يشن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هجومه على إرث الحركات الإسلامية الفكرية بالمملكة عبر استهداف من فكر ورموز السلفية الصحوية الذي دعمته السعودية في وقت سابق كبديل معتدل عن التيار الجهادي الذي أفرز رموزاً مثل أسامه بن لادن وأعداداً كبيرة من المجاهدين الذين شاركوا في معارك عدة، ضد الاتحاد السوفيتي في ثمانينيات القرن الماضي وضد حروب الصرب على المسملين في البوسنة والهرسك في التسعينيات، وغيرها من معارك في بلدان عربية وإسلامية.
فالإزعاج الذي سببته هذه التيارات الجهادية على مختلف تسمياتها وتوجهاتها، للملكة السعودية دفعتها لتبني نشأة تيار الصحوة الإسلامية الذي تصدرته وجوه معتدلة مثل الدكتور سلمان العودة والدكتور عائض القرني وغيرهم، وأولت هذا الملف لوزير الداخلية السابق الأمير نايف بن عبدالعزيز، ونجله محمد وزير الداخلية من بعده وولي العهد السابق.
و لأن التيار "الصحوي" كان ينشط بشكل فاعل بين أوساط الجالية البورمية، وكان الكثير منهم فاعلاً بالمؤسسات والمناشط الدعوية والجمعيات الخيرية كمؤسسة مكة الخيرية والندوة العالمية للشباب الإسلامي ومؤسسة الحرمين، أتى بن سلمان ليضرب التيار المعتدل من حيث لايحتسب، مستخدماً في ذلك مركز " اعتدال " الذي أسسه بن سلمان لـ"محاربة الفكر المتطرف" حسب التسمية الرسمية له.
"اعتدال" يضرب من الخلف
فقد بدأت المجموعات الإلكترونية التابعة لمركز "اعتدال" والحملات الإعلامية التي يطلقها الديوان الملكي السعودي لترويج مقطع يظهر فيه 7 مسلحين، يقول المركز أنهم ينتمون للجالية البورمية بالسعودية يتلقون تدريبات في أحد المعسكرات التي يعتقد أنها في منطقة طريق مكة – الهدا، بمكة المكرمة. وتنظم هذه الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي لاتهام البورميين بأنهم يتبعون تنظيم "داعش".
إلا أن مصدراً أمنياً – رفض الكشف عن اسمه – أكد أن المقطع هدفه الأساسي استهداف الجالية البورمية وشيطنتها وتأليب الرأي العام السعودي ضدها، مستبعداً أن تتجرأ الجالية البورمية على إقامة أي معسكرات تدريبية داخل السعودية دون علم وتنسيق مباشر مع الجهات الرسمية والأمنية في السعودية، خاصة أن رموز وواجهات الجالية في السعودية معروفون بارتباطاتهم مع الشخصيات الرسمية والتنسيق معها في كافة الفعاليات والأنشطة التي تقوم بها.
تصفية التيار الصحوي
يسعى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى تصفية إرث السلفية "الصحوية" الذي كان مدعوماً في وقت سابق من الدولة السعودية، وتولى هذا الملف وزير الداخلية السابق الأمير نايف بن عبدالعزيز، ونجله محمد وزير الداخلية من بعده وولي العهد السابق.
حيث كان الاثنان يدعمان التيار "الصحوي" بالسعودية بشكل كبير لأجل ضرب التيار "الجهادي" في الداخل السعودي والحد من مؤثراته في الداخل والخارج، خاصة بعد تدفق الشباب السعودي إلى ساحات الصراع الساخنة في العراق وسوريا.
إضافة إلى مساعي الأمير نايف ونجله إلى تدجين التيار "الصحوي" والسعي لاستقطاب دعمه للدولة بدلاً من استعدائها، حيث كان ينشط التيار "الصحوي" بشكل فاعل بين أوساط الجالية البورمية.
وجرى التضييق على هذه المؤسسات قبيل وصول بن سلمان لمنصب ولي العهد بدعم من واشنطن ليتمّ تصفية الندوة العالمية للشباب الإسلامي ومؤسسة مكة وغيرها من المشاريع الصحوية.
وتؤكد مصادر خاصة رفيعة المستوى -رفضت الكشف عن اسمها- أنه يتم توجيه اتهامات أخرى للجالية البورمية مفادها أنهم يقومون بتوزيع الأموال بأسلوب انتقائي وتذهب للدائرة المقرّبة منهم، الأمر الذي يسعى إلى شيطنة الجالية وإفقادها الثقة.
ويتهم بن سلمان التيار الصحوي بأنه يتخذ مواقف مؤيدة لتركيا وقطر وجماعة الإخوان بمصر والرئيس الراحل محمد مرسي، وقام العديد منهم بالتنديد بالانقلاب العسكري ضد الرئيس محمد مرسي، الأمر الذي لم يرُق لتوجهات الدولة السعودية التي استولى بن سلمان على قيادتها، وهذا ما يفسر الحملة ضد الجالية البورمية.
وتؤكد مصادر لـ"عربي بوست" أن بن سلمان يسعى إلى تصفية حساباته مع الرموز المؤثرين في أوساط الجالية، ويسعى كذلك إلى شيطنة العديد من رموزها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالترويج لفكرة أنهم يتحركون بأوامر قطرية وتركية وبتوجهات من الإخوان، وأنهم أعداء للدولة السعودية، رغم أن الجالية البورمية ليست حديثة عهد في علاقتها بالسعودية، بل عمرها يمتد لأكثر من 70 عاماً.
مخاوف من ترحيلهم
وتشير المصادر إلى أن ولي العهد السعودي يدرك حقيقة مفادها أنه غير قادر على ترحيل رموز وأفراد وعناصر محسوبين على التيار الصحوي من أبناء الجالية البورمية، بسبب الأوضاع السياسية والأمنية التي تمر بها بلادهم.
حيث يخشى من ترحيلهم إلى موطنهم الأصلي ليلاقوا بعدها مصيراً مجهولاً أقلّه التشريد وربما القتل على يد العصابات البوذية، الأمر الذي يدفعه إلى الاكتفاء بشيطنة الجالية البرماوية أمام الرأي العام السعودي والتحشيد ضدهم لإيجاد ذريعة لمحاربتهم في الداخل السعودي، ثم التضييق عليهم ووقف أية امتيازات، حيث يتمتع البرماوي بإعفاءات عديدة لا تتمتع بها باقي الجاليات.
ارتبط الكثير من النشاطات الدينية التي كانت تعقد بين أوساط الجالية البورمية بتوعية الجاليات التي كانت تمارس نشاطها تحت عين النظام السياسي في تلك الفترة، حيث كانت تنظّم المعسكرات الكشفية والمخيمات الصيفية، وتعقد المحاضرات الدينية لأجيال الشباب.
يسعى الديوان الملكي في السعودية إلى تضخيم القضايا السلبية الفردية المرتبطة ببعض أبناء الجالية البورمية وتضخيمها على مواقع التواصل الاجتماعي بوصفها تعكس نشاط غالبية البورميين في السعودية؛ لتأجيج العداء ضد الجالية بين أوساط السعوديين والتحريض عليهم.
شيطنة أكبر رموز الجالية
لم تكتفِ المجموعات واللجان الإلكترونية التابعة لمركز "اعتدال" والديوان الملكي السعودي باتهامهم بالترويج للإرهاب وأنهم "عضوا اليد" التي مُدّت لهم، بل عمدوا مؤخراً إلى شيطنة العديد من أبرز الشخصيات المهمة في الأوساط البورمية في السعودية.
ويأتي على رأسهم عبدالله معروف الروهينغي الأركاني، الذي يمثل منصب مساعد اتحاد روهينغا أراكان "ARU" وهو الممثل الشرعي والرسمي للروهينغا بمنظمة التعاون الإسلامي، كما يشغل منصب مساعد ممثل الجالية الروهينغة الميانمارية.
ويتهم بن سلمان، الأركاني بأنّه مقرّب من التيار "الصحوي" في السعودية والتيار "الإخواني" ورموزهما، وسعت "اللجان الإلكترونية" في مركز "اعتدال" إلى الترويج لأنه مقرّب من قطر وتركيا ومن حزب العدالة والتنمية، على الرغم من موقفه الداعم لجهود السعودية وإشادته لها في دعم قضية الروهينغا دولياً.
ويستهدف مخطط الديوان الملكي الأخير – بحسب تأكيدات لـ"عربي بوست"- إلى وضع الجالية البورمية موضع اتهام أمام الرأي العام السعودي، واتهامهم بأنهم أصبحوا يشكّلون خطراً على البلاد عبر زيارات واتصالات سابقة قام بها عدد من رموزهم إلى تركيا وقطر وجماعة الإخوان.
لكنّ الحملات الإعلامية التابعة للديوان الملكي السعودي تدعي بأن جماعة الإخوان تدعمهم إعلامياً ولوجستياً ضد السعودية، بالإضافة إلى الترويج لبعض التجاوزات والجرائم التي قام بها عدد من أفراد الجالية البرماوية وتصويرها على أن الجالية البرماوية تسعى إلى العبث والتخريب وتجاوز الأنظمة والقوانين المفروضة في السعودية.
ويبدو أن النفوذ "الصحوي" بين أوساط الجالية البورمية لم يرُق لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فسعى إلى تصفيته وتقويضه عبر استهداف شخصيات مؤثرة به مثل: صلاح عبدالشكور رئيس وكالة أنباء أراكان ومدير المركز الإعلامي الروهينغي والمتهم أيضاً بالقرب من تيار الصحوة بالسعودية والتيار "الإخواني"؛ وذلك نظراً لأنّ عبدالشكور تلقى عدة تدريبات إعلامية في مقر قناة الجزيرة بقطر.
كما يتهم القائد الكشفي عمر فريد عالم، ومسؤول التواصل الرقمي بالإقليم الكشفي العربي وعضو فريق كشافة شباب مكة التطوعى بجمعية مراكز الأحياء، بأنّه مقرّب من التيار الصحوي ومؤيد ومناصر لجماعة الإخوان، حيث تعدّ الشخصيات المشرفة على جمعية مراكز الأحياء مقرّبة من تنظيم "الإخوان" بالسعودية.
وتبدي الدولة في توجهاتها الحالية توجساً وريبة منها، حيث يسعى مركز اعتدال بنشاطاته الإعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى تشويه تلك الشخصيات وضربها مجتمعياً والترويج المتكرر لفكرة أنها مرتبطة بتركيا وقطر، كون السلطات السعودية غير قادرة على ترحيل أي شخصية بورمية من البلاد أو إبعاده بخلاف الناشطين الفلسطينين والأردنيين الذي تمّ ترحيل عدد منهم وطلب من آخرين مغادرة البلاد بسبب نشاطاتهم الداعمة للقضية الفلسطينية وحركة حماس.
استهداف مؤسسات سعودية
وتؤكد المصادر الخاصة لـ"عربي بوست" أن هناك مساع لضرب النشاطات والتجمعات والمؤسسات التابعة للجالية البورمية في السعودية، ومنها المركز الإعلامي الروهينغي الذي ينظّم على الدوام أنشطة دينية وثقافية بالتنسيق مع مجلس الجالية البرماوية وبإشراف مباشر من الشيخ عبدالله معروف الأركاني.
حيث تسعى الحملات الإعلامية إلى استدعاء الأنشطة التي كان ينظمها الشيخ بالتعاون مع مشايخ المحسوبين على تيار الصحوة ومنهم سلمان العودة، ومنها مشروع "غراس" التوعوي الذي أطلقه المركز الإعلامي الروهينغي بالتنسيق مع مجلس الجالية البورمية لبثّ الوعي المجتمعي بالقيم النبوية في أوساط الجالية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبناء مجتمع تربوي قيمي متمسك بأخلاق النبوة.