بعد نحو أسبوع على نفي موسكو وجود أي جندي لها في ليبيا، سقطت طائرة ونجا طيارها الذي أرسل فيديو بالروسية لطلب النجدة، ما يثير التساؤل حول حجم الأسلحة والمرتزقة الذين ترسلهم روسيا إلى ليبيا لتثبيت تواجدها في المنطقة.
إذ تمكنت الأمم المتحدة من إحصاء 70 رحلة شحن عسكرية هبطت في المطارات الشرقية لليبيا دعماً لميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في الفترة ما بين 8 يوليو/تموز الماضي، و2 سبتمبر/أيلول الجاري، بمعدل 35 رحلة شهرياً.
ولم يقتصر الدعم العسكري لحفتر عبر الجو، بل أرسلت الدول الداعمة له 3 سفن شحن في نفس الفترة، بحسب إحاطة المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالنيابة ستيفاني وليامز، لمجلس الأمن الدولي.
لكن المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة رد بشدة على التقارير الأممية التي تتهم بلاده بالتورط في ليبيا، قائلاً: "لقد أكدنا مراراً وتكراراً أنه لا يوجد جندي روسي واحد حالياً في منطقة القتال في ليبيا.. ولم ترد أنباء عن مشاركتهم في اشتباكات مسلحة أو وفاتهم".
إمدادات كثيفة.. لحرب جديدة أم لبقاء أطول؟
غير أن شبكة الجزيرة نقلت عن مصدر دبلوماسي، لم تكشف عن اسمه، قوله إن تقريراً سرياً لفريق خبراء العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، "وثّق تعزيز روسيا دعمها اللوجستي المباشر لمجموعة فاغنر في ليبيا" الداعمة لحفتر.
وكشف التقرير أن روسيا أرسلت 338 رحلة شحن عسكرية أقلعت من سوريا ما بين نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ويوليو/تموز 2020.
ما يدعو للتساؤل حول سبب استمرار روسيا في إرسال المرتزقة والأسلحة لفاغنر، والشركات الأمنية الروسية الأخرى المتعاقدة مع ميليشيات حفتر، رغم توقف المعارك في يونيو/حزيران الماضي.
كما أن الأمم المتحدة وعدة دول على رأسها تركيا والجزائر وتونس والمغرب والولايات المتحدة وألمانيا كثفت جهودها الدبلوماسية لتثبيت وقف إطلاق النار، وبدء حوار شامل يُنهي الحرب في ليبيا.
والإجابة تتمثل في أحد احتمالين، أو كليهما: فإما أن موسكو تسعى لتعزيز قدرات ميليشيات حفتر الدفاعية والاستعداد لهجوم جديد على العاصمة طرابلس، مقر الحكومة الشرعية، ومدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) التي يمثل أبناؤها أكثر من نصف عناصر الجيش الليبي.
الاحتمال الآخر، أن موسكو ترغب في تثبيت وجودها بشكل دائم في الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، من خلال تعزيز القدرات الدفاعية لقاعدتي الجفرة الجوية (650 جنوب شرق طرابلس) والقرضابية الجوية بمدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس).
وهذا ما يفسر إرسال أسلحة روسية نوعية إلى ليبيا مثل المقاتلة متعددة المهام ميغ 29، والقاذفة سوخوي 24، وبأعداد ليست بسيطة (14 طائرة على الأقل).
ناهيك عن منظومات بانتسير المضادة للطيران، التي دمر الجيش الليبي عدداً كبيراً منها خاصة في مايو/أيار الماضي، ما أدى إلى انكشاف ميليشيات حفتر أمام طائرات بيرقدار التركية المسيرة، وساعد في هزيمتها من جنوبي طرابلس والغرب الليبي مطلع يونيو/حزيران الماضي.
لكن تحدثت وسائل إعلام محلية أن حلفاء حفتر دعموه مؤخراً بمنظومة "إس 300" المضادة للطيران، وهي ذات مدى أطول من بانتسير، لكنها أقل تطوراً من "إس 400".
إمداد فاغنر لا ينتهي
وذكر تقرير للأمم المتحدة أن مرتزقة فاغنر بلغ عددهم في ليبيا نحو 1200، لكن مصادر أخرى قالت إن عددهم يقارب 2500 عنصر.
كما قامت فاغنر بتجنيد مرتزقة سوريين موالين لنظام بشار الأسد قدر عددهم بـ5 آلاف، في انتظار إرسال ألف آخرين مقابل أجر شهري يقدر بألفي دولار.
فضلاً عن مرتزقة أفارقة خاصة من السودان وتشاد، والذين يتم تدريبهم بعدة مناطق بينها حقل زلة النفطي شرقي محافظة الجفرة (وسط).
ورغم أن بعض الحسابات الموالية للحكومة الشرعية تحدثت عن انسحاب مرتزقة فاغنر من سرت نحو الحقول النفطية، فإنه سرعان ما تم نفي هذه المعلومات.
كما أن الجيش الليبي رصد، الثلاثاء 8 سبتمبر/أيلول 2020، تحرك رتل مسلح من 80 آلية عسكرية لميليشيات حفتر، متجهة من محافظة الجفرة (وسط) إلى وادي اللود، جنوب شرق مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس).
ما يعني أن هناك مناورات أو إعادة انتشار للمرتزقة بهدف التضليل، خصوصاً في ظل ضغط دولي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية على ميليشيات حفتر لطرد المرتزقة الأجانب خاصة الروس من ليبيا، وجعل سرت والجفرة منطقة منزوعة السلاح.
وهو ما تضمنه البيانان اللذان أصدرهما كل من فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي، وعقيلة صالح رئيس برلمان طبرق، بشكل متزامن، بسحب المرتزقة.
لكن حتى وإن بدت موسكو أقرب لعقيلة منها إلى حفتر، إلا أنها استمرت في إمداد ميليشيات الأخير بالأسلحة والمرتزقة بمعدل 35 إلى 40 رحلة شحن عسكرية شهرياً خلال الأشهر العشرة الأخيرة.
على حافة الحرب والسلام
ليبيا تقف حالياً على حافة الحرب والسلام، بين تحشيد ميليشيات حفتر للعودة للقتال في سرت، وبين مشاورات صعبة بجنيف وفي بوزنيقة المغربية.
وإن مال ميزان السلام مؤخراً، إلا أنه لا توجد ضمانات أن لا يخوض حفتر، الطاعن في السن (77 سنة)، مغامرته الأخيرة لحكم ليبيا بقوة السلاح، خصوصاً أن من يفاوضون الحكومة الشرعية والمجلس الأعلى للدولة في جنيف وبوزنيقة المغربية لا يملكون سلطة فعلية على ميليشيات حفتر.
وهذه نقطة ضعف اتفاق الصخيرات، الموقع نهاية 2015، والذي لم يمكن لحكومة الإنقاذ الوطني في الغرب، وعجز عن إزاحة حكومة الثني في الشرق.
وحتى بعد أن انحاز أغلب نواب طبرق إلى حكومة الوفاق في الغرب إلا أن ذلك لم يضعف حفتر، ما دام يحظى بولاء عقيلة صالح.
لذلك ترتفع أصوات في الغرب الليبي مطالبة بانسحاب ميليشيات حفتر والمرتزقة الروس والأفارقة من سرت والجفرة، قبل اقتسام مناصب المؤسسات السيادية في طرابلس.
فاستمرار تحشيد كل هؤلاء المرتزقة وهذه الأسلحة في سرت والجفرة، وإطلاق رشقات صاروخية تجاه الجيش الليبي، لا يمنح المفاوضين ببوزنيقة وجنيف الثقة الكافية لضمان التزام ميليشيات حفتر بما سيتم الاتفاق عليه مستقبلاً.