كان إدريس علي يأكل على الأرض في غرفةٍ يتشاركها مع أربعة أفراد آخرين وسط بيروت، حين سمع الانفجار الأول. وفيما كان يجلس عاقداً قدميه ويستمتع بوجبته الوحيدة لليوم، بدأ إدريس يشعر بالاهتزاز. حين بدأ الاهتزاز جلب منشفته وتوجه إلى النافذة لفهم ما يجري. وبدت اللحظة التالية مثل الغاشية. إذ يتذكر إدريس الصمت قبل أن يُقذف به في الهواء.
ويسترجع العامل المهاجر الواقعة ويحكيها موقع Middle East Eye البريطاني قائلاً: "لقد قمت مرتعداً ظناً أنّ حياتي قد انتهت، ثم ركضت نزولاً على السلم ولم أشاهد سوى الزجاج. كان الجميع يبكي، والناس ينزفون".
مرّ أسبوعٌ الآن، وعلي يستميت كما لم يفعل من قبل لتحقيق شيءٍ واحدٍ فقط: العودة إلى وطنه بنغلاديش.
"تقطعت بنا السبل"
جاء علي إلى لبنان على أمل أن يُعيل ابنه، وكان مضطرباً بالفعل حين تفجرت الأزمة الاقتصادية في البلاد. وفقد علي وظيفته، ومنزله، ولم يكن قادراً على إطعام نفسه.
ولم يجد عائلاً له إلا إحسان المحسنين، حتى انتهى به المطاف ينام على الأرض في منزل عاملٍ من بنغلاديش استقبله هو وآخرين من مواطنيه. غير أن شيئاً لم يُجهّزه لانفجار ميناء بيروت.
إذ يقول علي: "ما زلت أستيقظ وأنا أفكر في أن حياتي ستنتهي. نحن نجلس هنا جامدين من الصدمة. ويعمل الكثير من العمال البنغلادشيين في الميناء، ولو أن الانفجار وقع قبل ساعةٍ لكان أصدقائي قد ماتوا فيه. كل هذا التوتر يزيد من رغبتي في الرحيل". وكان علي محظوظاً ولم يُصب إصابات بالغة.
بينما يقول مسؤولو الصحة المحليون إنّ 200 شخصٍ على الأقل قد ماتوا بسبب تفجير 2750 طناً من نترات الأمونيوم التي انفجرت في ميناء بيروت.
وقد توفي على الأقل أربعة مواطنين من بنغلاديش، وأصيب 21، كما أكدت بنغلاديش. وكذلك خسرت دولٌ مثل الفلبين وباكستان مواطنين لها في الانفجار.
غير قادرين على العودة لديارهم
لكن بينما تحاول بيروت إعادة بناء نفسها، يتلهف عاملون مثل علي للعودة إلى أوطانهم بعد أن فقدوا وظائفهم وآمالهم في كسب العيش داخل لبنان. ويُشاركه نفس القلق مواطنه شاهد، الذي تخلى عنه رب عمله كذلك بسبب الأزمة الاقتصادية.
ومثل علي، يرغب شاهد في ترك لبنان لكنه غير قادر على فعل ذلك لأنه لا يملك ثمن تذكرة الطيران للوطن.
ويقول شاهد، الذي رفض إعطاء اسمه كاملاً خوفاً على سلامته: "أشعر أنني في فيلم. لم أتخيل في حياتي أبداً أن أمر بتجربةٍ كتلك. طردني مديري ولم يُعطني راتب ستة أشهر. وقد حاول أن يدفع لي بالليرة اللبنانية بدلاً من الدولار. لكن حتى لو أنني قبضت ذلك الأجر، فما كان ليكفيني لأحجز تذكرة سفر إلى بنغلاديش".
تشريد العمال المهاجرين
وبينما يُقر مسؤولو الأمن اللبناني بأن العديد من العمال الأجانب في بيروت مفقودون، ولا يُمكن الاستدلال عليهم؛ تُقدّر عاملة إغاثة أنّ الانفجار قد أزال الآلاف من مساكن المهاجرين.
إذ قالت تسيغرادا بيرهانو من منظمة Egna Legna المحلية، وهي منظمةٌ غير ربحية تأسست لدعم العمال الأجانب: "الآلاف مشردون ويعيشون في مساكن مكتظة للغاية".
وقد طُرد العديد من عمال المنازل الوافدين من قبل أصحاب الأعمال بعد الانفجار، وقالت عاملة الإغاثة إنّ ما يصل إلى 15 إلى 20 عاملاً منزلياً يجدون أنفسهم الآن في غرفةٍ واحدة.
ويُذكر أنّ لبنان يعمل به نحو 250 ألف عامل منزلي مهاجر، وهم يُمنحون الحق في العمل داخل البلاد عبر نظام الكفالة، وهو نظامٌ شائع في الشرق الأوسط. وفيما يضمن القانون اللبناني للعاملين حقوقاً معينة، فإنّه بموجب نظام الكفالة يخسر المهاجر قانونية إقامته فور إنهاء الكفيل لتعاقده -حتى في حالات الإساءة.
وأثنت تسيغرادا على الكيفية التي تعاملت بها المستشفيات في الساعات التي تلت الانفجار مع الجميع بنفس الاهتمام بغض النظر عن جنسياتهم، وبالمجان. غير أنّ عاملة الإغاثة قالت إنّ الكثير من المهاجرين لا يستطيعون استكمال العلاج اللازم؛ لعدم استطاعتهم تحمل نفقاته.
وأردفت: "حين ننفذ أعمالاً خارج المستشفى نقابل عمالاً جرى إنقاذهم في وقتٍ مبكر، لكنهم لا يزالون بحاجةٍ للعلاج وزيارة طبيب. تلك المتابعة تستلزم مالاً. والتكاليف أكبر بكثير من قدرة الكثيرين بسبب الأزمة الاقتصادية. ولا تتلقى الكثير من النساء العلاج لأنهن لا يملكن المال نتيجة الأزمة".
"تركنا للجوع والتشتت"
والآن يحاول علي جمع ما أمكنه من مال ليعود إلى الوطن. ومن جهتها قالت سفارة بنغلاديش إنها ستساعد مواطنيها في العودة إلى الوطن، وكانت القوات الجوية البنغلاديشية قد أعادت 75 عاملاً على الأقل في وقتٍ سابق من يوم الأربعاء، 12 أغسطس/آب.
ويقول علي إنّ آخرين كُثراً يستميتون للعودة، لكنه لم يتلق أي عرضٍ للمساعدة من السفارة. وينوح علي قائلاً: "لم نحصل على أي مساعدة أيضاً حين فقد الكثيرون منا وظائفهم منذ عدة أشهرٍ. تُرِك الكثيرون منا للجوع والعصف النفسي نتيجة كل ما جرى. الوضع في لبنان سيئ. ولا أرى أي بارقة أمل تلوح في الأفق".