع الماضي لأن خادمه الذي كان يقدم له الطعام لم يكن يرتدي قناعاً قبل اختباره إيجابياً بكورونا، وفقاً لأشخاص على اتصال معه. وأعرب ترامب بشكل خاص عن سخطه من جميع الأشخاص الذين اقتربوا منه، كما تقول نيويورك تايمز.
وبحسب ترامب، فإنه كان قد بدأ في تناول عقار هيدروكسي كلوروكين المضاد للملاريا بشكل استباقي، وقال لاحقاً إنه لم يتسبب في أي آثار سلبية. وفي الوقت الذي يعتبر فيه كورونا أكثر فتكاً من الإنفلونزا، فإن الغالبية العظمى من المصابين به يتعافون، لكن الخطر يرتفع مع تقدم العمر، وإذا ظهرت أعراض خطرة على ترامب، فقد يستغرق الأمر أسابيع للتعافي منه، رغم أنه لم يتبقّ سوى شهر على موعد الانتخابات الرئاسية.
لكن ماذا سيحدث إذا تدهورت صحة ترامب؟
يمكن أن تشكل نتيجة الاختبار الإيجابية لترامب صعوبات فورية لمستقبل حملته ضد نائب الرئيس السابق جو بايدن، منافسه الديمقراطي، قبل 33 يوماً فقط من الانتخابات في 3 نوفمبر. وحتى لو كان ترامب (74 عاماً)، لا يزال بدون أعراض، فسيتعين عليه الانسحاب من مسار الحملة والبقاء معزولاً في البيت الأبيض لفترة زمنية غير معروفة. وإذا تطور مرضه، فقد يثير ذلك تساؤلات حول ما إذا كان ينبغي عليه مواصلة السباق.
وحول استمراريته في الحكم، فإذا أصيب ترامب بمرض خطير، فقد ينقل السلطة مؤقتاً إلى نائب الرئيس بموجب التعديل الخامس والعشرين للدستور الأمريكي، ويستعيد السلطة عندما يصبح لائقاً للعودة إلى الخدمة. أما إذا كان كل من ترامب ونائبه، مايك بنس، عاجزين عن القيام بمهام المنصب، فإن ذلك يعني تولي رئيسة مجلس النواب الأمريكي، الديمقراطية نانسي بيلوسي، التي تأتي بعدهما في ترتيب تولي مهام الرئاسة في الأحوال الطارئة.
لكن فرضية تسليم البيت الأبيض لبيلوسي من حزب مختلف ودون انتخابات قد تكون منطقية من الناحية النظرية، لكنها قد تكون فظيعة حقاً من الناحية العملية. فمن المؤكد أن أي جهد لنقل السلطة من ترامب وبنس إلى بيلوسي سيثير تحديات قانونية وسياسية، مما يزيد من الفوضى في اللحظة التي كانت البلاد في أمس الحاجة إلى الاستقرار، كما تقول صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
وفي الربيع الماضي في خضم ذروة الجائحة، قال البيت الأبيض إنه ليس لديه خطة لمثل هذا الاحتمال، أي إصابة ترامب وبنس وتحول السلطة لبيلوسي عدوة ترامب الأولى. وقالت كايلي ماكناني، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض: "هذا ليس شيئاً متاحاً هنا، نحن نحافظ على صحة الرئيس. نحن نحافظ على صحة نائب الرئيس، كما تعلمون فكلاهما يتمتع بصحة جيدة في هذه اللحظة وسيظل كذلك".
ومنذ المصادقة على التعديل الخامس والعشرين، عام 1967، قام 3 رؤساء باستخدامه، في عام 1985، خضع الرئيس رونالد ريغان لفحص القولون بالمنظار وسلم السلطة لفترة وجيزة إلى نائب الرئيس جورج بوش، واستدعى الرئيس جورج دبليو بوش التعديل مرتين في تسليم السلطة مؤقتاً لنائب الرئيس ديك تشيني أثناء تنظير القولون في عامي 2002 و2007.
لكنْ هناك تاريخ طويل من سقوط الرؤساء في حالة مرضية خطيرة أثناء وجودهم في مناصبهم، بما في ذلك بعض الرؤساء المصابين أثناء الأوبئة. وكان جورج واشنطن قد توفي وسط وباء الإنفلونزا خلال عامه الثاني، يعتقد أنه قد توفى بسببه، بينما مرض وودرو ويلسون أثناء محادثات السلام في باريس بعد الحرب العالمية الأولى مع ما يعتقد بعض المتخصصين والمؤرخين أنه الإنفلونزا التي اجتاحت العالم من عام 1918 حتى عام 1920.
وتوفي أربعة رؤساء في مناصبهم لأسباب طبيعية: ويليام هنري هاريسون، زاكاري تايلور، وارين جي هاردينغ، وفرانكلين دي روزفلت، في حين عانى ويلسون من سكتة دماغية منهكة، وأصيب دوايت دي أيزنهاور بنوبة قلبية في ولايته الأولى وسكتة دماغية في الثانية. وتم اغتيال أربعة آخرين في المنصب: أبراهام لينكولن، وجيمس أ. جارفيلد، وويليام ماكينلي، وجون إف كينيدي.
لكن مثل هذه الأزمات الصحية في البيت الأبيض كانت نادرة في الآونة الأخيرة. منذ إطلاق النار على ريغان عام 1981، لم يُعرف أي رئيس بأنه يواجه حالة تهدد حياته أثناء توليه المنصب.
حتى لو لم تتدهور صحة ترامب، ماذا سيخسر بعد إصابته بكورونا؟
تقول صحيفة nytimes إنه حتى لو تدهورت صحة ترامب، فإن ظهور إيجابية إصابته بالفيروس سيكون مدمراً لرصيده السياسي، نظراً لأشهر قضاها في التقليل من خطورة الوباء حتى مع استمرار الفيروس في تدمير البلاد وقتل حوالي 1000 أمريكي كل يوم. وتوقع ترامب مراراً أن الفيروس "سيختفي"، وأكد أنه تحت السيطرة، وأصر على أن البلاد "تقترب من نهاية الأزمة"، بل واستهزأ بالعلماء قائلاً إنهم أخطأوا في تقدير خطورة الموقف.
كما رفض ترامب لشهور ارتداء قناع في الأماكن العامة في جميع المناسبات باستثناء بضع مناسبات وتساءل مراراً وتكراراً عن فعاليته بينما كان يسخر من بايدن لارتدائه قناعاً. وفي أعقاب استطلاعات الرأي، عقد الرئيس في الأسابيع الأخيرة فعاليات حملاته الانتخابية المزدحمة بشكل متزايد، في تحدٍّ صريح لإرشادات الصحة العامة وأحياناً لقرارات الحكومات المحلية.
وستؤدي إصابة ترامب إلى تقويض جهوده بالتقليل من شأن الوباء ورفض الحديث عنه، الذي تظهر استطلاعات الرأي أن معظم الأمريكيين يعتقدون أن ترامب أساء التعامل معه. وسعى ترامب إلى تركيز انتباه الناخبين بدلاً من ذلك على العنف في المدن، وترشيحه للرئيس المحكمة العليا، وأوراق الاقتراع عبر البريد، وعلاقة بايدن مع اليساريين.
وبصرف النظر عن حملة ترامب، فإن رمزية الرئيس المصاب يمكن أن تثير قلق المحافظين وأصحاب الأعمال الذين يحاولون تقييم الوقت وكيفية إعادة فتح المتاجر والمدارس والمتنزهات والشواطئ والمطاعم والمصانع وأماكن العمل الأخرى. وكان ترامب قد رفض المخاوف الصحية مطالباً بإعادة فتح المدارس واستئناف لعب كرة القدم وعودة الشركات إلى العمل بكامل طاقتها.