تمضي الأمور في ليبيا بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُعلن قبل أيام على طريق متعثر، فما إن بدأ الليبيون الفرح بالقرار حتى أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر رفضه للقرار، واستقبل طائرة شحن عسكرية وجنوداً يمنيين مرتزقة أشرفت الإمارات على تدريبهم في ليبيا.
في الوقت ذاته، دعا رئيس حكومة الوفاق فايز السراج إلى إجراء انتخابات برلمانية في مارس/آذار المقبل للطرق على الحديد وهو ساخن، لكن ثمة مَن يرى أن الدعوة هروب إلى الأمام لم تجمع عليه كل الأطراف بعد.
مفاوضات تركية روسية
قال الناطق باسم رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً غالب الزقلعي لـ"عربي بوست": "إن رئيس المجلس يتابع إمكانية التزام رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح وتنفيذه بنود البيان الذي أصدره الجمعة الماضي في ظل رصدنا استمرار هبوط طائرات شحن عسكرية تابعة لحفتر تنقل معدات وأسلحة ومرتزقة إلى سرت والجفرة".
وأضاف الزقلعي أن حكومة الوفاق قد تحصلت في وقت سابق على وعود من روسيا بسحب مرتزقة فاغنر من سرت والجفرة عن طريق مفاوضات غير مباشرة يقودها الحليف التركي، موضحاً أن المرتزقة انسحبوا بالفعل من سرت والجفرة قبل رجوعهم إليها في اليومين الماضيين نحو الحقول والموانئ النفطية، ما تعتبره الحكومة أمراً غير مرحب به، مشدداً على أن حكومة الوفاق تسعى دائماً لإيقاف العنف وإطفاء نار الفتنة بين الليبيين وحقن الدماء والتوافق على كلمة سواء لسير عملية التنمية، غير أن جناح خليفة حفتر كان دائماً يعرقل هذه الجهود، مضيفاً أن المجلس الرئاسي يدعم ويرحب بأي مبادرة من شأنها أن تُنهي الصراع الدائر في البلاد.
وكذلك الاتفاق على خطوط عريضة وواضحة حول إيجاد حل بخصوص تقسيم عوائد النفط وضرورة استئناف تصديره وجعل منطقة سرت والجفرة منزوعتي السلاح وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، إضافة إلى تفعيل المسار السياسي وفق اتفاق برلين في بيانين كانت لغتهما متقاربة صدرا عن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً ورئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح.
ما دفع خليفة حفتر للتصريح على لسان ناطقه الرسمي أحمد المسماري ملمحاً برفضه وقف إطلاق النار وهو تلميح تؤكده الحقيقة على الأرض.
الحوار مع حفتر أصبح من الماضي
بالرغم من تأكيد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، رفض الحوار مع من تلطخت أيديهم بدماء الليبيين وكان سبباً في دمار منازلهم، وارتكب جرائم ضد المدنيين وكان سبباً في قتل متدربي الكلية العسكرية ومراكز الهجرة غير الشرعية بطرابلس، في إشارة لخليفة حفتر معتبراً الحوار معه أصبح نقطة من الماضي.
إلا أن تقارب بيانات حكومة الوفاق وبرلمان طبرق خطوة إيجابية حيث إن البيانين تضمنا نقاط اتفاق عديدة يجب العمل عليها بعد إصدار البيانات وعدم الاكتفاء بالبيانات فقط.
وفي تصريح متلفز نشره مكتب الإعلام لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج قال: "نحتاج الالتزام بكل ما ورد في البيانين من وقف إطلاق النار ونزع السلاح من سرت والجفرة وعودة تصدير النفط الذي توقف منذ أكثر من 8 أشهر وكبد الدولة خسائر تجاوزت 10 مليارات دولار، فيما خسرت 250 مليار دولار خلال التسع سنوات الماضية".
وشدد السراج على ضرورة إجراء الانتخابات في شهر مارس القادم رغم الظروف الأمنية الصعبة التي تشهدها ليبيا، مشيراً لبعض الجهات التي ترفض المقترح وتعمل على إطالة أمد الأزمة لمصالحها الضيقة.
الحرب معادلة حفتر الصفرية
ويرى العقيد طيار سعيد الفارسي أن المؤتمر الصحفي الذي عقده الناطق باسم القيادة العامة التابعة لحفتر، أحمد المسماري، وأعلن رفض قرار وقف إطلاق النار وأعلن الحرب على خصومه، بأن حفتر دخل في معادلة صفرية ورفض أية تسوية حتى مع حلفائه من نظام القذافي وقام باعتقال كل من ينادي بتولي سيف الإسلام القذافي الحكم.
وكشف العقيد طيار سعيد الفارسي لـ"عربي بوست" أن خليفة حفتر أعاد المنطقة الشرقية للمربع الأول بإعادة دعم وتسليح المدنيين "الصحوات "في مناطق بوهديمة والماجوري وكتيبة أولياء الدم، مشيراً إلى أن تسليح المدنيين وإعادة كتيبة أولياء الدم في بنغازي هما دلالة على العودة لممارسة سياسة القمع والقتل لكل مخالفيه في برقة وبشكل أشرس من السابق.
وأكد الفارسي أن وجود حفتر في برقة لن يمكن أي حكومة قادمة من تحقيق الاستقرار في البلاد حتى لو كان على رأسها عقيلة صالح، مشدداً على أن استقرار ليبيا لن يتحقق إلا بخروج خليفة حفتر من المشهد السياسي والعسكري، وهذا يأتي بتخلي حلفائه الدوليين والإقليميين بشكل واضح.
فيما قال مصدر مطلع من مدينة القبة ــ مقر إقامة عقيلة صالح ــ لـ"عربي بوست" إن العلاقة بين خليفة حفتر وعقيلة صالح تشهد خلافاً حاداً خصوصاً بعد إعلان الأخير وقف إطلاق النار وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من سرت والجفرة، مضيفاً أن وفداً من قبائل المنطقة الشرقية سيلتقي عقيلة صالح بمنطقة القبة ــــ 250 كم شرق مدينة بنغازي ـــــ لمناقشة مستجدات الساحة السياسية والعسكرية الليبية وعلى رأسها دور خليفة حفتر في المشهد القادم.
حفتر يسعى للهجوم على طرابلس مجدداً
قال الناطق باسم وزارة الخارجية بحكومة الوفاق محمد القبلاوي إن خليفة حفتر يحاول تدوير الأحداث والعودة من جديد إلى مربع الحرب والهجوم على العاصمة طرابلس، واستغلال أي فرصة قد تأتي لذلك.
وفي تصريح لـ"عربي بوست"، طالب القبلاوي، عقيلة صالح، بتحمل مسؤولياته على قدر ما أعلن في بيانه، والذهاب إلى حل سياسي شامل، إن كان يريد حقاً، حسب تعبيره.
أسلحة جديدة ومرتزقة من اليمن
وقال العميد عبدالهادي دراه الناطق باسم غرفة عمليات تحرير سرت الجفرة إن قوات الجيش الليبي التابعة لحكومة الوفاق ملتزمة بتعليمات القائد الأعلى لقوات الجيش الليبي، فائز السراج، بوقف العمليات العسكرية في مناطق سرت والجفرة غير أنها رصدت الأحد 23 أغسطس/آب 2020 هبوط طائرة شحن عسكرية طراز "أنتينوف" في مطار القرضابية بمدينة سرت.
وأوضح أن هذه الطائرة هي الأولى التي تنقل دعماً لميليشيات حفتر منذ إعلان وقف إطلاق النار المشترك بين السراج وصالح، وتأكيد الأخير على سحب المقاتلين والمرتزقة من سرت والجفرة، لافتاً إلى أن غرفة عمليات سرت والجفرة التابعة لحكومة الوفاق على استعداد للتعامل مع أي تحركات تحاول خرق إعلان وقف إطلاق النار من قِبل ميليشيات حفتر، مؤكداً أنه لا مكان لحفتر في أي تسوية سياسية قادمة وفق البيانات والتصريحات التي صدرت عن مسؤولين في الدولة.
وفي ذات السياق، كشفت مصادر أمنية من اليمن لقناة الجزيرة أن دولة الإمارات جندت عشرات اليمنيين للمشاركة في صفوف ميليشيات حفتر للقتال ضد حكومة الوفاق.
وبينت المصادر أن اليمنيين المجندين التابعين لحفتر تلقوا تدريباً في قاعدة بمدينة "لحج" جنوبي اليمن وقاعدة "عصب" التابعة للإمارات في إريتريا، وأن السلطات المحلية باليمن بما فيها الرئاسة علمت بعملية التجنيد ولم تحرك ساكناً.
بيانات السراج وعقيلة لم تأتِ بجديد
قال عضو مجلس الدولة موسى فرج: "إن الجميع بشكل عام يطالب بوقف إطلاق النار على أن يكون محطة في طريق الإنهاء الكامل للعمليات العسكرية وتوحيد مؤسسات الدولة وبسط سلطة الحكومة الشرعية على كامل التراب الليبي"، مؤكداً أن التوجه لانتخابات رئاسية وبرلمانية مطلب عام ينبغي أن تُهيَّأ لها شروطها والظروف الملائمة لإجرائها بحرية وسلاسة.
وتابع موسى أنه إذا تم الاتفاق على مطالب وقف إطلاق النار والذهاب لانتخابات فلن يكون هناك سبب للحديث عن منطقة منزوعة السلاح أو عن إيقاف تصدير النفط.
واعتبر موسى أن تصريحات المسماري تعبّر عن خلاف بين عقيلة صالح وخليفة حفتر، موضحاً أن هذا الخلاف لن يكون له تأثير وسيزول من خلال المضي نحو حل سياسي توافقي بين الليبيين وبرعاية دولية.
واستدرك موسى قائلاً: "إن بياني السراج وعقيلة لا يشكلان حلاً للأزمة الليبية، لكن ينظر إليهما كنقطة بداية نحو المرحلة الأهم وهي الحوار السياسي الذي يعبر عن قاعدة واسعة للتوافق الوطني ويرسخ مبدأ الشراكة الوطنية نأمل أن يبدأ قريباً بين مجلسي الدولة والنواب ضمن المسار السياسي ونأمل ألا يتعرض للعرقلة كما حدث سنة2017".
ويرى موسى أن المسار السياسي سوف ينتج آليات شفافة تفتح الباب أمام شخصيات وطنية متحررة من أثقال السنوات الست الماضية لتقود مؤسسات الدولة في مناخ خال من التوترات والتدخلات الأجنبية، حتى يتمكن الشعب الليبي من بناء دولته المدنية التي طالما تطلع إليها، دولة تحتضن جميع أبنائها خالية من الفساد والإقصاء والتهميش متحررة من نقائص الماضي المتمثلة في المركزية والتطاول على القانون.
الانتخابات هروب إلى الأمام
بينما اعتبر عمر عبدالله، المحلل السياسي، أن حديث رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج، عن إجراء انتخابات عامة في مارس/آذار المقبل هو هروب بالأزمة إلى الأمام، مشيراً إلى أن السراج يُدرِك جيداً أنّ إشكالات هذه الأزمة أعمق من إجراء الانتخابات، وأن وجود فترة انتقالية بإطار واضح وضمانات حقيقية لإنجاحها أمر لا مفرّ منه.
واستبعد عبدالله التوافق بين الاثنين على مرحلة انتقالية جديدة في وجود خليفة حفتر المدعوم دولياً وإقليماً، بمرتزقة وأسلحة متطورة وطائرات من شأنها أن تعيق أي استقرار في المنطقة ما لم يكن خليفة حفتر جزءاً من تسوية جديدة يكون فيها الركن الأساسي في أي اتفاق.
وتابع عبدالله قائلاً: "إن إعلان وقف إطلاق النار يمكن اعتبارُه إعلان حسن نوايا واستعداداً للعودة إلى المسار السياسي، ولكن مع غياب الضمانات الحقيقية لإنجاح عملية التسوية".
و"فشل الدول المعنية بالشأن الليبي في التوصل إلى صيغة توافق حول مصالحها فيها، يجعل من المساعي المنفردة أو الثنائية لهذه الدول مجرد مناورات لإحداث خرق في حالة الانسداد لا أكثر، وهذا ما يدفع حفتر اليائس إلى محاولة العودة والبحث عن موطئ قدم في المشهد القادم بحسب الحديث الأخير للناطق باسمه".
وأشار عبدالله إلى أن الترحيب الدولي الواسع بإعلان وقف إطلاق النار لم يتجاوز اللغة الدبلوماسية، ولم يتضمن الحديث عن إجراءات فاعلة للدفع بالعملية السياسية، وهو ما يؤكد أن هذا الإعلان يمثّل لكثير من الدول فرصة للتمكن من زمام قيادة هذا الملف دولياً أو إقليمياً مرة أخرى.
دون أن تكون هناك جديّة لتجاوز العراقيل الصعبة لتحقيق ما تضمنه إعلان وقف إطلاق النار، خاصة فيما يتعلق بإخلاء منطقتي سرت والجفرة من السلاح وعودة إنتاج وتدفق النفط، مؤكداً رغبة بعض الدول في تلفيق حلّ سياسي غير ناضج.
وهو ما يُنذر بتكرار تجربة الصخيرات التي أفشلها مَن كان جزءاً في صناعتها، ويبرز هذا التوجّه في تجاهل مشروع الدستور بشكل متعمّد، ومعالجة المسار الاقتصادي بنوع من التكتم وعدم الوضوح، بحسب عبدالله.
ووفقاً لهذه المعطيات التي تشير إلى أن حفتر يهدد ما يتطلع إليه الليبيون بوقف الحرب وحقن دماء أبناء الشعب الواحد، يبقى التخوف بأن يعيد حفتر فعلته ويشن هجوماً عسكرياً على مناطق الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق غرب سرت، خاصة أنه سبق وفعلها في مؤتمر غدامس في أبريل/نيسان 2019.
سرت والجفرة تحت سيطرة الوفاق
أكدت تركيا وجوبَ أن تكون سرت والجفرة تحت سيطرة الحكومة الليبية المعترف بها دولياً، وجاء عن الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، أن بلاده لا تعارض فكرة إخلاء مدينتي سرت والجفرة من القوات المسلحة من حيث المبدأ، وأن حكومة طرابلس لها موقف قوي على الأرض وفي طاولة التفاوض.
وأوضح كالن، في مقابلة مع وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، أن أنقرة تؤيد دعوة حكومة الوفاق لوقف إطلاق النار، مشيراً إلى وجوب استغلال الموارد النفطية في ليبيا لصالح الشعب، وأن تكون عائداتها في عهدة البنك المركزي الليبي.