بقيت السفارة الأمريكية في عمّان بلا سفير نحو ثلاث سنوات ونصف السنة، حتى برز اسم السفير هنري ووستر المُنتظر في عمّان، ليخطف الأضواء سياسيّاً ودبلوماسيّاً من جديد، بعدما تقرر تعيينه سفيراً لدى المملكة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
آخر ما أعلِنَ عن آلية اختيار السفير ووستر، أن مجلس الشيوخ الأمريكي أصدر مذكرته التشريعية التي وافق فيها رسمياً على تسميته سفيراً لبلاده في العاصمة الأردنية عمّان، بعدما رشحه البيت الأبيض ووافقت عليه الحكومة الأردنية.
فيما نشرت السفارة الأمريكية بالأردن في شهر مايو/أيار الماضي، كلمة السفير هنري التي ألقاها في جلسة الكونغرس التي تقرر فيها تعيينه، وتحدَّث فيها عن العلاقات الاستراتيجية بين بلاده والمملكة في عدة ملفات، أهمها مواجهة "داعش".
تعيين السفير ووستر أثار جدلاً واسعاً، بسبب تأخر تسلُّم مهام منصبه رسمياً لما يقرب من عام، كما أن نخبة السياسة الأردنية استهجنت مصطلح "الأردن الجديد" الذي استخدمه ووستر أمام لجنة الاعتماد في الكونغرس، ولم ترِدْ بشأن هذا المصطلح إيضاحات رسمية من الجانب الأمريكي ولا من الجانب الأردني.
تواصلنا في "عربي بوست" مع المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية الأمريكية عبر الإيميل؛ لاستيضاح الأمر، لكن جاءنا الرد مقتضباً: "مسائل تعيين السفراء في الخارج تأتي ضمن إطار صلاحيات البيت الأبيض بالدرجة الأولى".
اللافت في موضوع السفير ووستر، أن الرجل يشغل منصب "مُفوّض" في وزارة الخارجية الأمريكية، وهذا في العرف الدبلوماسي يعني أن لديه صلاحيات تفوق صلاحيات السفير العادي، وأنه ولأول مرة منذ أربع سنوات، سوف يعمل مستقلاً بالأردن وبمعزل عن سفارة واشنطن في تل أبيب.
علاوة على ذلك فإن المتغيرات والأحداث المتسارعة التي تشهدها الساحة الأردنية والتي تحيط بالوضع السياسي الأردني القائم، تحمل العديد من المؤشرات في التوقيت الزمني لتعيين هنري ووستر، خاصةً في ظل المساعي القائمة لتنفيذ وتمرير صفقة القرن وملف ضم الغور إلى إسرائيل في المنطقة، والدفع بالتطبيع مع إسرائيل وتكثيف الجهود في محاربة النفوذ الإيراني، إضافة إلى الدفع بجهود أكبر لتحريك الدور الأردني في الأزمة الليبية ومحاربة الإسلام السياسي بالمنطقة.
فهل تتلاءم شخصية السفير الأمريكي هنري ووستر مع طبيعة المرحلة القائمة؟ وما المناصب والمهام التي تسلَّمها قبل أن يعيَّن في هذا المنصب الجديد؟ ومن أبرز الشخصيات السياسية الداعمة له؟ وهل هو قريب من مراكز صنع القرار؟
خلافات سياسية عليا
تؤكد مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، أن تعيين السفير الأمريكي الجديد يأتي في ظل وجود مشكلات حادة بين العاهل الأردني الملك عبدالله والرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول العديد من الملفات، منها ملف أحلام التميمي التي تطالب أمريكا بطردها وتسلُّمها من الأردن.
هذا بالإضافة إلى ملف حادثة مقتل الجنود الأمريكيين على يد جندي أردني قبل عدة سنوات، وملفات متعلقة بصفقة القرن والسلام مع إسرائيل.
وفي هذا السياق يؤكد الأمين العام لحزب "أردن أقوى"، شلاش الخريشة، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أن تعيين سفير أمريكي لدى الأردن أمر طبيعي في مثل هذه المرحلة، بعد فراغٍ دامَ ثلاث سنوات، نتيجة ممارسة ضغوضات على الأردن.
وقال مستدركاً: "لكن الأهم في الأمر هو فصل ارتباط السفارة الأمريكية في عمّان عن ارتباطها بسفارتها لدى إسرائيل من حيث القرارات والحضور والعمل، وبذلك تصبح تابعة مباشرة للخارجية الأمريكية"، مضيفاً أن العمل جارٍ الآن على الفصل بين السفارتين؛ من أجل الترتيبات القادمة وإنهاء ملف القضية الفلسطينية من خلال صفقة القرن، وتغيير شكل الدولة الأردنية جغرافياً وديمغرافياً وسياسياً.
واستطرد: "لذا لا بد من سفير بمواصفات خاصة في هذا الظرف"، مشيراً إلى مسألة أن تعيين السفير الجديد تدخل في إطار التغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة، حيث إن النظام العالمي له متطلبات، تنفيذها يحتاج رجالاً بمواصفات محددة، وصفقة القرن تحتاج رجالاً تنفيذيين أمثال هنري ووستر وغيره، ووضع إسرائيل بمقدمة الدول ذات النفوذ بالإقليم يحتاج نوعيات خاصة من الرجال ويحتاج عملاء تنفيذيين.
وتؤكد مصادر خاصة قريبة الصلة بالقرار السياسي، لـ"عربي بوست"، أن الولايات المتحدة تسعى من خلال خطوة تعيين السفير الجديد، إلى التوجه بالأردن نحو حكم ملكي دستوري بالبدايات على ألا يتجاوز ذلك عام 2030.
وأضافت المصادر التي رفضت ذكر اسمها، أن "هذا يفسر اختيار سفير في منصب مفوّض فوق العادة ليتابع السياسات الأمريكية ومثل هذه الملفات، كما تهدف واشنطن إلى تغيير الجغرافيا الأردنية والذي تمثَّل من خلال مشروع نيوم، حيث ستحصل تعديلات على مساحة حدود الأردن".
هذا بالإضافة إلى قضية الديموغرافيا الأردنية التي ستكون خليطاً من السوريين والعراقيين واللبنانيين والليبيين واليمنيين والسودانيين، إضافه للأردنيين سواء شرق أو غرب النهر، أي من شتى المنابت والأصول؛ حتى يكونوا مستقبلاً وقوداً للمخططات، ولو اختلف الشكل بالنسبة لطبيعة الناس والبلد لكن المضمون واحد، على حد قول المصادر.
وأضافت المصادر: "هذا المخطط يأتي لتنفيذ الجزء الآخر من خطة الوصول إلى العراق كحدود للدولة اليهودية المزعومة، وتنفيذ المشروع الصهيوني التوسعي في المنطقة، وهذا ما يروَّج له مؤخراً بـ(الأردن الجديد)".
لماذا تأخر؟
لكنّ وجهة نظر أخرى تشير إلى أن الأمر يدخل ضمن الترتيبات الإدارية للسفارة الأمريكية في المنطقة، وأن هذا ما يشير إليه المستشار في وزارة التنمية الاجتماعية سابقاً حسام العبدالات.
حيث يقول العبدالات في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست": "في أحد اللقاءات التي جمعتني مع المستشار السياسي للسفير الأمريكي في عمّان وأثناء التقائي إياه وزيارته لي بمنزلي، سألته سؤالاً وهو: لماذا لم تعيِّن أمريكا سفيراً أمريكياً في عمّان إلى الآن؟ فأجاب بـ(أن لدينا أموراً إدارية، وليس هذا الأمر فقط مقتصراً على الأردن، فهناك دول أخرى لم نعين لديها سفيراً حتى الآن)".
ويوضح العبدالات أنّ الأردن له علاقة خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه العلاقة أبعد من صلاحيات سفير، فالعلاقة مع الأردن مركَّزة على جهتين رئيسيتين: وكالة الاستخبارات الأمريكية "CIA" ووزارة الدفاع الأمريكية، ثم تأتي لاحقاً وزارة الخارجية الأمريكية.
وبيَّن أن المؤسستين هما من يديران السياسة في الأردن، وهما من يرعيان النظام باعتبار أن المخابرات الأردنية هي بالحقيقة تمثل -إن جاز التعبير- مكتباً صغيراً في المخابرات الأمريكية، لأنها هي التي أسستها، على حد وصف العبدالات.
ويضيف العبداللات: "بالإضافة إلى طبيعة علاقة المخابرات الأردنية مع الكيان الصهيوني والتي أعطتها علاقة خاصة، وهذه العلاقة الخاصة ترتب عليها أن الأردن محصَّن بالنسبة للأمريكان من كثير من التداعيات والقرارات التي كانت تتخذها أمريكا بالمنطقة، نتيجة العلاقة التي تربط المخابرات الأردنية بالذات مع المخابرات الأمريكية".
ويتابع: "ونظراً إلى أن أمريكا دولة مؤسسات والقرارات التي تصدر عن الرئيس الأمريكي ووزارة الخارجية لها خلفية أمنية واستخباراتية، وبالتالي التوصيات التي تصدر من وكالة المخابرات الأمريكية فيما يتعلق بالتعامل مع الأردن هي الأصل والأساس أكثر من أي قرار سياسي بحت".
واعتبر العبدالات أن "وجود هذا السفير يخضع لتوجيهات وتغيرات السياسة الأمريكية تجاه الأردن، وأن هذا التوجه سيكون مبنياً على قرار من الاستخبارات الأمريكية ومن وزارة الدفاع الأمريكية بالدرجة الأولى".
ويشير العبداللات إلى أن من القضايا التي سيعمل السفير الجديد على متابعتها قضيتي صفقة القرن وضم الغور للكيان الصهيوني، اللتين قد تمّ تمريرهما منذ فترة، وما يحدث أمور شكلية، مشيراً إلى أن السفير الأمريكي الجديد جاء لتنفيذ السياسة الأمريكية الاستراتيجية الجديدة الممثلة في إدارة ترامب.
وشدد على أن العلاقة الأردنية – الأمريكية لا تزال في أوجها بين الطرفين حتى أثناء الحوادث التي كان الأمريكان يتعرضون لها في الأردن، ومنها حادثة مقتل الجنود الأمريكان، حيث كانت الخارجية الأمريكية تدافع بقوة عن الأردن؛ لوجود علاقة استخباراتية بين الطرفين في أعلى مستوياتها.
من هو هنري ووستر؟
بحسب وزارة الخارجية الأمريكية فإن هنري ووستر عضو مخضرم في السلك الدبلوماسي بدرجة وزير، ويشغل حالياً منصب نائب مساعد وزير الخارجية للمغرب العربي ومصر في مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأمريكية.
وكان قبل ذلك، نائب رئيس البعثة بالسفارة الأمريكية في باريس، ونائب رئيس البعثة، ثم القائم بالأعمال في السفارة الأمريكية في عمّان بالأردن.
وعمِل ووستر أيضاً في السابق، مستشاراً سياسياً بسفارة الولايات المتحدة في إسلام آباد بباكستان، ومدير آسيا الوسطى في مجلس الأمن القومي، ومستشار السياسة الخارجية للقائد العام لقيادة العمليات الخاصة الأمريكية المشتركة.
وفي وقت سابق من حياته المهنية، عمِل أيضاً نائباً مساعداً لوزير الخارجية لشؤون إيران بالوكالة في مكتب شؤون الشرق الأدنى التابع لوزارة الخارجية، ومديراً لمكتب الشؤون الإيرانية في وزارة الخارجية.
كما عمِل ووستر ضابطاً في احتياطي الجيش الأمريكي 24 عاماً. حصل على بكالوريوس من كلية امهيرست وماجستير من جامعة ييل. ويتحدث ووستر الفرنسية والروسية، ولديه معرفة عملية باللغة العربية والفارسية والسريانية/الآرامية.