صفقات ستعيد تشكيل ديموغرافيا المدينة.. متصيدو العقارات يطوفون بأحياء بيروت المدمرة لشرائها بأثمان زهيدة

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/08/27 الساعة 15:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/27 الساعة 15:25 بتوقيت غرينتش
وول ستريت جورنال: متصيدو العقارات يطوفون بمباني بيروت المدمرة لشرائها بأثمان زهيدة

في مطلع هذا العام، اشترى طوني قهوجي شقة بمليوني دولار في قلب المدينة المطلة على البحر المتوسط، ساعياً لحفظ مدخراته بعد أن فرضت بنوك لبنان رقابة على رؤوس الأموال في خضم الأزمة المالية المتفاقمة. وبعد 10 أيام من انتقاله، وقع انفجار ضخم في ميناء بيروت دمر شقة قهوجي الجديدة، كما يقول لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.

كان المنقذون لا يزالون يبحثون عن الناجين تحت الأنقاض بعد انفجار 4 أغسطس/آب، عندما تلقى قهوجي (44 عاماً)، عرضاً بشراء شقته المحطمة في الطابق الـ12 بأقل من نصف الثمن الذي دفعه فيها. رُفض العرض من جانب قهوجي، المخرج التلفزيوني الذي أصيب في الانفجار ويعيش الآن بمكتبه.

بيروت المدمرة تباع بأثمان زهيدة

وبينما تترنح بيروت من أثر الانفجار الذي أودى بحياة 180 شخصاً ودمر آلاف البيوت في مناطق رئيسية بالمدينة، يسعى بعض المشترين وسماسرة العقارات لاستغلال ذلك الدمار بتقديم عروض لشراء العقارات من مُلاكها المنكوبين بأسعار زهيدة؛ وهي صفقات يمكنها أن تعيد تشكيل الأحياء التاريخية في بيروت.

يقول قاطنو الأحياء الأشد تضرراً بالانفجار، إن جهات وسيطة غامضة تواصلت معهم، تسأل عما إذا كانوا سيبيعون بيوتهم، التي تتراوح بين الشقق الفاخرة، مثل التي اشتراها قهوجي، وحتى البنايات التقليدية التي توارثتها الأجيال. 

قال جوني عساف، سمسار عقارات لم يشارك في عمليات البيع والشراء الحالية: "هؤلاء السماسرة يستغلون الموقف. إنه زمن أسماك القرش".

40 ألف بناية تضررت

في غمضة عين، ألحق الانفجار -الذي وقع عندما أشعلت النيران آلاف الأطنان من نترات الأمونيوم المخزنة في مستودع الميناء- بهذه الأحياء التاريخية ضرراً يفوق ما ألحقته بها سنوات من الحروب. إذ تضررت 40 ألف بناية في الانفجار، منها 2000 تحطمت بالكامل، وفقاً للأمم المتحدة. وشُرد في ذلك ما يصل إلى 300 ألف شخص. 

يواجه الكثير من المواطنين الآن فواتير كبيرة لإصلاح بيوتهم المدمرة، في وقتٍ يواجهون فيه صعوبات بالفعل بسبب الأزمة المالية. وقد قدرت الأمم المتحدة وجود أكثر من 55% في لبنان يقعون في شِراك الفقر، وهي نسبة تقترب من ضعف نسبة العام الماضي. وقد تضاعفت مستويات الفقر المدقع في لبنان 3 مرات، لتصل إلى 23% عام 2020.

غطى بعض أصحاب المنازل النوافذ بأغطية بلاستيكية إلى أن يتمكنوا من شراء الزجاج أو يحصلوا على المساعدة من مجموعات الإغاثة. ويضعف خيط الأمل في الحصول على تعويضات من الحكومة التي تمر بضائقة مالية.

قال مايكل جادات (85 عاماً)، الذي يملك بناية على الطراز العثماني من 4 طوابق في شارع الجميزة الذي كان مزدهراً من قبل: "أريد أن أعيد بناءها، لكن التكلفة باهظة للغاية. إنه منزلي، وممتلكاتي".

البيع اضطراراً.. 

ومن دون الحصول على المساعدة، قد لا يرى أصحاب هذه البيوت بديلاً عن بيعها في النهاية. يقول وليد موسى، نقيب سماسرة العقارات في لبنان، إن نطاق البيع والشراء منذ أن وقع الانفجار غير معروف، وإن أعضاء النقابة الـ160 غير متورطين في هذه العمليات. 

إضافة إلى أن هويات المشترين المحتملين غير معروفة أيضاً. إذ اتصل بعضهم من أرقام مجهولة وأغلقوا الهاتف عندما سُئلوا من هم، وفقاً للمُلاك. وتواصل آخرون، مثلما حدث مع قهوجي، من خلال معارف لهم في الجالية اللبنانية في إفريقيا، عارضين النقود.

قالت منى فواز، مديرة الأبحاث في المختبر الحضري بالجامعة الأمريكية في بيروت، إن المستثمرين الأثرياء والسماسرة الذين تمكنوا من اقتناص العقارات بأسعار مخفضة، قد يتركون تلك البيوت فارغة، منتظرين أن يتعافى الاقتصاد. تعد بيروت عامرة بالفعل بالعقارات الفارغة، التي بيع كثير منها للبنانيين المقيمين في الخارج. وقد زاد عدد المواطنين الذين يفكرون في الهجرة، بعد الانفجار. وأوضحت: "يكمن الخطر في أن تصير هذه المنطقة مدينة أشباح".

خطر يهدد "التركيبة السكانية" للمدينة

ويعرب سكان هذه المنطقة المسيحية القدامى عن قلقهم من أن التدافع على شراء العقارات قد يغير التركيبة السكانية للمنطقة، التي كانت راقية في السنوات الأخيرة.  

وتخبر حرب حماة البيئة لسنواتٍ من أجل المحافظة على تراث بيروت من التطورات العارمة، بأن ماضي المدينة في خطرٍ بدوره. وقد تأثر ما لا يقل عن 8 آلاف موقع تاريخي بالانفجار. 

مكمن الخوف هنا هو أن ينتهي الحال بالبنايات الأثرية في أيدي المطورين الذين قد يهدمونها لإعادة بنائها، متذرعين بالدمار الذي سببه الانفجار. وقد حظرت الحكومة بيع أو شراء أي بناية أثرية في المناطق المتضررة من الانفجار دون موافقة. لكن حماة البيئة يقولون إن العلاقات الحميمة بين المطورين والساسة تعني أن بنايات قليلة ستكون آمنة.

أما بالنسبة لمُلاك بعض البيوت التاريخية في بيروت، فقد دمر الانفجار سنوات من أعمال الترميم المضنية.

تنعكس فخامة قصر سرسق الذي يعود للقرن الـ19 في أطلاله: التماثيل مقطوعة الرأس، والتحف المهشمة، والسجاد الفارسي الممزق الذي تبلغ مساحته مساحة ملعب أسكواش.  بالعودة إلى شارع الجميزة، راقبَ فضل الله داغر (60 عاماً)، العمال وهم ينصبون السقالات لتدعيم بيت من طابقين كان جده الأكبر قد أنهى بناءه في عام 1875، وقد تحطم هو الآخر في الانفجار. قال داغر: "هذه صورة للبنان الذي دمرته تلك العصابات".

تحميل المزيد