جاء قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مثيراً للإرباك للكثيرين أكثر منه صادماً، فما الذي يمكن فهمه من قرار المحكمة وكيف سينعكس على العلاقة بين حزب الله وتيار المستقبل.
وخلال جلسة النطق بالحكم في قضية اغتيال الحريري، أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أنه "ليس هناك دليل" على تورط سوريا وحزب الله في الاغتيال، كما أفادت بـ"عدم كفاية الأدلة" ضد ثلاثة متهمين من أصل أربعة (إضافة إلى متهم خامس توفي، وكلهم أعضاء بحزب الله)، بينما أدانت متهماً واحداً هو سليم عياش الذي قالت إنه مذنب في جريمة قتل الحريري بشكل متعمد، باستعمال مواد متفجرة.
وتم التركيز على فكرة تبرئة سوريا وحزب الله من الجريمة لدرجة أن نائباً سورياً قال إن"على ساسة لبنان تقديم اعتذارهم لدمشق بسبب اتهامها الزائف باغتيال الحريري"، حسب تعبيره.
هل يعني قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تبرئة حزب الله وسوريا؟
قالت المحكمة إن الادعاء أظهر أن المشتبه بهم استخدموا هواتف محمولة لتنسيق الهجوم، لكن الادعاء لم يستطع أن يربط بشكل كاف بين المشتبه بهم وإعلان مسؤولية كاذب جاء بعد الهجوم مباشرة من أشخاص لا بد وأنهم كانوا يعرفون أن الحريري سيُقتل.
وقالت القاضية جانيت نوسورذي: "لم يتمكن الادعاء من أن يثبت دون مجال للشك المنطقي مشاركة (المشتبه بهم الثلاثة) في إعلان المسؤولية الكاذب عن الهجوم على الحريري".
اللافت أن المحكمة ذكرت في قرار الإدانة أن عياش لم يعمل منفرداً وأنه أدى دوراً محورياً في العملية التي استهدفت الحريري.
واعتبرت أن العياش مذنب بكل التهم الموجهة إليه، بينما برأت المحكمة عنيسي وصبرا ومرعي، لعدم كفاية الأدلة، إذ إن الادعاء لم يقدم الأدلة المقنعة ضدهم، رغم أنها أشارت إلى معاونة بعض المتهمين للمدان.
وجهت الإشارة لحزب الله وسوريا دون إدانة
وأوضحت المحكمة أن الاغتيال عمل إرهابي نفذ لأسباب سياسية وليس لأسباب شخصية.
وقالت إن خلفية الاعتداء تتعلق بالخلاف بين سوريا وحزب الله والحريري، والتهديدات التي وجهت ضده تشكل دافعاً للجريمة، ولكنه ليس عنصراً قانونياً من القضية، مشددة في الوقت ذاته على أن الاغتيال كان لأهداف سياسية، وأن سوريا كانت تهيمن على الحياة السياسية والأمنية في لبنان في ذلك الوقت.
واعتبرت المحكمة أن قرار اغتيال رفيق الحريري صدر بعد اجتماع فندق البريستول الذي ضم الحريري مع جنبلاط في إطار تحركهما ضد الوجود السوري في لبنان في ذلك الوقت.
ومن الواضح أن المحكمة تعاملت بشكل فني وقانوني، فهي لم تدن إلا من توفرت ضده أدلة واضحة ولم تعتمد على استنتاجات، وهو أمر لفت الانتباه إليه رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، الذي بدا محبطاً قليلاً من عدم حدة قرار المحكمة، ولكنه اعتبر طبيعة الحكم تؤكد أنه غير مسيس.
فلو أن المحكمة مسيّسة لأدانت بقية المتهمين، والأهم أنها قد وصلت للاستنتاج الذي يعلمه أي مبتدئ في السياسة اللبنانية، وهو أن قراراً بحجم اغتيال الحريري لا يمكن أن يُتّخذ دون موافقة سوريا وحزب الله وحتى إيران.
والأهم أن حزب الله نفسه يفاخر بأن أعضاءه ملتزمون بقرارات الحزب، وفي الوقت ذاته فإن أمين عام الحزب حسن نصر الله سبق أن أشاد بالمتهمين في القضية ولم ينف عضويتهم بالحزب.
وبالتالي من يعرف تركيبة الحزب الصارمة، يعلم جيداً أنه لامجال لافتراض أن أعضاء بالحزب نفذوا جريمة بحجم اغتيال الحريري دون أوامر من قيادة الحزب.
أو كما علق أمين عام تيار المستقبل قائلاً "إن عياش لم يؤسس شركة مستقلة للاغتيالات بعيداً عن حزب الله".
واللافت أيضاً أن المحكمة قالت إن الأمن اللبناني أزال أدلة من مسرح الجريمة، ومن المعروف أن سوريا كان لها هيمنة كبيرة على الأمن في لبنان في ذلك الوقت.
وبالإضافة إلى هيمنة سوريا الأمنية الكاملة على لبنان في ذلك الوقت بما في ذلك الحزب ذاته، فإنه من المعروف أن أي طرف بما فيه حزب الله كان لا يستطيع أن يقوم بأي تصرف دون موافقة الأجهزة الأمنية السورية، كما أن رفيق الحريري كان خصماً لسوريا أكثر منه عدواً لحزب الله، الذي قد يحتمل أنه قد نفذ الجريمة استجابة لطلب نظام الأسد.
وفي هذا الإطار، لفت أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري إلى أن كل المسؤولين السوريين المرتبطين بالقضية والذين حقق معهم المحقق الدولي في القضية ماتوا، إما قتلوا أو قيل إنهم انتحروا وحتى المتهم مصطفى بدر الدين عضو حزب الله مات أيضاً، وتساءل هل هذه صدفة؟.
تجدر الإشارة إلى وزير الداخلية السوري الأسبق غازي كنعان الذي ترأس فرع الأمن والاستطلاع السوري في لبنان، أي الحاكم الفعلي للبلاد قد أعلن أنه قد انتحر ولكن في ظل ظروف غامضة وسط ترجيحات أنه تم تصفيته خوفاً من كشفه لملابسات حول اغتيال الحريري، كما توفي رستم غزالة الذي خلفه في المنصب في ظروف غامضة.
واللافت أن المحكمة قالت إن الشاب أبو عدس الذي اختفى في يناير/كانون الثاني 2005، لم يكن الانتحاري الذي نفذ العملية، ومن الواضح أن الهدف من محاولة تحميله المسؤولية إبعاد الأنظار عن توجيه الاتهام لسوريا وحزب الله ومحاولة إلقاء التهمة في اتجاه الحركات الإسلامية السنية المتطرفة.
وقالت المحكمة الدولية إن المتهم سليم عياش نسق مع مصطفى بدر الدين (متهم توفي لذلك أسقطت محاكمته) عملية مراقبة رفيق الحريري تمهيداً لاغتياله، بما في ذلك شراء الشاحنة المستخدمة في العملية، ومحاولة توريط المدعو أبو عدس لتحميله مسؤولية الاغتيال زوراً.
ماذا قال الحريري وماذا سيفعل؟
رغم أن سعد الحريري كان يقوم بتهدئة واضحة قبل إعلان الحكم في ظل وضع البلاد المزري إثر تفجير بيروت بل إن حزب الله كان يريد أن يأتي به رئيساً للحكومة، فإن الحكم له تداعياته الخاصة التي قد تكون منعزلة عما قبلها.
وقال الحريري: "لا تنازل عن حق الدم ولا مساومة، القصاص العادل من المجرمين، مطلب ليس عليه من مساومة".
وأضاف باسم عائلة رفيق الحريري وعائلات الضحايا: "نقبل حكم المحكمة وتنفيذ العدالة، ولا تنازل عن حق الدم"، في المقابل ألمح أحمد الحريري إلى إمكانية بحث الاستئناف ضد الحكم.
ولكن ظل خطاب سعد الحريري هادئاً ضد حزب الله الذي أدين فعلياً باغتيال والده، حتى لو لم تتم الإدانة لفظياً.
إذ قال: :مَن المطلوب منه التضحية هو حزب الله".
وبدلاً من توجيه اتهام مباشر وصريح للحزب باغتيال والده قال الحريري الابن: "صار واضح أن شبكة تنفيذ الاغتيال من صفوف الحزب".
ثم في حوار لاحق مع قناة الحدث العربية، دعا سعد الحريري لتسليم سليم عياش، قائلاً "إن الجريمة لبست الحزب"، ملمحاً إلى أن الأمر لم ينتهي بعد، وأن الوقت غير مناسب للحديث عن حكومة وحدة وطنية".
ورغم أن المحكمة لم تدن حزب الله وسوريا، ولكن هناك طريق قد يسلك بناء على هذا الحكم خاصة أن تشكيل المحكمة جاء بناء على قرار من مجلس الأمن، وهو الضغط على حزب الله لتسليم المتهم سليم عياش (الذي يمكن في حال محاكمته الكشف عمَّن أصدر له الأوامر).
وفي حال رفض حزب الله أو تجاهله لتسليم عياش، فإن هذا قد يفتح الباب لمزيد من الضغوط من قبل الولايات المتحدة والسعودية تحديداً اللتين تريدان رأس حزب الله أكثر من رغبتهما في العدالة.