فَقَدَ أشرف، وهو مصري يعمل في الكويت، كل دخله نتيجة جائحة فيروس كورونا. وقد خُفِّفَ حظر التجوال في البلاد قبل شهرين، لكن لم يُمثِّل هذا فرجاً يُذكَر لأشرف، كما يقول لصحيفة The Financial Times البريطانية.
ففي حين فُتِحَت المناطق الأخرى بالمشيخة الغنية بالنفط، عانى سائق التاكسي من إغلاق كامل في إحدى الضواحي القريبة من مطار العاصمة الكويت المشهورة بكثرة العمال الأجانب الذين يقطنونها، والتي لم تُفتَح إلا الأحد 26 يوليو/تموز. ومن المقرر أن تُستأنَف خدمات التاكسي، التي عُلِّقَت في مارس/آذار الماضي، اليوم الثلاثاء 28 يوليو/تموز. وتوقفت وسائل النقل العامة، التي يقتصر استخدامها على الأجانب تقريباً، لأشهر إلى الآن.
ويعتقد أشرف أنَّ محنته ساءت بسبب موقف الكويت تجاه العمال الأجانب. وقال: "نشعر أنَّ الإغلاق متعمَّد، لجعلنا بدون عمل ودفعنا للمغادرة. مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالتعليقات المعادية للوافدين. ونعرف أنَّهم يريدون منا أن نغادر".
ماذا بعد؟
سلَّط فيروس كورونا الضوء على المعاملة التي يتلقّاها ملايين العمال الأجانب في أرجاء الخليج الغني بالنفط. ففَقَد الكثيرون وظائفهم بعد إغلاق الأعمال التجارية، وغادر الآلاف. وهناك الآن تساؤلات بشأن عدد الذين سيعودون، وما إن كانت حكومات الخليج ستستخدم الأزمة لتحسين ظروف العمال أم لا.
تتصاعد مشاعر الاستياء من الأجانب في الكويت، حيث يُشكِّل الوافدون المصريون ما يصل إلى 70% من السكان. ويُعَد العداء للمصريين، الذين ينافس الكثيرون منهم الكويتيين على الوظائف الحكومية، خطيراً على نحوٍ خاص.
ووصل العداء، الذي يؤججه التنافس على الوظائف المرغوبة في القطاع العام والضغط المتزايد على الخدمات العامة، إلى درجة الغليان خلال فترة الإغلاق، ووافق البرلمان على العديد من مشروعات القوانين التي تهدف لتقليص عدد العمالة الأجنبية.
وهناك اتهامات بأنَّ الأجانب يسيطرون على سوق العمل، ويجري إلقاء اللائمة على العمال الوافدين في الكثير من العلل الاجتماعية، مثل الجريمة وانتشار المرض. ورداً على ذلك، حثَّت مجموعات مثل الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان المجتمع المدني على التصدي لخطاب الكراهية خلال الجائحة.
ملايين ينتظرون مصيرهم
ملايين العمال الأجانب مغادرة دول الخليج فيما يخرجون من فترة الإغلاق التي دمَّرت الاقتصادات المحلية. وكانت الموجة الأولى من المغادرين تتشكَّل بالأساس من القوة العاملة منخفضة الدخل والعمالة غير المنتظمة التي لا تملك وثائق صحيحة.
وفي السعودية، كان نزوح العمالة الأجنبية سابقاً على فيروس كورونا. إذ أدَّى تراجع أسعار النفط والضرائب المفروضة على الأجانب بهدف تشجيع التوظيف المحلي إلى مغادرة نحو مليوني وافد قبل الجائحة، ويُتوقَّع أن يغادر مليون آخر هذه السنة.
قال أحمد الراجحي، وزير العمل في المملكة: "لاحظنا، حتى قبل أزمة الجائحة، أنَّ كثيراً من السعوديين استفادوا من فرص الوظائف التي لم يكن المواطنون يعملون بها تقليدياً، وهو ما نعتقد أنَّه تقدم صحي". وبحسب البنك الدولي، من المتوقع أن تنخفض التحويلات من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 20% هذا العام.
وتُقدِّر منظمة العمل الدولية أنَّ ما يصل إلى 200 ألف إثيوبي، الكثيرون منهم من العمالة المنزلية في السعودية والإمارات، سيعودون إلى بلدهم هذا العام. وتقدَّم نحو 500 ألف هندي بطلبات لمغادرة الإمارات في رحلات الإجلاء. ويرحل ذوو الياقات البيضاء أيضاً عن المنطقة وسط مخاوف بشأن حدوث ركود طويل.
قالت كارين يونغ، الباحثة الزائرة بمعهد المشروع الأمريكي، إنَّ الخسائر الاقتصادية لفيروس كورونا المستجد تعني أنَّ المشروعات الجديدة ستُعلَّق أو تُلغى، مع حدوث تأخيرات حتمية في المدفوعات. وأضافت: "نشهد تخفيضاً شاملاً في الرواتب وعدد الموظفين، وهذه ضربة قوية بالنسبة لاقتصادات الخليج المعتمدة على العمالة الوافدة كمستهلكين محليين".
سكنات العمال الأجانب
وأجَّجت المجمعات السكنية المكتظة للقوة العاملة انتشار فيروس كورونا. فأمرت البحرين أرباب العمل بتوفير مساحة كافية في معسكرات العمال للسماح بتباعد اجتماعي يبلغ مترين.
وقال مدير تنفيذي في شركة صناعية بأبوظبي إنَّ زملاءه استأجروا معسكرات جديدة لتقليص الكثافة السكنية بعدما تباطأت العمليات بسبب مرض الموظفين. لكنَّ الشركات تعترف بأنَّ التباعد الاجتماعي مستحيل عملياً.
فقال مدير بأحد متاجر التجزئية في دبي: "أظهرت الأزمة أنَّ سوق العمل ليس ملائماً لهذا الهدف. كيف يمكن أن تنعزل ذاتياً في غرفة تتشاركها مع ثمانية آخرين؟".
وقال ريزارد تشوليفينسكي، المتخصص بالهجرة في المكتب الإقليمي لمنظمة العمل الدولية: "أظهرت مسألة السكن برمتها في هذه الأزمة الصحية أنَّ كل عدوى هي مبعث قلق لكافة السكان، فالمرض ينتشر بسرعة".
في الإمارات، أدَّت عمليات التفشي المبكرة في مناطق يغلب عليها العمال منخفضو الدخل إلى عمليات إغلاق صارمة، لكنَّ العدوى انتشرت بصورة واسعة أيضاً في المجتمع –بما في ذلك بين مواطني الدولة- بسبب تجمُّع العائلات في رمضان.
وتأمل منظمة العمل الدولية أن تدفع الجائحة بإصلاحات لطالما كانت هناك حاجة إليها في طريقة التعامل مع العمال، بما في ذلك نظام الكفالة الشائع في الخليج والذي يربط وضعية العمال المهاجرين برب عملهم.
أسست دول مثل البحرين والإمارات خلال الأزمة الصحية أسواق عمل لمساعدة العاملين على العثور على وظائف. لكنَّ الصدمة الاقتصادية التي سبَّبتها حالات الإغلاق تركت الكثيرين يعانون من أجل البقاء على قيد الحياة. ويتزايد خطر تعرُّض المَعوزين للاعتقال في شوارع دبي بسبب التسول أكثر فأكثر.