عاشت سما الديواني، البالغة من العمر 24 عاماً، وزميلها الذي تعرفت عليه في الكلية، على أمل تحقيق أحلامهما الكبيرة بالارتباط. كان حبيبها يعمل على افتتاح مخبز في العراق. بينما كانت تتأهب للسفر إلى إنجلترا، حيث كانت ستقضي عاماً في إطار دراستها لنيل درجة الماجستير في الصيدلة. وبعد ذلك، كانا يخططان للم الشمل والزواج وتكوين أسرة لهما، كما تقول لشبكة Voice of America الأمريكية.
غير أن هذه الأحلام الوردية لاقت نهاية مأساوية في ظل تفشي فيروس كورونا، الذي تسبب في إغلاق البلاد أنشطتها، مما تسبب في انهيار الاقتصاد، ثم حالة فوضى عالمية. صار انضمامها إلى الجامعة قيد الانتظار، بينما تأخر مشروع المخبز عن المواعيد المحددة له، وانخفض دخل عائلتها بـ 40%، وينتابها القلق من فقدان وظيفتها لدى إحدى الصيدليات المحلية.
يأس عميق
تأتي حكاية سما ورفيقها آثير عاصم، 26 عاماً، بين حكايات ملايين الشباب في الشرق الأوسط، الذين تسببت الجائحة في تعطيل مساعيهم للحصول على وظائف وخططهم لاستكمال تعليمهم العالي ومشاريع زواجهم، مما دفع بهم إلى نوع من الريبة واليأس العميقين، وهي حالة كانوا يأملون أن يتركوها وراءهم.
ينتشر هذا الاضطراب على مستوى العالم في أعقاب الجائحة، لكن اليأس يبدو واضحاً على نحو خاص في الشرق الأوسط، حيث تسببت موجة وراء موجة من الحرب والتهجير والمرض في شعور هذا الجيل بالمرارة واليأس. وبينما يعتقد كثيرون في الغرب ممن فقدوا وظائفهم، أنهم سيجدون وظيفة في نهاية المطاف، أو طريقة للتعافي من الركود، كانت الجائحة في بعض الدول العربية بمثابة الضربة القاضية في وجه الاقتصادات التي صارت الآن على أعتاب الانهيار التام.
فضلاً عن أن الضغوط المفروضة تعد أقسى في العالم العربي من نظيرتها في دول الغرب؛ نظراً إلى أن حياة الشباب مرسومة بشكل أكثر تحديداً من نظرائهم في الغرب. إذ إن التوقعات الثقافية تضع مزيداً من الضغط على الذكور لكسب المال الكافي كي يتمكنوا من ترك منازل آبائهم، والزواج، وتوفير متطلبات العيش لأسرهم الجديدة.
الخيارات الصعبة
قال طارق عبدالحق، أخصائي بارز في مجال التوظيف والعمالة مع إحدى وكالات التوظيف التابعة للأمم المتحدة: "رؤية انهيار الاقتصادات بهذه الطريقة ورؤية تبدُّد الأمال أمام أعين كثير الشباب.. لا شك أنه سيكون ذا تأثير هائل على الصحة العقلية والرفاه".
لم يختلف الأمر كثيراً حتى قبل الجائحة. في عام 2019، كانت معدلات البطالة بين الشباب في المنطقة العربية حوالي 26.4% مقارنة بالمعدلات العالمية التي تصل إلى 13.6%، بحسب تقديرات منظمة العمل الدولية. ومع أنه من المبكر للغاية تحديد تقديرات ما بعد جائحة كوفيد-19، تشير البيانات الأولية إلى أن أكثر من 70% من الشباب في المنطقة ضمن العمالة غير الرسمية، وأن 40% من هؤلاء يعملون في القطاعات المتضررة بشدة بسبب الجائحة.
والآن، يتطلع ملايين الشباب إلى مغادرة بلادهم. غير أن قليلاً من البلاد في الغرب هي التي قد تستقبلهم، في ظل تنامي المشاعر المناهضة للهجرة ومعاناة الاقتصادات المحلية.
فقد وسام الشيخ، 30 عاماً، وظيفته مدير متجر ملابس في وسط بيروت، بعد أن قرر المالك إغلاق المتجر مع نهاية العام. وفرت تلك الوظيفة الدخل الضروري لعائلته المكونة من 6 أفراد، وهم أبواه وأشقاؤه الثلاثة، الذين لا يعمل إلا واحد منهم فحسب.
شاهد الشيخ وأصدقاؤه هذا الشهر، بعين تملؤها الحسرة على تباين الأوضاع، عندما حسم القادة الأوروبيون اتفاقاً غير مسبوق بـ 2.1 تريليون دولار لتمويل صندوق إنعاش من أجل اقتصادات بلادهم التي تضررت بسبب الجائحة.
قال أمجد رمضان، بائع بدوام جزئي: "هنا، يخبروننا بأن نذهب لنزرع حدائقنا حتى نستطيع أن نأكل". وكان يشير في حديثه إلى دعوات وجهها زعيم "حزب الله" حسن نصرالله إلى الآخرين وإلى الساسة باللجوء إلى الزراعة المنزلية لتكون طريقة لإعالة الأسر خلال الأزمة.
أزمات نفسية واجتماعية
فسخ الشيخ خطوبته مؤخراً، ويعزى جزء من هذا إلى الضغوط الاقتصادية، ويسخر الآن من فكرة الزواج أو الاستثمار في لبنان، حيث يقول إن انعدام الأمان هو "القاعدة". وأوضح قائلاً: "دمر [الساسة] مستقبل كل شاب هنا. أنتظر أول فرصة لأغادر من هنا".
عاشت سما، الدكتورة الصيدلية العراقية، مسارات حياتها مع الحرب وانعدام الاستقرار. إذ كانت في الصف الثاني عندما أُطيح بصدام حسين في 2003 عن طريق غزو القوات الأمريكية، غرق العراق منذ ذلك الحين في سنوات من إراقة الدماء بسبب الاحتلال والطائفية، وصارت تفجيرات السيارات روتيناً يومياً. قالت سما: "اعتدت البقاء مستيقظة في الليل، وكان الخوف ينتابني ولا سيما في ظل غياب الكهرباء". واتسمت سنواتها الأحدث بالخوف الذي بثه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي استولى على حوالي ثلث رقعة البلاد في 2014.
قابلت سما حبيبها عاصم في 2017 في جامعة بغداد، حيث كانت تدرس الصيدلة. وقعت سما وعاصم في حب بعضهما، وبدا العالم لبعض الوقت مكاناً أفضل.
وضعا خططاً معاً. بدأت سما بالعمل في صيدلية في بغداد، لكنها أرادت استكمال دراستها في الخارج وكان عاصم سعيداً بأنها سوف تحقق طموحها. وقُبلت في جامعة هدرسفيلد غرب يوركشير في إنجلترا، لتحصل على شهادة عليا بعد التخرج. كان أبواها داعمين لها وساعدا في توفير مبلغ لمصروفات سفرها، فأضافته إلى الأموال التي حصلت عليها من عملها. وقالت: "كان حلمي أن أستكمل دراستي وأتزوج الرجل الذي أحبه".
بدأت الفتاة في تحضير أوراقها والتقدم بطلب للحصول على التأشيرة. وكان آخر ما يتوجب عليها فعله أن تترجم شهادتها الجامعية من العربية إلى الإنجليزية لترسلها إلى الجامعة في إنجلترا. ثم جاء فيروس كورونا لتتبخر معه كل هذه الأحلام.
جمدت الجامعة قبولها، وتشعر سما بالقلق من أن تفقد مكانها وألا تشعر بالأمان بما يكفي للسفر مرة أخرى. أما عاصم، فيقدر خسائره بسبب تأخير تنفيذ مشروع المخبز بحوالي 10 آلاف دولار، بعد أن كان من المقرر أن يُفتتح في مايو/أيار.
وخلال عملها في صيدلية بمنطقة الكرادة في بغداد، تقابل سما كل يوم أشخاصاً يشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا. وتعود إلى منزلها خائفة وقلقة من أنها قد تحمل الفيروس وتنقله إلى عائلتها.
قالت سما: "دمرني كورونا ودمر مستقبلي وبدد أحلامي بطريقة غير متوقعة على الإطلاق. والآن، صار المستقبل مجهولاً. ولا أستطيع أن أفكر كيف سنعود من كل هذا".