إذا كان يوم 15 مايو/أيار يعرف فلسطينياً بالنكبة فاليوم 15 سبتمبر/أيلول هو أيضاً بنظر البعض نكبة جديدة، حيث يستضيف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حفلاً ضخماً لتوقيع "اتفاق سلام" بين إسرائيل وبين الإمارات والبحرين (لم تحدث حرب بين تلك الدول من الأساس)، فما قصة تبرير المنامة لاتفاق التطبيع بأنه بغرض "الحماية"؟
هكذا برَّرت الإمارات تطبيعها
في البداية من المهم رصد أبرز مشاهد موسم الهرولة إلى التطبيع مع إسرائيل والذي بدأته الإمارات يوم 13 أغسطس/آب الماضي، ثم تلتها البحرين يوم 11 سبتمبر/أيلول الجاري، وربما يكون السؤال الذي غاب عن المشهد حتى الآن هو الدافع والتوقيت وراء تلك الهرولة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل؟
فمن حيث التوقيت، لم يكن هناك قبل 13 أغسطس/آب ما يشير إلى حدوث تطبيع بين الإمارات وإسرائيل، ولكن الإعلان عنه أولاً على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قدم الإجابة عن مسألة التوقيت، بإجماع المراقبين والمحللين، وهو السباق الانتخابي الشرس الذي يخوضه ترامب وموقفه المتأزم فيه وحاجة الرجل لإنجاز يغازل به ناخبيه، وخصوصاً قاعدته المسيحية الداعمة لإسرائيل.
وبالنسبة لإسرائيل، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يواجه محاكمة بالفساد وتلقي الرشوة وخيانة الأمانة ويخرج عشرات الآلاف من الإسرائيليين في مظاهرات متكررة تطالب برحيله، والائتلاف الحكومي الذي يقوده مهدَّد بالانهيار، فجاء الإعلان عن التطبيع الإماراتي بمثابة طوق نجاة للرجل الذي كان قد وعد ناخبيه من اليمين المتطرف والمستوطنين بضم أراضي الضفة الغربية أول يوليو/تموز الماضي، لكنه لم يتمكن بسبب الاضطرابات الداخلية والمعارضة الشديدة لشخصه.
ومن جانبها، برَّرت أبوظبي قرارها إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل بأنه جاء بعد أن وعد نتنياهو بوقف قرار ضم أراضي الضفة الغربية المحتلة، صحيح أن نتنياهو نفى ذلك الكلام، لكن رعاة التطبيع الإماراتي ما زالوا يرددون تلك الذريعة، واليوم تزامناً مع حفل التوقيع صرَّح وزير الخارجية عبدالله بن زايد من واشنطن بأن "شعوب المنطقة قد سئمت الاضطرابات والصراع وترغب في الاستقرار"، دون أن يوضح عن أية شعوب يتحدث أو من فوّضه للحديث باسم شعوب المنطقة.
تبرير لافت للتطبيع البحريني
لكن بعيداً عن الموقف الإماراتي من إسرائيل، الذي يرى البعض أن خروجه للعلن جاء تتويجاً لسنوات من التعاون والاتصالات السرية بين الطرفين، يظل تبرير البحرين لتطبيعها مع إسرائيل بحاجة للتفسير في حد ذاته؛ فالمنامة تقول إن العلاقات مع إسرائيل "تحميها"، وهو ما يطرح تساؤلاً بشأن التهديدات التي تتعرض لها البحرين وهل ظهرت فجأة أم أنها كانت موجودة ولكن بصورة سرية؟
فقد اعتبر وزير الداخلية راشد بن عبدالله آل خليفة، أمس الإثنين 14 سبتمبر/أيلول أن التطبيع مع إسرائيل "سيحمي" مصالح بلاده العليا، مضيفاً أن "الاتفاق على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل يأتي في إطار حماية مصالح مملكة البحرين العليا والتي تعني حماية كيان الدولة".
واللافت هنا أن "مبرِّر الحماية" تكرَّر أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة في الأيام الماضية، ووصف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات اتفاقات التطبيع مع إسرائيل بأنها "سلام مقابل الحماية"، في إشارة للمصطلح الذي يكرره نتنياهو دائماً وهو "السلام مقابل السلام" في رفض للطرح العربي "الأرض مقابل السلام".
والتهديد بالطبع يأتي من إيران، بحسب الطرح الأمريكي – الإسرائيلي، لكن التهديد الإيراني للبحرين تحديداً ليس بجديد، فطهران تعتبر نفسها حامي الشيعة في المنطقة العربية وأغلبية سكان البحرين من الشيعة وشهدت البلاد "فوضى أمنية" عارمة عام 2011، ودخلت القوات السعودية "درع الجزيرة" إلى البلاد لمساعدة حكومة البحرين في السيطرة على الأوضاع، وبالتالي فإن تبرير المنامة قرار التطبيع مع إسرائيل بالحماية في هذا التوقيت يظل ضعيفاً على أقل تقدير.
فالبحرين ترتبط مع الولايات المتحدة بشراكة استراتيجية طويلة الأمد منذ استضافتها أهم القواعد البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الشراكة في حماية حرية الملاحة والتجارة العالمية في مياه الخليج من التهديدات التي يمثلها الحرس الثوري الإيراني والقوات الحليفة له في المنطقة، والمنامة تستضيف الأسطول الخامس الأمريكي، فما هي الحماية التي تحتاجها البحرين من إسرائيل إذن؟
واللافت أكثر هنا هو أن حكومة المنامة تواجه معارضة واسعة من الأغلبية الشيعية، التي تنفذ احتجاجات بين فترة وأخرى ضد نظام الحكم الملكي، الذي تسيطر عليه الأقلية السنية منذ عقود طويلة، ومن المتوقع أن تزداد وتيرة المعارضة الداخلية للنظام، خلال الأسابيع القادمة بعد توقيع اتفاقية السلام، التي ترفضها إيران وهو ما يعني أن طهران ستوظف المعارضة الداخلية في البحرين لإثارة المزيد من الاضطرابات.
نتنياهو متفاخراً.. "والبقية تأتي"
عريقات قال إن جاريد كوشنر مستشار وصهر ترامب قال لعدد من صناع القرار في العالم العربي: "إن أمريكا ليست ملزمة بالاستمرار في هذه الأمور (الحماية)، وعليكم أن تجلبوا إسرائيل، ونظريته هي خلق ناتو عربي-إسرائيلي في المنطقة، وهذا أمر بالغ الخطورة"، وهو ما يفسر موسم التطبيع بصورة أكثر منطقية.
ومن واشنطن بث نتنياهو مقطع فيديو على حسابه في تويتر مساء أمس الإثنين قال فيه: "أمسك بيدي مسودة معاهدة السلام التاريخية بين إسرائيل والإمارات وإعلان السلام التاريخي بين إسرائيل والبحرين"، مضيفاً: "عملنا على ذلك لسنوات طويلة، هذه اللحظة ستأتي اليوم (الثلاثاء). هذا هو تحول عظيم في تاريخ إسرائيل وأيضاً في تاريخ الشرق الأوسط".
واعتبر نتنياهو أن توقيع الاتفاقين مع الإمارات والبحرين "سيكون له تأثير هائل وإيجابي على جميع المواطنين الإسرائيليين"، لكن المهم أنه تعهَّد بانضمام دول عربية أخرى للتطبيع، مخاطباً الإسرائيليين بقوله: "أعدكم وفقاً لما أشاهده هنا بأن دولاً أخرى ستقوم بذلك أيضاً"، دون تفاصيل.
وكل هذا يشير بوضوح إلى أن مسار التطبيع، الذي تتسارع خطواته، يمثل انتصارات سياسية متلاحقة تحققها إسرائيل بعد عمل دؤوب طيلة أكثر من عقد من اتصالات معلنة وغير معلنة مع قادة عرب من دول الخليج بالدرجة الأولى.
ورغم أن قرار كل من الإمارات والبحرين التطبيعي أضر بمبادرة السلام العربية، أو بمعنى أدق المبادرة السعودية (الأرض مقابل السلام)، فإن السعودية لم تنتقد القرارين، بل على العكس رحبت بكل الجهود التي تؤدي إلى إحلال السلام في المنطقة، وهو موقف يرى محللون أنه تأييد ضمني لمسار التطبيع.
وقد تتفق وجهات نظر مراقبين كثيرين مع ما يراه كبير مستشاري البيت الأبيض، جاريد كوشنر، من أن السعودية تنتظر مآلات مسار التطبيع الإماراتي والبحريني قبل أن تقرر التطبيع مع إسرائيل، بعد أن وافقت لأول مرة على فتح مجالها الجوي لتحليق الطائرات القادمة من الإمارات إلى إسرائيل والعكس.
وتبنَّت وسائل الإعلام الرسمية أو المملوكة للدولة السعودية وكبار نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يُنظر إليهم على أنهم انعكاس لواقع السياسة الرسمية السعودية، موقفاً مؤيداً بشكل ما للقرارين الإماراتي والبحريني.