يمثل السبب وراء الصمت المخزي للعالم الإسلامي أمام الوحشية الصينية في التعامل مع إقلية الإيغور المسلمة، والهيمنة الصينية عامةً، لغزاً غامضاً في العلاقات الدولية قد يصبح يوماً ما موضوع الآلاف من أطروحات الدكتوراه، كما تقول مجلة The National Interest الأمريكية.
وفحص طبيب تركي، مؤخراً، 300 سيدة من لاجئات الإيغور، ووجد أنَّ ثمانين منهن أصبن بالعُقم القسري. تخيلوا للحظة لو أنَّ مثل هذا حدث في الولايات المتحدة أو الهند أو أستراليا، وتخيلوا حجم الغضب الذي كان سيثيره ذلك. أضف إلى ذلك، مئات الصور والفيديوهات المنتشرة على الشبكات الاجتماعية لآلاف الرجال المكبلين بالسلاسل ويحرسهم رجال بزي رسمي ويقتادونهم إلى قطارات لا يعلم أحدٌ وجهتها. وفي وجه كل ذلك، يبدو الصمت أكثر إثارة للحيرة.
اندلعت بلا شك، مظاهرات فردية متفرقة. لكن السعودية وإيران وباكستان ووسط آسيا بأكملها، لم تقطع العلاقات الدبلوماسية مع الصين حتى الآن. ولم تندلع احتجاجات جماعية، ولم تُحرق سفارات ولا وقعت هجمات جهادية ضد المصالح أو المؤسسات الصينية في أنحاء العالم، ولا تهديدات بحرب. لماذا؟
لماذا هذا الصمت؟
في هذا السياق، صدر تحليل حديث من إعداد مايكل دوران وبيتر رو، من معهد هادسون الأمريكي للدراسات الأمنية، عن الهيمنة الإمبريالية الصينية في الشرق الأوسط، ويتحدث عن أنها يجب أن تثير قلق الغرب. ويقول الخبيران الأمنيان، إنَّ الصين عازمة بقوة على "إطاحة" الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، وإنها صاغت ورقة استراتيجية عن العلاقات العربية-الصينية، وأنشأت قاعدة بَحرية في جيبوتي. فما الدليل على هذه الهيمنة؟ من الواضح أنَّ الصين مصممة بما يكفي، على أن تصبح المهيمن على الشرق الأوسط بين العرب والفرس، لهذا ترتكب إبادة جماعية في شينغيانغ بحق الإيغور المسلمين (المنحدرين من الإثنية التركمانية).
وتمثل هذه الإبادة الجماعية في فترة ما بعد الحداثة توسعاً استيطانياً؛ إذ يتدفق المستوطنون من قومية الهان إلى الأراضي التي سكنها الإيغور. ويرتبط كل ذلك بدرَّة تاج مشروع طريق الحرير الصيني، وهو الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يمر عبر هذه المنطقة. وهذا بدوره سيمنح الصين بوابة لاستعراض قوتها في الشرق الأوسط. ووفقاً للتحليل، "من وجهة نظر بكين، فإنَّ صراع القوة الخشنة مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط امتداد مباشر للمنافسة العسكرية في غربي المحيط الهادئ".
"أمريكا في تراجع والصين في صعود"
وينتقل التحليل إلى الحديث عن التهديد المحتمل على إسرائيل من التوسع الصيني، قبل ذكر نقطتي النزاع المهمتين: أولاً، إنَّ الصين بحاجة ماسة إلى النفط، ومن ثم فإنَّ تدخُّلها في الشرق الأوسط مهم. وثانياً، ترغب الصين في إرسال إشارات إلى حلفاء واشنطن؛ على أمل أن يأخذ بعضهم حذره.
ويقول التحليل: "رسالة الصين إلى اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية (فضلاً عن السعودية وإسرائيل) واضحة: أمريكا في تراجع والصين في صعود. صعودها إلى المجد أمر لا مفر منه". وأنهى خبراء معهد هادسون تحليلهم بتحذير متشائم: "إذا نجحت الصين في خلافة الولايات المتحدة بوصفها القوة المهيمنة في الشرق الأوسط، فسوف ينتج عن ذلك تحوُّل كبير في ميزان القوى العالمي؛ مما يُقوِّض بدرجةٍ نفوذ الولايات المتحدة إلى الدرجة التي سيفقد معها الأمريكيون، باعتبارهم شعباً حراً، السيطرة على مصيرهم".
لكن يظل السؤال هنا: ألا يجب أن يقع العبء الاجتماعي والسياسي، المتمثل في معارضة الإبادة الجماعية الصينية، في المقام الأول، على عاتق القوى الإسلامية العظمى؟ وإذا لم يتحدثوا عن ذلك فما هو سبب صمتهم؟
"الصين ليست العدو المرئي للعرب والمسلمين"
وهذه التساؤلات لها مدلول، وهي مهمة لفهم وصياغة استراتيجية مستقبلية. فقد عاد التنافس بين القوى العظمى إلى الساحة الدولية، وسيشكل التنافس الصيني الأمريكي المستقبل. لكن هذا التنافس الصيني-الأمريكي لا يشبه حرب أجدادنا الباردة، وإذا أردنا تعريفها بمصطلحات العقيدة المانوية؛ فإنَّ "الحرب الصليبية العالمية الشاملة بين الديمقراطية والاستبداد" أمر غير منطقي. فالصين ليست الاتحاد السوفييتي. إذ إنها، من بعض النواحي، أقوى بكثير وأكثر تقدماً، لكنها تعاني أيضاً من مشاكلها الخاصة، تماماً مثل الاتحاد السوفييتي؛ فهي تفتقر إلى الحلفاء وبدول قوية، مثل الهند واليابان وأستراليا. ويزداد عداء بريطانيا وأوروبا للمصالح المالية الصينية.
ويرجع السبب الوحيد وراء صعود الصين دون تكلفة مادية، إلى أنها لم تضطر قط إلى تحمُّل أي عبء أمني أو ثمن تحقيق الاستقرار، ومن ثم لم تواجه رد فعل عنيفاً متمرداً. وتعلن الصين وحشيتها ضد سكانها المسلمين، لكن هذا لا يجد صدىً في القوى الإسلامية، لأنهم غير مرئيين حتى. إذ لا تجري القوات الصينية دوريات في البصرة بالعراق أو إقليم هلمند بأفغانستان، ولا تتدفق السفن الصينية ومشاة البحرية إلى سوريا وليبيا. ولكي تكون إمبريالياً، عليك أن تحكم وتأمر مثل إمبراطورية مرئية. ومن ثم، لا تواجه الصين أي رد فعل عنيف من العالم الإسلامي؛ لأنَّ الأضواء العالمية تتجه باستمرار إلى الغرب الذي يحاول أن يأمر بهذا التوسع على الأرض الذي تصعب السيطرة عليه لأكثر من مئتي عام.
تقول المجلة الأمريكية إنه يجب أن يقلق الواقعيون في السياسة الخارجية الأمريكية بشأن كل شخص يستخدم عودة التنافس بين القوى العظمى لتقديم قضايا ضعيفة للمزيد من المشاركة المستمرة في المسارح التي تتراجع لا محالة، أهميتها في اللعبة الاستراتيجية الكبرى الشاملة. وتظل منطقة أوروبا الغربية ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ مهمة للولايات المتحدة وبقاء الولايات المتحدة قوة عظمى. أما إفريقيا والشرق الأوسط، فعلى الرغم من أهميتهما، فليسا وجوديين. وهذا لا يعني أنَّ الولايات المتحدة والغرب يجب ألا يكونا مستعدين لمواجهة منافس من القوى العظمى يهدد مصالحهما المباشرة. لكن مجرد وجود تنافس كبير بين القوى، لا يعني أنَّ هناك حاجة إلى التنافس في كل مجال وفي كل مسرح؛ فتحديد الأولويات أمر بالغ الأهمية.
وتخلص المجلة إلى القول، إن "الاستراتيجية الذكية" تتمثل في السماح للصين باستنزاف قواها. وإذا كانت الصين تنخرط بالفعل في الشرق الأوسط… فهذا عبء يجب أن تسعد أية دولة بتركه للصين. إذ عانت فرنسا والإمبراطورية البريطانية والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة من أجل تنظيم تلك المنطقة، "دع الصين تنضم إلى الصف حتى تخور قواها".