قرار العودة للمدارس بتونس في ظل موجة ثانية من كورونا.. تسرّع أم ضرورة حتمية؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/09/02 الساعة 09:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/02 الساعة 09:48 بتوقيت غرينتش
الحياة بدأت تعود تدريجياً إلى طبيعتها في تونس بعد قرار تخفيف القيود المفروضة بسبب كورونا.

كانت تونس من الدول القليلة جداً حول العالم التي نجحت في محاصرة وخنق فيروس كورونا في البلاد وبدا أنها قضت عليه تماماً، لكن الوباء عاد في موجة ثانية، وتزامن ذلك مع قرار عودة الدراسة بالمدارس والجامعات خلال أقل من أسبوعين، فكيف ستكون تلك العودة وسط الخوف من الوباء القاتل؟

الحياة لابد أن تستمر

هي إذن أيام قليلة تفصل التّونسيين عن عودة أبنائهم للمدارس والمعاهد والكليّات، وسط جدلٍ واسعٍ بعد إقرار موعد العودة المدرسية والجامعية يوم 15 سبتمبر/أيلول الجاري، في الوقت الذي تسجل فيه البلاد موجة ثانية لفيروس كورونا.

وزارة التّربية التّونسية أعلنت موعد العودة يوم 17 أغسطس/آب الماضي دون أن يرافق القرار تفسيرٌ من قبَل مسؤولي الوزارة بخصوص أسباب الأخذ به أو تحديد تدابير محددة للوقاية من انتشار كورونا، قبل أن تُصدّق اللّجنة العلمية لمجابهة الفيروس، أمس الثّلاثاء 1 سبتمبر/أيلول، على البروتوكول الصّحي الخاص بالعودة المدرسية.

وزاد من حدة هذا الجدل عودة تونس إلى تسجيل حالات إصابة بكورونا مؤخراً، بعد أن كانت قضت على الفيروس تماماً، حيث سُجلت، الخميس، وفاتان و117 إصابة، وارتفع العدد إلى 160 إصابة جديدة أمس الثلاثاء إضافة إلى ثلاث وفيات، ليرتفع إجمالي الإصابات إلى 3963 منها 80 حالة وفاة، بحسب موقع وورلد ميترز كورونا.

إعلان قرار العودة للمدارس في 15 سبتمبر/ أيلول

وحول هذا الجدل، قالت مديرة الطّب المدرسي والجامعي (حكومية)، أحلام قزارة، إن الفيروس "موجود بيننا، وعلينا التّعايش مع الأمر، فالحياة يجب ألّا تتوقف.. بعودة التّلاميذ والطّلبة إلى مدارسهم وجامعاتهم أو دونها، الخطر سيكون موجوداً وعلينا حصر خطورته وعيش حياتنا بشكل طبيعي".

وأضافت قزارة في حديثها للأناضول أنه "على الجميع الالتزام بالبروتوكول الصّحي (مجموعة إجراءات) الذي أقرته وزارة الصّحة بشكل صارم، وضرورة تمتع الأولياء والتّلاميذ والمُربين وكل المُتداخلين في العودة المدرسية والجامعية بالوعي الفردي والجماعي والتّجاوب الإيجابي مع التّوصيات."

وشدّدت على أهمية الدّور التّشاركي بين مختلف الوزارات لإنجاح عودة التّلاميذ والطّلبة لدراستهم بعد توقف إجباري دام قرابة نصف عام، وأكدت المسؤولة ذاتها أنّ وزارة الصّحة تقدم التّوصيات الخاصة بالتّدابير الوقائية وستعمل على تحديث هذه الإجراءات وفق الوضع العام لانتشار الفيروس بالبلاد.

قرارات متسرعة

في المقابل، رأى رئيس شبكة التّربية والتّكوين والبحث العلمي (مستقلة)، حمادي البرواقي، أن عدد حالات الإصابات الأفقية (المحلية) بالفيروس في ازدياد مطّردٍ، مشيراً إلى أن البنية الأساسية للمؤسسات التّعليمية وحتى المستشفيات التّونسية لن تحد من خطورة انتشار الوباء.

وقال البرواقي، في حديثه للأناضول، إنّ "قرار وزارة التّربية بترسيم موعد العودة المدرسية والجامعية التّي لا تفصلنا عنها إلا أيام قليلة، مُرتجلٌ ومتسرعٌ يهدد الناشئة وأبناء تونس"، وشددّ على عدم حصول المؤسسات التربوية على شروط الالتزام بتنفيذ البروتوكول الصّحي لسببين، الأول هو مساحة هذه الفضاءات التّي لا تسمح بتحقيق شرط التّباعد الجسدي، والثّاني هو عدم أهليةِ وخبرة الأُطر التّربوية الموظفين صحياً، داخل هذه المؤسسات بسبب غياب التّكوين لاكتشاف وحصر الحالات المشتبه في إصابتها.

البرواقي أضاف أن التّوجس خِيفةً من العودة المدرسية والجامعية سببه عدم توفر دراسة دقيقة تكشف وضع المؤسسات التربوية، خاصة مع انتشار بؤرٍ بمدن تونسية عديدة لم يتم توضيح كيفية التّعامل معها، وقال إن وزارة التّربية انفردت بالقرار دون تشاور مع الأولياء والتّلاميذ والمربين، مشيراً إلى أن الشبكة (شبكة التّربية والتّدريب والبحث العلمي) ستدعو في الأيام المقبلة إلى حوار وطني تشاوري بخطورة الوضع وما يمكن أن يخلفه قرار وزارة التربية.

من جانبه، اعتبر حسن عبدالعزيز، الناشط  بحراكِ "أولياء غاضبون" (مستقل)، أنه كولي أمر يثق تماماً في قرار اللجنة الوطنية لمجابهة كورونا، وأن التّخوف موجود دون شك، مع الحرص الشّديد على التّنبيه إلى أهمية تطبيق التّوصيات الصّحية، وفي حديثه للأناضول، أَضاف عبدالعزيز أنه ينتظر خطةً لاستكمال البرامج المُقررة للسنة الماضية قبل البدء في البرامج الجديدة وأمله الكبير بأن يتعامل كل التّونسيين بجدية مع خطورة الوضع دون إهدار وقت أكثر دون عودة للدراسة.

تأثيرات "كورونا" لا مفر منها

وعن تأثير قرار العودة من عدمه وتأثيره على مستقبل التّعليم في تونس، قال الأستاذ الجامعي مصدق الجليدي (مختص في علوم التّربية)، لـ"الأناضول"، إن تأخير العودة المدرسية والجامعية لن يقلل من خطورة انتشار الفيروس الذي يجب أن يتعلم التّونسيون التّعايش معه.

وأكدّ "الجليدي" أن الأمر المهم في الفترة المقبلة هو أن يتم تلافي ما لم يكتمل من المناهج العلمية الخاصة بالسّنة الدراسية الماضية حتى لا توجد حلقات مفقودة في مسيرة التّلاميذ والطّلبة الذين يتبعون منظومة تعليم منهجية ومترابطة.

وأشار إلى أن التّخلي عن أي كفاية تعليمية من السّنة المنقضية سيُخل بالتّوازن وبناء شخصية المُتعلم، الأمر الذي يفرضُ التقليص من الكم المضموني للدروس دون المسّ بجوهرها (ضرورة استكمال المناهج قبل بداية برامج السنة الجديدة في كل مستوى).

وشدد "الجليدي" على ضرورة أن تجد الوزارة والمربون (معلمون وأساتذة) آليات تدارك لتقييم درجة تملك كل متلق للكفايات السابقة لضبط الاحتياجات في العام الجديد، وأضاف أن التدارك ممكن بوضع خطط لاستنباط طرق تعليمية جديدة تحاكي التطور الرّقمي وتعوض الشّكل التّقليدي وتعيد ترتيب الأهداف مع الحفاظ على سلامة التّلاميذ والطّلبة بالحرص على الوقاية وحصر خطر انتشار الوباء الذي يجب التعّايش معه.

الوضع الاقتصادي صعب منذ ما قبل كورونا /الأناضول

بدوره، رأى نادر.ح (معلم تعليم أساسي) في حديثه للأناضول، أن وزارة التربية حددت موعد العودة للدراسة الذي قال إنّه الخيار الوحيد، مع إشارته إلى غياب التوصيات في خصوص استكمال المناهج التعليمية، واعتبر نادر أن "تلاميذ المرحلة الأساسية بشكل خاص لا يمكن أن يمروا إلى برامج الفصل الدراسي الموالي إلا بعد استكمال ما لم يُدرس من السّنة الماضية".

وأوضح أن المنظومة التّدريسية مترابطةُ الحلقات، وكل تجاوز في البرامج سيخلِّفُ فراغاً مؤثراً على التّلميذ، وعن الالتزام بالبروتوكول الصّحي علق بأن النجاح في تطبيق التّدابير أمر صعب المنال، خاصة مع الاكتظاظ في الفصول (30 إلى 40 تلميذاً في كل قسم)، إضافة إلى غياب ميزانيات معقولة للمدارس تجعلها قادرة على توفير سبل النظافة والتّعقيم.

وشدد على التّخوف من ارتفاع عدد الإصابات، خاصة أن التلاميذ ومنهم الأصغر سناً لا يمكن بأي شكلٍ حمايتهم أو الاحتماء منهم في صورة انتقال العدوى إليهم.

عام دراسي صعب على الجميع

ووافق ماهر.س (أستاذ تقنية تعليم ثانوي) سابقهُ نادر، بخصوص أنه لا خيار إلا العودة لمقاعد الدّراسة في أوانها بعد خُمول وتوقف إجباري لنصف سنةٍ، وفي حديثه للأناضول، قال إن العام الدراسي الذي على الأبواب سيكون صعباً على الجميع، فالالتزام بالبروتوكول الصّحي مسؤولية فردية وجماعية تمُس الولي والتلميذ والمربي والعاملين في المؤسسات التربوية.

واعتبر ماهر أن إعادة التّلميذ والطّالب إلى النّسق العلمي والذّهني والاجتماعي ووضعه في الطريق الصحيحة لاستكمال ما فات والبدء في مستوى جديد أمر يتطلب جهوداً كبيرة من الجميع، وكل تفويت في أي تفصيل سيؤثر على المتلقي مستقبلاً وبالتالي على التعليم عامة.

وكانت تونس أعلنت تعليق الدراسة بقرار وزارة الصّحة في 9 مارس/آذار الماضي، وتقديم العطلة المدرسية والجامعية وإيقاف الدراسة ابتداءً من 12 من نفس الشهر.

تحميل المزيد