انتهت المناظرة الرئاسية الأولى بين الرئيس والمرشح الجمهوري دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، والطبيعي أن يكون السؤال الأبرز هو مَن الذي فاز في تلك المناظرة؟ إجابة هذا السؤال ربما لا تكون محسومة كما يتصور البعض، لكن لماذا هناك إجماع على أن أمريكا هي الخاسر الأكبر؟
كلاهما أعلن فوزه كما هو متوقع
ما أن انتهت المناظرة حتى أعلنت حملة ترامب فوزه، والأمر نفسه فعلته حملة بايدن؛ نائبة مدير حملة بايدن الانتخابية كيت بيدينجفيلد قالت: "كان هناك قائد على المسرح الليلة وآخر كاذب"، مضيفة: "كان هناك شخص هو الرئيس على مسرح المناظرة الليلة ولم يكن ذلك الشخص هو من وصل إلى هنا راكباً الطائرة الرئاسية"، في إشارة لترامب الذي وصفته، في حديثها للمراسلين السياسيين، بأنه كان غاضباً وضعيفاً، عكس بايدن الذي أظهر روح القيادة والتماسك التي يريدها الأمريكيون جميعاً اليوم.
وفي نفس التوقيت، أعلنت حملة ترامب ولجنة الحزب الجمهوري القومية أن ترامب هو الفائز في أول مناظرة رئاسية، ووصفوا منافسه بايدن بأنه "ضعيف للغاية" وأن ترامب بدا "رئيساً قوياً ومتمكناً"، ووصفت الحملة الجمهورية فوز ترامب بأنه "قاطع"، وقال مدير حملة ترامب بيل ستيبين، في بيان، إن "الرئيس ترامب قدم لتوّه أعظم أداء على الإطلاق في تاريخ المناظرات الرئاسية، عارضاً الحقائق ومسيطراً على المحادثة طول الوقت".
هذا الإعلان من الطرفين كان متوقعاً حتى قبل المناظرة التي أجريت في أوهايو مساء الثلاثاء 29 سبتمبر/أيلول وأدارها كريس والاس المذيع المخضرم في شبكة فوكس الإخبارية، وقد حظيت المناظرة الأولى من ثلاث بتغطية إعلامية موسعة داخل وخارج الولايات المتحدة، وأشعلت منصات التواصل الاجتماعي، ورغم عدم وجود أداة حاسمة لتحديد الفائز، فإن هناك مؤشرات يمكن أن توضح الواقع بصورة تقريبية.
استطلاعات رأي وتحليلات تشير لمن الفائز
نبدأ من استطلاعات الرأي المباشرة التي أجرتها القنوات والصحف الكبرى في أمريكا، فنجد أن استطلاع شبكة CNN أظهر أن 6 من كل 10 أشخاص قالوا إن بايدن فاز بالمناظرة، وإن 28% فقط قالوا إن ترامب هو الفائز، وحسم موقع The National Interest موقفه بالقول إن ترامب لم يكن الفائز دون الإشارة لبايدن.
صحيفة الإندبندنت البريطانية نشرت تقريراً بعنوان "من الفائز في المناظرة الرئاسية؟"، استطلعت فيه رأي مراسليها في أمريكا وبشكل عام جاءت الآراء في صالح ترجيح كفة بايدن.
لكن ربما يكون إعلان حملة بايدن أنها جمعت تبرعات قياسية بلغت 3.8 مليون دولار لصالح حملة منافس ترامب في وقت المناظرة فقط، وهو ما يراه كثير من المحللين المؤشر الأبرز على فوز بايدن بالمناظرة، مما انعكس على رغبة الناخبين في دعم حملته مالياً، بحسب FOXNEWS.
خلاف على الفائز وإجماع على الخاسر
يمكن القول إن العنوان الأبرز لتلك المناظرة -إن جاز إطلاق تلك التسمية عليها- هو "الديمقراطية الأمريكية الخاسر الأكبر"، فعلى الرغم من أن المناظرة بين رجلين في السبعينات من عمرهما أحدهما رئيس الدولة التي يفترض أنها تقود العالم والثاني كان نائب الرئيس السابق لثماني سنوات ويديرها مذيع مخضرم أيضاً في السبعينات من عمره، إلا أنها تحولت لمشاجرة اختلط فيها الحابل بالنابل على مدى ساعة ونصف.
وكانت كلمات "الفوضى" و"السيرك" و"المهزلة" هي الأكثر تردداً في وصف تلك المناظرة التي شهدت اشتباكات لفظية متكررة واتهامات وكأنها مشاجرة بين طفلين منفلتين، وإن كان هناك إجماع على أن السبب بالطبع هو أسلوب ترامب المعتاد من توجيه إهانات شخصية لمنافسه، أضيف إليها مقاطعاته المتكررة لبايدن واشتباكه مع مدير المناظرة نفسه عندما حاول الأخير وقف مقاطعات الرئيس المتكررة لمنافسه.
وكلما حاول والاس في بعض الأحيان السيطرة على المناظرة، تحدث المتنافسان في نفس الوقت وتبادلا الإهانات في مشاجرة سياسية مذهلة جعلت من الصعب على أي من الرجلين توضيح وجهة نظره، وقال بايدن غاضباً بعد مقاطعات متكررة خلال الجزء الأول فقط من المناظرة بشأن المحكمة العليا "ألا تصمت يا رجل؟ هذا غير رئاسي بالمرة".
ووصف بايدن ترامب بأنه "مهرج" و"عنصري" و"جرو بوتين"، في إشارة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقال له "أنت أسوأ رئيس عرفته أمريكا على الإطلاق"، بينما ردَّ ترامب قائلاً: "لا يوجد أي شيء ذكي بشأنك يا جو".
وعندما حثَّ والاس الرئيس على التوقف عن مقاطعة منافسه، قائلاً: "أعتقد أن البلاد ستحظى بخدمة أفضل إذا سمحنا للشخصين بالتحدث بمقاطعات أقل. أناشدك سيدي أن تفعل ذلك"، وردَّ ترامب: "حسناً، وهو أيضاً"، فقال والاس "حسناً، صراحة أنت تقوم بالمقاطعة أكثر"، فردَّ ترامب: "لكنه يفعلها كثيراً".
وفي هذا السياق جاء عنوان "فوضى مناظرة ترامب-بايدن يصب في صالح الصين" لشبكة CNN كاشفاً عن حجم الضرر الذي أوقعته تلك المناظرة الكارثية والتي وُصفت بالأسوأ على الإطلاق في تاريخ المناظرات الرئاسية في أمريكا والعالم، بصورة أمريكا وسمعتها خارجياً، وهو ما عبَّر عنه كثير من الناخبين الأمريكيين الذين وصفوا إحساسهم بالعار من ذلك السيرك.
هل أمريكا تقترب من حافة الهاوية؟
فشل أي من المرشحين للرئاسة في توصيل رسالة واضحة بشأن كيفية تعامل كل منهما في القضايا الأساسية على الساحة قبل نحو شهر فقط من موعد التصويت؛ فترامب كرر إنجازاته خلال فترته الأولى، خصوصاً في الاقتصاد ومزاعمه بشأن نجاحه العظيم في التقليل من أعداد ضحايا وباء كورونا أو "الطاعون الصيني"، بحسب وصفه، بينما ركَّز بايدن على فشل ترامب في حرب الوباء دون أن يُقدم خطة مختلفة للتعامل معه، وسيبرر ذلك بالطبع بمقاطعات ترامب المستمرة.
وبالتالي فإن تلك المناظرة الأولى لم تقدم جديداً بالنسبة للناخبين المتأرجحين أو الذين لم يحسموا أمرهم بعد، فقاعدة ترامب الانتخابية لن تغير رأيها وستصوّت له، وكذلك الأمر بالنسبة للديمقراطيين الذين سيصوّتون لبايدن، بحسب المحللين في أعقاب المناظرة، لكن الضرر الذي أوقعته بسمعة البلاد ومكانتها على المستوى الدولي قد يكون الشيء الوحيد المؤكد.
لكن ربما يكون أخطر ما قاله ترامب أثناء المناظرة هو رفضه إدانة جماعات اليمين المتطرفة التي ترفع شعارات تفوق الرجل الأبيض، وأيضاً حسمه لمسألة التصويت في الانتخابات بأنها "لن تنتهي بشكل جيد"، في إعادة تأكيد على أنه سيرفض تسليم السلطة بشكل سلمي حال إعلان خسارته، وهو ما جعله متمسكاً بتعيين مرشحته للمحكمة العليا بديلاً للقاضية التي توفيت مؤخراً، قائلاً إن حسم النتيجة سيكون من خلال المحكمة العليا.
وفي وقت تشهد فيه البلاد احتجاجات منددة بالتمييز العنصري ضد المواطنين من أصل إفريقي منذ مقتل جورج فلويد أواخر مايو/أيار الماضي، تهدد تصريحات ترامب ومواقفه بإشعال الموقف الساخن بالفعل في البلاد، وهو سيناريو كارثي لا يهدد فقط مكانة أمريكا دولياً بل يمثل تهديداً خطيراً للسلم المجتمعي داخل البلاد، بحسب كثير من المراقبين.