“لا يستطيعون تحمُّل تبعات الحرب مع تركيا”.. إلى أين تسير أزمة الصراع على الغاز في شرق المتوسط؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/08/20 الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/20 الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش
إسرائيل لاتكف عن محاولات الوقيعة بين مصر واليونان من جهة وتركيا من جهة أخرى لنشوب الحرب..فهل تنجح؟ / الأناضول

كانت النزاعات على الحدود البحرية في منطقة شرق البحر المتوسط ​​شأناً محلياً على مدى عقود، بحيث تقتصر على مطالبات ومطالبات مضادة بالسيادة بين قبرص واليونان وتركيا. لكن خلال الـ5 سنوات الماضية، تسبَّبت اكتشافات الغاز الطبيعي في تحويل منطقة شرق البحر المتوسط ​​إلى ساحة استراتيجية رئيسية تجمع خطوط الصدع الجيوسياسية الأكبر، التي تشمل الاتحاد الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لعبت إيطاليا وفرنسا دوراً أساسياً في دفع هذا التغيير، الأمر الذي وضع العلاقة المعقدة بالفعل بين تركيا والاتحاد الأوروبي على مسار أكثر تصادمية، كما تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية.

كيف تشكلت الجبهة المعادية لتركيا في شرق المتوسط؟

كان العامل المُغيّر لقواعد اللعبة هو اكتشاف شركة النفط والغاز الإيطالية العملاقة "إيني" لحقل الغاز الطبيعي الضخم "ظهر" في المياه الإقليمية المصرية بالبحر المتوسط في أغسطس/آب 2015. كان اكتشاف حقل "ظهر"، الذي يعد أكبر اكتشاف للغاز في شرق البحر المتوسط ​​حتى الآن، يعني أنَّ المنطقة باتت فجأة تمتلك كميات كبيرة من الغاز الطبيعي قابلة للتسويق. بدأت شركة "إيني" في الإعلان عن خطتها لتجميع الغاز القبرصي والمصري والإسرائيلي واستخدام مصانع تسييل الغاز في مصر لنقل غاز المنطقة إلى أوروبا.

لم تترك تلك الخطة أي دور لتركيا في تسويق ونقل الغاز إلى أوروبا، الأمر الذي حطَّم خطط أنقرة الجارية بالفعل لتصبح مركزاً إقليمياً للطاقة. وفي عام 2018، وجّهت شركة الطاقة الفرنسية العملاقة "توتال" ضربة أخرى لتركيا من خلال الشراكة مع شركة "إيني" في جميع عمليات تطوير الغاز التي تنفذها الشركة الإيطالية في قبرص، مما يجعل فرنسا منخرطة في ساحة نزاعات الطاقة بمنطقة شرق البحر المتوسط. في الوقت نفسه، وافقت قبرص اليونانية رسمياً على توريد الغاز إلى مصانع الغاز الطبيعي المسال المصرية من أجل التصدير. حذت إسرائيل، التي كانت تدرس في السابق إمكانية بناء خط أنابيب للغاز تحت البحر بين إسرائيل وتركيا، حذو قبرص وتعاقدت على توريد غازها إلى مصر أيضاً.

أعربت تركيا عن استيائها من هذه التطورات وبدأت بإرسال سفن تنقيب عن الغاز إلى المياه ترافقها سفناً حربية. لا تزال تركيا ترفض الاعتراف بالحدود البحرية مع قبرص اليونانية، إذ تصر أنقرة أنَّه جرى ترسيمها بشكل غير قانوني على حساب تركيا.

مع كل إجراء تتّخذه تركيا، كانت الجبهة المصرية-اليونانية- الإسرائيلية تكتسب دعماً متزايداً من فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تملك كل واحدة من هذه الدول استثمارات اقتصادية كبيرة في غاز شرق البحر المتوسط. تنظر تركيا إلى قرار حلفائها في "الناتو" بدعم هذه المجموعة باعتباره خيانة لا يمكن التسامح معها.

كيف انخرطت ليبيا في نزاع شرق المتوسط؟

في محاولة للخروج من عزلتها التي وضعها خصومها بها، وقعت تركيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 اتفاقية ترسيم حدود بحرية خاصة بها مع حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دولياً. كانت تلك الاتفاقية لتحسين وضعها القانوني لتتحدى الحدود البحرية، التي رسمتها اليونان مع قبرص ومصر. وبالتزامن مع اتفاقية الحدود البحرية التركية-الليبية، عقدت تركيا أيضاً اتفاق تعاون عسكري يضمن الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني في مواجهة قوات خليفة حفتر، المدعوم من فرنسا ومصر.

تمكَّنت تركيا، من خلال تعزيز وجودها العسكري في ليبيا، أن تحظى بمنصة تستطيع من خلالها تحدي اليونان ومصر على الحدود البحرية لشرق البحر المتوسط. من هنا، اقترنت المواجهة البحرية المتوترة بالفعل في شرق البحر المتوسط ​​بالحرب الليبية.

ما هي شكوى تركيا في شرق البحر المتوسط؟

ترى تركيا أن الحدود البحرية القائمة في منطقة شرق البحر المتوسط​​ تحرمها بصورة مجحفة وغير قانونية من حقها المشروع في جزء من إقليمها البحري. لذا، تعتبر تركيا إجراءاتها دفاعاً عن القانون الدولي. يعود تاريخ ترسيم الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط إلى ما يسمى بـ "خريطة إشبيلية". عيَّنت هذه الخريطة، التي أعدتها جامعة إشبيلية في أوائل القرن الـ21 بتكليف من الاتحاد الأوروبي، الحدود البحرية القصوى لليونان وقبرص على حساب تركيا بمنحهما حقوقاً سيادية على الموارد الطبيعية على طول ساحل كل جزيرة يونانية مأهولة بالسكان -بغض النظرعن صغر حجمها أو مدى قربها من السواحل التركية. 

بدلاً من ذلك، وجدت تركيا شريكاً ترسم معه خريطتها الخاصة بها. تُحدّد خريطة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التركية-الليبية منطقة بحرية قصوى لتركيا متجاوزة الجزر اليونانية في الجرف القاري أو المنطقة الاقتصادية الخالصة. إذ تُحدّد الاتفاقية قطاعاً حدودياً بطول 18.6 ميل بحري بين تركيا وليبيا، وهي منطقة تمتد من الزاوية الجنوبية الغربية لتركيا إلى الساحل المقابل في شرق ليبيا.

يجدر الإشارة إلى أنَّ المادة 121 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تنص على أنَّ سواحل الجزر تولّد جروفاً قارية ومناطق اقتصادية خالصة، باستثناء تلك الجزر غير الصالحة للسكن البشري أو التي لا تستطيع الاحتفاظ بحياة اقتصادية خاصة بها. من جانبها، قررت اليونان الرد على تركيا بتوقيع اتفاق مماثل لترسيم الحدود البحرية مع مصر في 6 أغسطس/آب من العام الجاري. 

ماذا بعد؟

هناك حوافز قوية للاتحاد الأوروبي ومعظم الأطراف الفاعلة في المنطقة لاحتواء التصعيد الحالي وإيجاد مخرج للأزمة. لا تستطيع مصر أو إسرائيل تحمُّل تبعات الانجرار إلى حرب مع تركيا في شرق البحر المتوسط، على الرغم من دعمهما لليونان. في الوقت نفسه، أكَّد الاتحاد الأوروبي دعمه للدولتين الأعضاء اليونان وقبرص اليونانية، لكن الكتلة الأوروبية لا تزال منقسمة حول كيفية التعامل مع الأزمة الحالية. تدعو فرنسا واليونان وقبرص إلى اتّخاذ إجراءات قوية ضد تركيا بينما امتنعت عن المطالبة بذلك إيطاليا ومالطا وإسبانيا -التي تربطها جميعاً مصالح تجارية مهمة مع تركيا في وسط وغرب البحر المتوسط.

تستطيع ألمانيا، التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي منذ يوليو/تموز، كسر هذا الجمود. فعلى الرغم من أنَّ برلين تسير عادةً على خطى باريس فيما يتعلق بالسياسات في مناطق البحر المتوسط، لكنها تحرص على إبقاء أنقرة قريبة قدر الإمكان من الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، تسير تركيا على حبلٍ مشدود. إذا اندفعت كثيراً، سوف يميل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى جانب اليونان تماماً. يتمثل التوتر الآن في جزيرة كريت، التي يُعتقد أنَّ مياهها الجنوبية تحتوي على كميات كبيرة من النفط أو الغاز الطبيعي. حتى الآن، لم تتجاوز تركيا هذه الجزيرة، ربما تؤجل أنقرة خطوة التنقيب في مياه جزيرة كريت للاحتفاظ بها كورقة تفاوض. في الواقع، تتطلب أي عملية جادة لخفض التصعيد بين تركيا واليونان وساطة طرف ثالث لديه النفوذ الكافي لدفع أنقرة وأثينا نحو إجراء محادثات جادة.

تحميل المزيد