الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بأعين أمريكية.. لماذا يراه الديمقراطيون خديعة لن تنطلي على أحد؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/08/17 الساعة 14:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/17 الساعة 14:36 بتوقيت غرينتش
جو بايدن وكامالا هاريس/ رويترز

في سلسلة من التغريدات، عبر رئيس مجموعة الأزمات الدولية والمستشار السابق للرئيس الأمريكي باراك أوباما عن تباين ردود الفعل الأمريكية بشأن اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، فهناك معارضون لخطط ضم معظم أراضي الضفة الغربية وغور الأردن لإسرائيل، لكن لأسباب مختلفة تماماً، فما قصة كواليس الإعلان عن ذلك الاتفاق وتوقيته؟

ماذا قال روبرت مالي؟

عبر حسابه الرسمي على تويتر، قال روبرت مالي رئيس مجموعة الأزمات الدولية أن ردود الفعل على الاتفاق الإماراتي- الإسرائيلي بين الأمريكيين المعارضين لمخطط الضم الإسرائيلي، تباينت تبايناً واسعاً، من دعمٍ متحمس إلى عداءٍ متشدد، وهذا يرجع لأنَّ معارضتهم المشتركة للضم تعكس دوافع مختلفة اختلافاً جذرياً.

فمن يرحبون بقوة بقوة بالاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي، الذي ستُعلِّق إسرائيل بموجبه الضم مقابل تطبيع العلاقات مع الإمارات، كانوا يعارضون الضم لأنه خاطر دون ضرورة بتغيير وضع تسيطر فيه بالفعل إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، أي أنهم يعارضون مخطط الضم لأنه يهدد الوضع القائم.

ومن يشعرون بالتردد يرحبون بحقيقة أنَّ مخطط الضم أصبح مُعلَّقاً للوقت الحالي، لكنهم يكرهون أنَّ (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو يُشَاد به بالرغم من أنَّ حكومته لم تتحرك أية خطوة لتعزيز حل الدولتين، بل العكس فعلت الكثير الذي يضر بفرض تحقيقه. أي يعارضون الضم لأنه يهدد فرص تغيير الوضع القائم.

ومن يعارضون الاتفاق بقوة لا يعارضون الضم لأنه مخطط جديد -فهو ليس بجديد- لكن لأنه يضفي الطابع الرسمي على حقيقة قائمة، ويرون أنَّ مكافأة إسرائيل على سياسات لطالما عملت على إخفائها، وكان الضم ليفضحها، لن تجلب إلا الضرر. أي إنهم يعارضون الضم لأنه شرعنة للوضع المفروض بحكم الأمر الواقع.  

ردود الفعل المتباينة هذه ما هي إلا مؤشر آخر على جدال ناشئ في الولايات المتحدة (وتحديداً بين الديمقراطيين) حول الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وإلى أين وصل، وكيف يمكن حلّه. ويُرجَّح أنَّ يزداد الجدال استقطاباً مع الوقت.

فتش عن "جو بايدن"

تغريدات مالي تمثل قمة جبل الجليد بشأن كواليس ذلك الإعلان الذي سبب صدمة شعبية في العالمين العربي والإسلامي، حيث إن الإمارات قدمت هدية مجانية لإسرائيل دون أي مقابل، فحتى الإعلان عن تأجيل أو تعليق تل أبيب خطط ضم أراضٍ من الضفة الغربية مثل – بحسب التغطية الإعلامية الأمريكية للحدث – خديعة لم تنطل على أحد في واشنطن، فنتنياهو لم يكن أصلاً ليغامر بتنفيذ ذلك القرار والذي كان مقرراً بحسب نتنياهو نفسه في يوليو/ تموز الماضي، أي أن التأجيل لا علاقة له باتفاق التطبيع مع الإمارات.

وقد نشر معهد بروكينجز للدراسات الاستراتيجية ومقره واشنطن تقريراً كشف فيه العنصر الحاسم وراء ذلك الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي وهو "جو بايدن"، المنافس الديمقراطي للرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية المقررة 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

الطريقة التي قدم بها ترامب اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل على أنه إنجاز ضخم لإدارته تستدعي التوقف قليلاً؛ فمن ناحية كون الإمارات وإسرائيل أو بمعنى أدق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد من أبرز حلفاء ترامب في الشرق الأوسط، نعم هذا إنجاز يحسب لساكن البيت الأبيض، لكن من ناحية إقرار السلام الشامل في الشرق الأوسط أو صفقة القرن التي تباهى ترامب بقدرته على إقرارها -عكس كل من سبقوه في البيت الأبيض- فالأمر أقل وضوحاً على أقل تقدير.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو/رويترز

لكن حتى تكون الأمور واضحة، بحسب تقرير بروكينجز، لابد من الإشارة لأن علاقات التعاون بين تل أبيب وأبوظبي تشهد نمواً مطرداً منذ سنوات في مجالات الاستخبارات والتكنولوجيا والمجال العسكري والتجاري والسياسي، وكل ما حدث الآن هو إخراج علاقة حميمة سرية إلى العلن، وهذا ليس أمراً بسيطاً ولا صغيراً، لكن من المهم وضعه في سياقه، فالهدف هنا لا علاقة له بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بل هو هدية انتخابية من جانب حليفي ترامب اللذان لا يزالان يأملان في أن يفوز بفترة رئاسية ثانية.

اتفاق التطبيع لا علاقة له بالفلسطينيين من الأساس

وفي الوقت نفسه، فإن نتنياهو وبن زايد مطلعان على استطلاعات الرأي الحالية التي تظهر منافس ترامب الديمقراطي جو بايدن متقدماً بشكل واضح وبالتالي ففوزه احتمال قائم لابد من وضعه في الحسبان، بل هناك احتمال أن يستعيد الديمقراطيون الأغلبية في مجلس الشيوخ أيضاً، فكيف يصب الاتفاق بين الطرفين في مصلحتهما أيضاً حال تحقق هذا السيناريو؟

تعيدنا الإجابة عن هذا السؤال إلى موقف جو بايدن من خطة ضم أراضي الضفة الغربية لإسرائيل وهو الرفض، ليس انطلاقاً من الحرص على إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة -كما رأينا من تغريدات مالي- ولكن على أساس أن تلك الخطوة تمثل سبباً إضافياً لمزيد من الاضطرابات في المنطقة، يرى الديمقراطيون أنها لن تعود بفائدة على إسرائيل نفسها وستمثل تهديدا للمصالح الأمريكية في المنطقة.

أمريكا لعبت دوراً كبيراً في اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل – عربي بوست

وهذه المعطيات كانت سبباً مباشراً في تأجيل نتنياهو قرار الضم الشهر الماضي وهي نفسها التي جعلت ترامب يحذر نتنياهو من الإقدام على تلك الخطوة بصورة أحادية، وبالتالي فإن إعلان الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي مع الإشارة لموافقة نتنياهو على تعليق قرار الضم ولو مؤقتاً يعتبر أيضاً انتصاراً لجو بايدن ومعسكره الديمقراطي، أي أن الإعلان يمثل انتصاراً لجميع الأطراف المعنية به، وبما أن الفلسطينيين ليسوا طرفاً من الأساس، فلا أحد يهتم.

النقطة الأخرى هنا بالنسبة لبن زايد هي صورة الإمارات على الساحة الأمريكية والتي تأثرت بشدة بسبب الحرب في اليمن، رغم إعلان أبوظبي انسحابها من هناك قبل فترة، وبالتالي فإن توقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل يساهم في تحسين صورة أبوظبي وبن زايد في واشنطن كدولة حليفة لإسرائيل وبالتبعية لأمريكا كدولة وليست فقط حليفة لترامب.

ومن هذا المنطلق، فإن المعسكر الديمقراطي يركز على أهمية التزام نتنياهو بعدم ضم أراضي الضفة قبل الانتخابات المقبلة، وإن كانت تصريحات مساعدي بايدن والمشرعين الديمقراطيين تعكس الاطمئنان لأن خدعة ترامب لن تنطلي على أحد، وأن الإنجاز الذي تحقق بإخراج علاقة أبوظبي السرية بتل أبيب للعلن يحسب كذلك لجو بايدن.

تحميل المزيد