أثارت تصريحات أطلقها السفير الأمريكي بإسرائيل لصحيفة عبرية ضجة كبيرة بعد أن قال فيها إن بلاده تفكر في استبدال الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالقيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، قبل أن تعود الصحيفة وتعدل تصريحه وتجعله ينفي وجود هذه النية.
وحول ذلك، يرى سياسيون وخبراء فلسطينيون، أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، لن تستطيعا تغيير القيادة الفلسطينية، واستبدال الرئيس محمود عباس، بدحلان، المدعوم من الإمارات والمستشار الخاص ولي العهد محمد بن زايد. وأرجع الخبراء ذلك، في أحاديث منفصلة، مع وكالة الأناضول، إلى عدم قبول الشارع الفلسطيني بـ"دحلان".
ما الذي تريده واشنطن؟
وكانت صحيفة "إسرائيل اليوم"، المقربة من بنيامين نتنياهو، نقلت الخميس، عن السفير الأمريكي فريدمان، قوله إن واشنطن تفكر في استبدال الرئيس الفلسطيني، بالقيادي المفصول من فتح محمد دحلان. لكنّ الصحيفة عادت بعد نحو 9 ساعات، وعدّلت التصريح، وجعلته ينفي وجود نية لواشنطن بتغيير القيادة الفلسطينية.
ففي البداية، نقلت الصحيفة عن فريدمان، قوله رداً على سؤال، عمّا إذا كانت واشنطن تدرس إمكانية تعيين دحلان المقيم في الإمارات، كزعيم فلسطيني بدلاً عن الرئيس عباس "نحن نفكر في ذلك، لكن ليست لدينا رغبة في هندسة القيادة الفلسطينية".
ثم عدّلت الصحيفة الحوار، وجعلت إجابة السفير الأمريكي على السؤال: "نحن لا نفكر في ذلك، وليس لدينا رغبة في هندسة القيادة الفلسطينية". ولم توضح الصحيفة، سبب التعديل، وعمّا إذا كان بناء على طلب السفير الأمريكي، أو لكونه تصويباً لخطأ وقعت فيه. وأفاد مراسل وكالة الأناضول أن السفارة الأمريكية في إسرائيل، عملت على ترويج "التصريح المُعدل" وتوزيعه على الصحفيين.
دحلان يحاول تبرئة ساحته
من جانبه، رفض محمد دحلان تصريحاً نسب للسفير الأمريكي بإسرائيل، برغبة الولايات المتحدة لاستبدال عباس به، واصفاً التصريح، الذي تم التراجع عنه لاحقاً بـ"التكتيك المخادع الهادف لإرهاب البعض وزعزعة الجبهة الداخلية"، على حد وصفه. جاء ذلك في منشور لدحلان، مساء الخميس، على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أشار فيه إلى "أن هذا التصريح إذا كان صحيحاً، فإنه لا يزيد عن كونه تكتيكاً مخادعاً هدفه إرهاب البعض وزعزعة الجبهة الداخلية"، محذراً من الوقوع في شَرك مثل هذه التكتيكات المهندسة بدقة.
لكنه أكد كذلك قناعته بأن فلسطين بحاجة ماسة إلى تجديد شرعية القيادات والمؤسسات الفلسطينية كافة، وذلك عبر انتخابات وطنية شاملة وشفافة، قائلاً: "إن الفلسطينيين لم يولد بعد من يفرض إرادته عليهم". كما استغل دحلان الفرصة للدعوة "للعمل معاً لاستعادة الوحدة الوطنية والاتفاق على الثوابت الوطنية ووسائل تحقيقها"، وهي دعوة قد تحمل في طياتها رغبته بالعودة للعمل على الساحة الفلسطينية بشكل علني ومباشر في المرحلة المقبلة.
كيف ردت السلطة الفلسطينية وما هي خياراتها؟
لم تلتفت القيادة الفلسطينية إلى "تعديل" تصريحات فريدمان، حيث هاجمته بشدة. فبعد نشر الصحيفة الإسرائيلية، للتعديل، بنحو 3 ساعات، أصدرت اللجنة المركزية لحركة "فتح" التي يتزعمها الرئيس عباس، بياناً، أدانت فيه بشدة "تصريحات فريدمان". وجاء في البيان "إن ما أعلن عنه فريدمان هو تدخل سافر بالشؤون الداخلية الفلسطينية، وهو أمر مرفوض من الشعب الفلسطيني".
وهاجم البيان، دحلان، ووصفه بـ"المدعو"، وقال إنه "مفصول من فتح منذ عام 2011، ومدان بقضايا ومتهم بجرائم ومطلوب للقضاء الفلسطيني ومن الشرطة الدولية".
كما قالت إن دحلان "يُستعمل للتدخل بالشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية والإقليمية، وهذا ما لا يقبله الشعب الفلسطيني وغير مستعد لدفع ثمن ذلك".
كما أصدر رئيس الوزراء، محمد اشتية، بياناً أدان فيه "التصريحات التي أفضى بها فريدمان، والتي كشف فيها عن رغبة الإدارة الأمريكية بالعمل على استبدال الرئيس محمود عباس بالمدعو محمد دحلان المفصول من حركة فتح".
وأضاف اشتية: "تلك التصريحات وإن تم التراجع عنها لاحقاً بادعاء ورود خطأ في الاقتباس منها، إنما تأتي في إطار مخطط أميركي إسرائيلي لا يخفى على أحد، يتورط فيه بعض العرب وتفضحه الشواهد والمواقف والسياسات التي تستهدف المس بشرعية الرئيس محمود عباس".
هل تنجح أمريكا بإجبار عباس على التنحي وزرع دحلان مكانه؟
من جهتهم، يرى سياسيون وخبراء فلسطينيون، أن واشنطن (ورغم تعديل تصريحات سفيرها) قد تكون جادة في نيتها استبدال القيادة الفلسطينية الحالية، بـ"دحلان"، بهدف تمرير خطة "صفقة القرن" التي رفضها الرئيس عباس. لكنهم قالوا إن إدارة ترامب لن تنجح في هذا الأمر.
من جانبه، قال عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، إن الطريقة الوحيدة لتغيير الرئيس الفلسطيني، هي الانتخابات. وأضاف زكي لوكالة الأناضول: "لن يُسقَط على الشعب الفلسطيني أية قيادة، دون انتخابات". وأضاف معلقاً على تصريح فريدمان: "كلامه لا أهمية له، لكنه استهداف للقيادة الفلسطينية الشرعية".
وعن دور الإمارات في دعم "دحلان"، قال عضو مركزية فتح: "الإمارات لا تشتري سوى أشباه الرجال، ولا يمكنهم فرضه على الشعب الفلسطيني".
من جانبه، قال أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت، الدكتور نشأت الأقطش، لوكالة الأناضول، إن واشنطن وتل أبيب قد تستطيعان فرض دحلان "بالدبابة الإسرائيلية والأمريكية وبدعم إماراتي".
لكنه استدرك قائلاً: "دحلان لن يصمد أمام الشعب الفلسطيني، يمكن للولايات المتحدة أن تُغيّر الزعماء وتستبدلهم، لكن في الحالة الفلسطينية، الأمر مختلف".
وأضاف: "حتى بالانتخابات، لا يمكن لدحلان أن يفوز، المؤشرات تذهب إلى أن نتائج أية انتخابات لن تفوز فيها حركة فتح، بما فيها تيار القيادي المفصول".
وعن دوافع دعم واشنطن، دحلان لقيادة السلطة الفلسطينية، يقول الأقطش إن "دولاً عربية غير الإمارات، كالبحرين والسعودية ومصر تدعم دحلان، الأمور مرتبطة بما حصل في واشنطن (في إشارة إلى اتفاق التطبيع الإماراتي البحريني مع إسرائيل)، الولايات المتحدة تقول إنها تأتي بمن تشاء وقت ما تشاء، ليقيم سلاماً متى تشاء".
والثلاثاء الماضي، وقّعت إسرائيل، اتفاقيتي "تطبيع" مع الإمارات والبحرين في واشنطن؛ وهو ما رفضته القيادة والفصائل الفلسطينية بشدة، واعتبرته "خيانة" للقضية الفلسطينية.
هل يقبل الفلسطينيون بدحلان؟
بدوره، يتفق الكاتب والمحلل الفلسطيني، طلال عوكل، مع ما ذهب إليه الأقطش. وقال لوكالة الأناضول: "غير مستبعد أن يأتي دحلان على ظهر دبابة، لكن ماذا بعد؟ هل يمكن القبول به فلسطيناً؟ أظن أن ذلك لن يحصل". ورأى أن التصريحات، رغم تعديلها، تحمل تهديداً للقيادة الفلسطينية.
وربط الخبير الفلسطيني، التصريح، بدعم أبوظبي، للقيادي المفصول، وقال: "يحصل دحلان على دعم إماراتي كبير، ومقبول لدى الولايات المتحدة، ودول عربية أخرى".
ويرى محمد أبو الرب، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأمريكية في جنين، أن "اتفاقي التطبيع العربي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، يمهدان لمرحلة جديدة، قد يكون دحلان فيها، عنواناً لقيادة الشعب الفلسطيني، بدعم عربي أمريكي، وموافقة إسرائيلية".
لكنه استدرك بالقول "دحلان لا يحظى بشعبية قوية داخل الضفة الغربية وحتى قطاع غزة، وخسر أمام حركة حماس، وأمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وعودته لن تكون بالأمر السهل".
عباس أمام خيارات صعبة
من ناحيته، يشير سليمان بشارات، الباحث الفلسطيني بمؤسسة "يبوس" للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، إلى أن تصريحات فريدمان، رغم تعديلها، تأتي لتحقيق عدة أهداف، أهمها "الضغط على السلطة الفلسطينية".
وبيّن "بشارات"، في تصريح لوكالة الأناضول أن الفترة القادمة ستكون "حُبْلى بالضغوط على القيادة الفلسطينية، من قبل الإدارة الأمريكية وإسرائيل، بهدف القبول بأطروحات صفقة القرن وخطة الضم الإسرائيلية". وأشار إلى أن "التلويح الدائم بورقة القيادي المفصول محمد دحلان كبديل سياسي، سيكون حاضراً أمام أي موقف للرئيس الفلسطيني الرافض للمطلب الإسرائيلي الأمريكي".
كما رأى أن التصريحات تأتي "استكمالاً للجهود الأمريكية المبذولة في تعزيز شخصية دحلان للعب دور أكثر محورية ضمن الرؤية الأمريكية في المنطقة، والتي تقوم على توسيع دائرة تطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية عقب توقيع اتفاق الإمارات والبحرين مع إسرائيل".
لكن بشارات أضاف مستدركاً: "يبقى السؤال هو حول مدى واقعية فرض دحلان كزعيم للسلطة الفلسطينية، سواء في ظل وجود الرئيس أبو مازن، أو في اليوم التالي لغيابه؟". وأضاف "أعتقد أن الرهان الأمريكي الإسرائيلي على هذا الأمر، رهان غير مضمون، لأن الشعب يرفض شخصية دحلان".
وتلاحق كل من تركيا وفلسطين، "دحلان"، المقيم في الإمارات بعدة تهم أبرزها، القتل والفساد والتجسس الدولي والضلوع بمحاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي شهدتها أنقرة، منتصف يوليو/تموز 2016. ويتهمه القضاء التركي، بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة، ومحاولة تغيير النظام الدستوري بالقوة، و"الكشف عن معلومات سرية حول أمن الدولة لغرض التجسس"، و"قيامه بالتجسس الدولي". أما في فلسطين، فقد طردته حركة "فتح" عام 2011؛ فيما أصدر القضاء ضده، أحكاماً بالسجن بتهم ارتكاب عدة "جرائم".