في الوقت الذي بدأ فيه "قانون قيصر" يلقي بظلاله السلبية على النظام السوري ويزيد من عزلته المالية والاقتصادية والسياسية، يبدو أن إيران وجدته فرصة لصالحها كي تزيد من سيطرتها على الاقتصاد السوري، وربما يأتي ذلك على حساب الروس في بعض المجالات.
فى ديسمبر/كانون الأول 2019، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقّع على قانون لزيادة العقوبات المفروضة على الرئيس السوري بشار الأسد، وحلفائه. وفى شهر يونيو/حزيران 2020، دخل القانون حيز التنفيذ، بهدف فرض عقوبات على نظام بشار الأسد وحلفائه.
وأطلق على القانون اسم "قيصر"، وهو لقب مصور عسكري سوري سابق، كان قد هرب من سوريا بصحبته عشرات الآلاف من الصور لجثث الآلاف من السجناء المدنيين في السجون السورية.
رد فعل ايران
على الفور، بعد فرض قانون قيصر من قِبل الولايات المتحدة، قام حسن دانائي فر، رئيس المقر الرئيسي لتنمية العلاقات الاقتصادية مع العراق وسوريا، بزيارة العاصمة السورية دمشق، لنقل الخطة الإيرانية لمواجهة العقوبات الجديدة على سوريا للحكومة.
فى نفس الوقت، كانت طهران قد أرسلت عدداً من السفن المحملة بالبضائع والأغذية إلى سوريا، لمساعدتها في تلك الأزمة.
وقال مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني، لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته: "لن ندع الولايات المتحدة تنجح في مواصلة حملة الضغط الأقصى على إيران في سوريا، ولن تسمح القيادة الإيرانية بسقوط حكومة بشار الأسد، لذلك أرسلنا إلى حكومة روحاني لحثه على زيادة المساعدات الاقتصادية لدمشق".
وكان إسحاق جهانجيري، النائب الأول للرئيس الإيراني حسن روحاني، قام بالاتصال برئيس الوزراء السوري المعين حديثاً حسين عرنوس، لطمأنة الحليف السوري، والتاكيد على أن الجمهورية الإسلامية لن تدخر جهداً لتخفيف الضغط على الشعب السوري.
الولايات المتحدة تزيد من النفوذ الإيراني في سوريا
ينص قانون قيصر على أن الولايات المتحدة، من خلال الوسائل الدبلوماسية، والضغوط الاقتصادية، ستجبر حكومة الرئيس السوري بشار الأسد على التوقف عن ارتكاب الجرائم بحق الشعب السوري، ونقل السلطة إلى حكومة على أساس احترام القانون وحقوق الإنسان والتعايش السلمي مع جيرانها.
كما يحظر قانون قيصر على جميع الحكومات والمجموعات والأفراد والشركات تقديم المساعدة المالية والعسكرية للحكومة السورية الحالية بشكل مباشر أو غير مباشر، في أربعة مجالات هي النفط، والغاز الطبيعي، والطائرات العسكرية، والبناء.
لكن بعض الخبراء يرون أن هذه العقوبات قد تزيد من نطاق نفوذ طهران على دمشق، وسوف تسعى إيران بشتى الطرق لاستغلال الانهيار الاقتصادي السوري، لتأمين المزيد من الموارد والسيطرة.
يقول الخبير الاقتصادي الإيراني محسن شريعتي لـ"عربي بوست"، إن العقوبات الأمريكية السابقة والحالية على النظام السوري ستزيد من التعاون الاقتصادي بين طهران ودمشق، "كلا البلدين يعاني من العقوبات الأمريكية".
زادت الصادرات النفطية الإيرانية إلى سوريا فى الآونة الأخيرة، مقابل تصدير الأخيرة سلعاً بقيمة 13 مليون دولار، بحسب السيد شريعتي.
وذكر مسؤول فى وزارة النفط الإيرانية، لـ"عربى بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، أنه بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، عزمت الحكومة الإيرانية على تصدير المزيد من النفط إلى دمشق، "نعمل على هذه الخطة بالتعاون مع الجانب السوري، ستكون الصادرات النفطية الإيرانية إلى دمشق في ازدياد في الأيام المقبلة".
حضور إيراني قوي في مجالات استخراج الفوسفات
منذ بداية الحرب في سوريا، تتصارع كل من طهران وموسكو للسيطرة على الموارد السورية، فطالما كانت المنافسة كبيرة بينهما على إدارة الموانئ السورية، واستخراج الفوسفات.
وعلى ما يبدو فإن إيران قد وجدت العقوبات الاقتصادية الأمريكية الجديدة، المفروضة على حكومة بشار الأسد، فرصة ذهبية، لإخراج روسيا من المشهد الاقتصادي.
فى حديثه لـ"عربي بوست"، يصف مسؤول بارز في الحكومة الإيرانية تلك المنافسة بأنها فرصة لن تتكرر بالنسبة لإيران، فيقول: "لمسنا تردد موسكو في الكثير من الأمور، بعد قانون قيصر، وناقشنا مع الحكومة السورية قدرتنا على الاستثمار في الموانئ، واستخراج الفوسفات بقوة في المستقبل القريب، وأعتقد أننا وصلنا إلى صفقة جيدة".
لكن، وبحسب المسؤول الحكومي الإيراني، فإن المنافسة مازالت مستمرة مع الجانب الروسي بشأن استخراج الفوسفات على وجه التحديد، إلا أنه يأمل في أن تثمر المفاوضات مع الحكومة السورية حلاً يفيد جميع الأطراف.
مجال الاتصالات
بحسب المصادر الحكومية الإيرانية التي تحدث لـ"عربي بوست"، فإن إيران على وشك السيطرة الكاملة على سوق الاتصالات المحمولة في سوريا.
يقول مصدر حكومي لـ"عربي بوست"، إن "المسؤولين في شركة ايرانسل للاتصالات يجرون الآن العديد من الاجتماعات مع المسؤولين السوريين، لبحث سبل تطوير شبكة الاتصالات السورية، وزيادة الاستثمارات الإيرانية".
وأضاف المصدر قائلاً: "كما أن هناك مفاوضات لإعادة إحياء الاتفاقيات مع شركة MCI الإيرانية".
الشركة التي ذكرها المصدر هي شركة اتصالات إيرانية، على صلة قوية بالحرس الثوري الإيراني.
استثمارات هائلة في مجال البناء
منذ عام 2015، وتعمل العديد من شركات البناء الإيرانية في سوريا، من أجل إعادة الإعمار، أو الاستثمار في الوحدات السكنية الجديدة، التي تم الاتفاق عليها بين البلدين.
لكن في الأسابيع القليلة الماضية، تناولت بعض التقارير الإعلامية الإيرانية أخباراً عن استعداد إيران لبناء الآلاف من الوحدات السكنية في سوريا.
وفقاً لبعض المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست"، نجحت إحدى شركات البناء والتعمير، المملوكة بشكل غير مباشر لأحد قادة الحرس الثوري في التوصل إلى اتفاقية مع الحكومة السورية لبناء 50 ألف وحدة سكنية.
ويقول مصدر صحفي داخل طهران لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، إن نفس الشركة كانت قد اشترت المئات من العقارات في دمشق القديمة، "لن تدفع طهران المزيد من الأموال فى سوريا، إلا مقابل تقديم الحكومة السورية المزيد من التنازلات في الموارد والمنشآت".
فى أحدث الصفقات الكبرى بين طهران ودمشق، والتي جرت في العام الحالي، منحت الحكومة السورية الحق لإيران لاستكشاف النفط على الحدود السورية العراقية.
الدفاع الجوي
بعد فرض إدارة ترامب على الفور للعقوبات الاقتصادية الجديدة على حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، سافر رئيس أركان الجيش الإيراني، اللواء محمد باقري إلى سوريا، معلناً أن اجتماعه مع وزير الدفاع الجوي السوري عبدالله أيوب أثمر تعزيز إيران للدفاعات الجوية السورية.
وفقاً للاتفاقية بين باقري وأيوب، فإن إيران ستمد سوريا بنظام خرداد 3، بجانب أنظمة دفاع جوي أخرى.
يرى الخبير الأمني الإيراني مجيد رضائي أن هذه الاتفاقية رسالة واضحة للولايات المتحدة وإسرائيل، بأن إيران مصممة على مواصلة نفوذها وتواجدها في سوريا، ولا نية للانسحاب في أي وقت.
يقول السيد رضائي، لـ"عربي بوست": "اتفاقية الدفاع الجوي بين البلدين بها العديد من الجوانب، لم يتم الكشف عنها إلى الآن، لكنها تهدف إلى مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، خاصة بعد زيادة الهجمات الإسرائيلية على المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا، في الفترة الأخيرة".
يرى السيد رضائي أنه كان هناك اعتقاد خاطئ من قِبل أعداء إيران بأن مقتل سليماني سيعطل الخطة الإيرانية في سوريا، ومن الممكن أن يؤدي إلى ارتباكها والانسحاب، "التواجد الإيراني في سوريا، وتقوية محور المقاومة، أمن قومي بالنسبة للجمهورية الإسلامية".
لن نتخلى عن دمشق والأسد مهما كان الثمن
يبدو أن الولايات المتحدة وإسرائيل في الآونة الأخيرة تعملان من أجل إنهاء التواجد الإيراني في سوريا بشتى الطرق، فلجأت واشنطن إلى استخدام سيف العقوبات الاقتصادية على بشار الأسد، في نفس الوقت الذي تعاني فيه إيران من عقوبات قاسية، وتفشي فيروس كورونا في البلاد.
ومن جانبها، تكثف إسرائيل من هجماتها الصاروخية والغارات التي تستهدف المواقع العسكرية المرتبطة بإيران وحزب الله في سوريا.
وفى حديثه لـ"عربي بوست"، يقول مصدر مقرب من الحرس الثوري: "من الغباء أن يعتقد الأمريكان والإسرائيليين أن إيران ستتخلى بسهولة عن سوريا، بذلنا الغالي والنفيس، وسالت دماء المقاتلين على الأراضي السورية لسنوات، لن نخرج من سوريا مهما كلفنا الأمر".