بدأت أمس الثلاثاء، أولى جلسات حوار المصالحة بين حركتي فتح وحماس في إسطنبول برعاية تركية للتباحث حول إنهاء الانقسام، وتطبيق توصيات لقاء الأمناء العامِّين الأخير في بيروت، وبحث تفعيل "القيادة المشتركة"، وكان اللافت أنه الاجتماع الأول الذي ينعقد بين الحركتين بعيداً عن الرقابة والرعاية المصرية، فما الذي تغير؟
لفت الانتباه أيضاً أن تركيا احتضنت الاجتماع بناءً على طلب سابق من الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدعم التوجه الفلسطيني نحو تحقيق المصالحة، والذهاب للانتخابات.
وهنا تبرز أسئلة هامة حول دلالات انعقاد هذا الاجتماع في تركيا وليس مصر، وتأثير ذلك على قوة مصر في ملف فلسطين والمصالحة الداخلية، وهل أتى الاجتماع بتنسيق بين البلدين، أم أن تركيا تحاول سحب ملف المصالحة من تحت الوصاية المصرية؟
في مصر أو تركيا المصالحة أهم
عبدالله عبدالله، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، قال لـ"عربي بوست": "إن لقاء الأمناء العامِّين في بيروت شكّل ثلاث لجان، أهمها لجنة الحوار بين فتح وحماس لإنهاء الانقسام، ولذلك فإن لقاءات إسطنبول الحالية مقدمة لحوار كافة الفصائل".
وأكد أن الفصائل ليست لديها مشكلة في أن تستضيف الحوار الفلسطيني أية دولة، وقال: "لكن لكل بلد ظروفه الخاصة، ومصر بحاجة للموقف الأمريكي، لاسيما في مفاوضات سد النهضة، وهي حريصة على عدم إغضابه في الملف الفلسطيني، لذلك فإن الحماسة المصرية السابقة في الساحة الفلسطينية تتراجع نسبياً، لكننا معنيون بعلاقتنا مع الجميع، وترميم اتصالاتنا بكل الأطراف".
على الجانب الآخر، في الوقت الذي تشهد فيه إسطنبول هذه الأيام لقاءات جديدة بين فتح وحماس، التقى إسماعيل هنية، زعيم حركة حماس، بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ما قد يشير إلى حضور تركيا على حساب عواصم عربية غاب دورها عن المشهد الفلسطيني، خاصة مصر.
ويأتي تركيز الفلسطينيين على التواجد الدائم في تركيا، وطلب دعمها لإبقاء دورها في الساحة الفلسطينية، بعد شعورها بضعف اهتمام القاهرة، التي انحازت لدعم ملف التطبيع الجاري في المنطقة، وعارضت بذلك الموقف الفلسطيني، الرسمي والشعبي، الرافض للتطبيع، مع بقاء السؤال حول قدرة أنقرة على استبدال نفوذ القاهرة في الساحة الفلسطينية.
مصر صاحبة الملف
إسماعيل رضوان، القيادي في حماس ووزير الأوقاف السابق، قال لـ"عربي بوست": "حوارات إسطنبول تأتي تمهيداً للتوافق على استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الاحتلال في ظل الاصطفافات الإقليمية، والهرولة والتطبيع الجاري باتجاه الاحتلال، ووجود محاولات أمريكية وإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية".
وأضاف: "المواقف التركية داعمة للقضية الفلسطينية ورافضة للهرولة نحو التطبيع، ولا شك أن الموقف التركي متوازن مع جميع الأطراف الفلسطينية بين فتح وحماس، وحريص على تحقيق المصالحة والوحدة الوطنية".
مشدداً على أن الموقف التركي يدعم الموقف الفلسطيني الرافض للتطبيع مع التأكيد على أن مصر هي صاحبة ملف المصالحة عبر زيارات الوفد الأمني المصري، وقال: "نحن لا ننزعج من أي جهد أو دعم من أي جهة عربية وإقليمية، وعلى رأسها الأتراك".
من ناحية أخرى أكد صحفي مصري متابع للملف الفلسطيني -رفض كشف هويته- لـ"عربي بوست" أن مصر سعت لعقد اللقاءات بين فتح وحماس لديها، لكن الأمر لم يحظَ بموافقتهما؛ وذلك ربما خشية من احتجاز القاهرة لإسماعيل هنية، وعدم السماح له باستكمال جولته الخارجية".
وقال: "في حين أن السعودية مارست ضغوطاً كبيرة على لبنان لعدم عقد اللقاء الأخير لقادة الفصائل، فإن إيران وحزب الله استخدما نفوذهما على مؤسسات الدولة اللبنانية لإنجازه".
مشيراً إلى أن "تركيا معنية باحتضان اللقاءات الفلسطينية بسبب انشغال مصر عن الساحة الفلسطينية بملفات داخلية وإقليمية، في حين أن غياب مصر عن اللقاءات الفلسطينية وعدم تحمّسها لمتابعة موضوع مصالحة فتح وحماس يعود لإدراكها أن الأمر لا يحظى برضا إسرائيلي وأمريكي".
في السفارة وليس الرئاسة
تأتي الحوارات الجارية بين حماس وفتح في إسطنبول بسبب انكفاء السلطة عن محور مصر والسعودية، وشعورها بأن المحور الذي استندت إليه طوال السنوات السابقة في طريقه للانهيار، ما جعلها تشعر بأنها في مأزق جدي نتيجة المواقف العربية الأخيرة تجاه إسرائيل، ودفعها لأن تذهب باتجاه تعميق علاقتها بحماس.
وقال الكاتب الصحفي الفلسطيني علاء الريماوي لـ"عربي بوست": "هناك استقطاب داخل السلطة الفلسطينية لوقف زيادة نفوذ الأتراك بين الفلسطينيين، خشية منح حماس تأثيراً إضافياً، لكن هرولة الخليج باتجاه إسرائيل منح التيار الداعم للنفوذ التركي في السلطة الفلسطينية قوةً وتأثيراً".
وأضاف: "السلطة الفلسطينية طمأنت مصر بأن تركيا لن تكون بديلاً عنها في الساحة الفلسطينية، وهناك رغبة في تهدئة مخاوفها، بحيث تعقد اللقاءات في السفارة الفلسطينية بأنقرة، وليس في مقر الرئاسة التركية".
مخاطر حول المشروع الفلسطيني
لا يبدو أن السلطة الفلسطينية بصدد إعادة تموضعها في تحالفاتها الإقليمية، رغم حزنها من الموقف المصري الجديد، إلا أنها لن تنضم فعلياً ورسمياً إلى المحور التركي، الذي يضم قطر وإيران وحماس.
مع العلم أن هناك مَن يرى أن مصر ليس بمقدورها الخروج من عباءة السعودية والإمارات، وفي الوقت ذاته تعتقد أن ما لدى مصر من مواقف ومعطيات لن تلبي تطلعات السلطة الفلسطينية.
حسام الدجني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة، قال لـ"عربي بوست": "حوارات إسطنبول الجارية تأتي في ظل ما تستشعره فتح وحماس من مخاطر محدقة بالمشروع الوطني الفلسطيني بسبب المحاور الإقليمية والدولية التي تتشكل في المنطقة عقب جولات التطبيع، وتجلت أخيراً في الدعوات الإقليمية والأمريكية لفرض قيادة بديلة عليهم".
تجري حوارات إسطنبول في ظل ظروف إقليمية وعربية رسمية يشعر فيها الفلسطينيون بأن عليهم بناء حاضنة عربية جديدة، شعبية ورسمية، إلا أن العقبة تكمن في انكفاء بعض هذه الدول على أزماتها الداخلية.
جدير بالذكر أن لقاء المصالحة ضم من الوفد الفتحاوي جبريل الرجوب، وروحي فتوح عضوي اللجنة المركزية للحركة، كما أتى على رأس الوفد الحمساوي رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، ونائبه صالح العاروري.