عادت الحكومة الأردنية لسياسة التصعيد ضد نقابة المعلمين بوقفها عن العمل وإغلاق مقراتها لعامين، بالتزامن مع اعتقال أعضاء مجلسها ومعلمين آخرين وصل عددهم إلى نحو 22 معتقلاً حتى وقت كتابة هذا التقرير. وجاء هذا التصعيد بعد قرار النائب العام حسن العبداللات، السبت 25 يوليو/تموز 2020، بكفّ يد أعضاء مجلس النقابة وأعضاء الهيئة المركزية وهيئات الفروع وإداراتها، تزامناً مع اقتحام القوى الأمنية الأردنية لمقرات النقابة بجميع محافظات المملكة، وإغلاقها بالشمع الأحمر.
ماذا حدث؟
الفصل الجديد من التصعيد جاء بعد أشهر من الأخذ والرد بين النقابة وحكومة عمر الرزاز، إذ قررت الحكومة في أبريل/نيسان الماضي وعلى وقع الأزمة الاقتصادية التي تسببت بها جائحة كورونا، بوقف العمل بالاتفاقية التي وقعتها مع النقابة في أكتوبر/تشرين الأول 2019، والتي تضمنت بنوداً عدة من بينها إقرار علاوة مالية على رواتب المعلمين، بعد أن نفذ عشرات آلاف المعلمين إضراباً عن العمل كان هو الأطول في تاريخ البلاد، في حين يرى المعلمون أن ما يحصل الآن تصرف "انتقامي" من النقابة التي نجحت في انتزاع مطالبها من الحكومة.
وكان النائب العام قد أصدر أيضاً قراراً "بإحضار المشتكى عليهم، أعضاء مجلس النقابة، لعرضهم على المدعي العام المختص لاستجوابهم عن الجرائم المسندة إليهم".
مشيراًَ إلى أن "النيابة العامة ستنظر في عدد من القضايا الجزائية التحقيقية بحق مجلس نقابة المعلمين، ويتعلق الأمر بالقضية التحقيقية المتعلقة بالتجاوزات المالية المنظورة لدى مدعي عام هيئة النزاهة ومكافحة الفساد".
إضافة إلى القضية التحقيقية المنظورة لدى مدعي عام عمان، المتعلقة بالقرارات الصادرة عن مجلس النقابة، والتي تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واشتملت على "إجراءات تحريضية". إلى جانب التحقيق بالفيديوهات الصادرة عن نائب النقيب د.ناصر النواصرة، والتي تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والمنظورة لدى مدعي عام عمان.
في الوقت ذاته، صرّح وزير التربية والتعليم تيسير النعيمي بأن وزارته بصدد تشكيل لجنة مؤقتة لتسيير أعمال النقابة إداريّاً وماليّاً، عقب مخاطبة من النيابة العامة. مضيفاً أن "نقابة المعلّمين الموقوفة أعمالها استمرّت بالمناكفة وتعطيل المصالح العامّة وفي مقدّمتها حق الطلبة في التعليم".
خلفية الصدام الأخير
الأسبوع الماضي، وتحديداً يوم الأربعاء 22 يوليو/تموز، كان المعلمون قد نظموا مسيرة طالبوا فيها الحكومة بالالتزام بالاتفاقية الموقّعة بين الطرفين، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بعد أن أعلنت الحكومة "وقف" العمل بالزيادة المالية المقرَّرة لموظفي الجهازين الحكومي والعسكري لعام 2020، بما يشمل المعلمين، اعتباراً من 1 مايو/أيار الماضي، وحتى نهاية 2020، لمواجهة تداعيات أزمة كورونا.
لكن مجلس نقابة المعلمين، اجتمع الشهر الماضي، وأعلن تمسكه بالعلاوة وبنود الاتفاقية الـ15 كاملة، والتي اعتبرت لاغية من جانب الحكومة، فيما خرج نائب النقيب النواصرة مؤكداً على ذلك خلال مؤتمر صحفي، معتبراً أن "النقابة لن تتراجع عن العلاوة ولو اردت عليها الكرة الأرضية"، في حين اعتبرت الحكومة على لسان وزير داخليتها والناطق باسمها، أن هذه التصريحات هي تحد لها، متهمة النقابة بمحاولة "الاستقواء على الدولة" والتصعيد نحو الإضرابات مجدداً، لترد النقابة برفضها لهذه التصريحات واعتبارها "اتهاماً واضحاً لنائب نقيب المعلمين الأردنيين بتعديه على القانون، وشيطنة واضحة للمعلمين عامة، وإساءة لحراكهم المهني المطلبي العمالي".
لماذا تصعد الحكومة ضد نقابة المعلمين؟
يرى المعلمون أن التصعيد الحكومي الأخير ضدهم "تعسفي وانتقامي وغير قانوني" بعد أن نجح المعلمون في انتزاع مطالبهم في أكتوبر الماضي كاملة بعد أطول إضراب في تاريخ البلاد، رغم الرفض الحكومي الكبير ومحاولات ضرب النقابة واعتقال عدد من منتسبيها في تلك الفترة والتهديد بحلها، وتشير حركات الحكومة الأخيرة، بأنها لا تريد أن تكرر تنازلاتها للنقابة مرة أخرى الآن، وتظهر بموقف الضعيف أمام النقابة الأكبر في البلاد، التي ينتسب لها قرابة 150 ألف معلم ومعلمة، خصيصاً بعد أن رفض مجلس النقابة رفضاً قاطعاً التنازل عن الاتفاقية الموقعة مع الحكومة، فيما اعتبرت الأخيرة ذلك تحدياً مباشراً لها.
وقد ترى الحكومة في احتمالية رضوخها لنقابة المعلمين مرة أخرى، أمراً لا يصب في صالحها وسيشجع نقابات واتحادات عمالية أخرى على المطالبة بحقوقهم وعلاواتهم، وهو أمر لا تريده الحكومة أيضاً "حفاظاً على هيبتها"، ومما قد يشجعها على هذه التحركات ضد النقابة، "قانون الدفاع" الذي كانت قد أقرته الحكومة لمواجهة جائحة فيروس كورونا، والذي يعطي الحكومة "صلاحيات واسعة للتصرف وفق ما تراه ضرورياً ويحقق مصلحة البلاد".
ويأتي هذا التصعيد الحكومي ضد نقابة المعلمين، بالتزامن مع اتهامات لأبوظبي بتحريض عمّان على حل جماعة الإخوان المسلمين، وضرب نقابة المعلمين الأردنيين التي ينتمي لمجلسها إسلاميون محسوبون على الجماعة، بالتزامن مع شن وسائل إعلام إماراتية حملة ضد نقابة المعلمين الأردنيين. وحول ذلك يقول زكي بني إرشيد نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، لـ"عربي بوست" إن "الاستهداف الرسمي الأردني للإخوان له علاقة واضحة بزيارة العاهل الأردني الأخيرة لأبوظبي، ولا يستطيع أي محلل سياسي أن يتجاهل الربط بين الزيارة وما تعرضت له نقابة المعلمين أيضاً".
وحول شرعية حل الحكومة لمجلس النقابة، يؤكد حقوقيون وقانونيون أن هذه التصرفات ليست قانونية على الإطلاق، إذ تقول المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان هالة عاهد، إن "النائب العام الأردني لا يملك حق وقف نقابة المعلمين عن العمل وحلها؛ وأن هذه اجراءات تعسفية ومخالفة للقانون"، مضيفة في سلسلة تغريدات على تويتر، أن "مجلس النقابة لا يحل إلا بقرار قضائي؛ وقرار النائب العام خلال التحقيقات سابق لأوانه وتعد على سلطة المحكمة، خاصة أنه لم يكتف بكف يد أعضاء المجلس، وإنما وقف النقابة ولمدة سنتين؛ فهل ستمتد التحقيقات لسنتين؟".
وتقول عاهد في تغريدة أخرى، تعقيباً على قرار وزارة التربية والتعليم تشكيل لجنة منها لتسيير أعمال النقابة بعد اعتقال أعضاء مجلسها المنتخبين، إن "هذا الإجراء مخالف للقانون أيضاً؛ فحسب قانون نقابة المعلمين إذا حل المجلس بقرار قضائي قطعي يشكل الوزير لجنة من الهيئة العامة للنقابة لإدارتها حتى تجرى انتخابات جديدة خلال 6 أشهر من تاريخ الحل"، مضيفة: "ما جرى اليوم ليس إلا تذكيراً بحقبة الاحكام العرفية وإيذاناً بعودتها بشكل صريح!".
أزمة ممتدة منذ 65 عاماً
ولفترة الأحكام العرفية تاريخ طويل مع نقابة المعلمين الأردنيين، فقد تأسست أول نقابة للمعلمين الأردنيين في مطلع خمسينيات القرن الماضي، إلا أنها ما لبث أن اجتاحها قرار الحل في عام 1956، شأنها شأن بقية النقابات المهنية، في الوقت الذي جرى فيه حل الأحزاب السياسية وحظر أنشطتها بموجب الأحكام العرفية.
لكن لم يدم قرار حل النقابات طويلاً، إذ سرعان ما تم التراجع عن قرار حل النقابات، بل وتأسست نقابات أخرى جديدة، باستثناء نقابة المعلمين الأكبر بين النقابات، مما ترك المعلمين دون إطار ينظم شؤونهم ويرتقي بمهنتهم ويدافع عن قضاياهم.
وظل المعلمون يطالبون بنقابتهم، واجتهدوا مراراً في محاولات متعددة لاستعادة حقهم في نقابة أسوة بباقي النقابات، إلا أن طلبهم كان وفي كل مرة يواجه بالرفض "المغلف بهاجس أن نقابة المعلمين خط أحمر، وأن دونها خراب الدولة"، كما يقول الموقع الرسمي لنقابة المعلمين الأردنيين حول سيرتها. فيما تلا ذلك زمن طويل من صمت المعلمين طوعاً حيناً وقسراً دائماً. وبالتدريج بدأت مكانتهم تتعرض لتبدلات جوهرية، وخلال فترة الأحكام العرفية كان الكلام عن نقابة للمعلمين أكثر الأحاديث إثارة للتوتر والخوف.
وفي أوائل التسعينيات، انطلق حراك جديد للمطالبة بالنقابة ذو طابع حزبي، مستفيداً من نسائم الديمقراطية التي أقرها الأردن بإنهاء الأحكام العرفية مطلع التسعينيات، لكن هذه المرة استخدمت الحكومة سلاح الدستور لإحباط المحاولة، فقد أفتى المجلس الأعلى لتفسير الدستور بواقع خمسة مقابل أربعة أعضاء بأن "المعلم موظف رسمي، ولا يحق لمن في السلطة التنفيذية تشكيل أي إطار نقابي، حسب المادة 120 من الدستور". وهنا أدرك المعلمون أن النظام جاد في منع المعلمين من الوصول إلى نقابة لهم وتحت أية ذريعة. رغم حاجة المعلمين أكثر من غيرهم لنقابة تنظم أمورهم وتدافع عن حقوقهم، إذ تعتبر شريحة المعلمين من أكبر الشرائح العاملة في المجتمع الأردني.
وظل الحال كذلك مع المعلمين حتى عام 2010، وهو العام الذي عاد فيه حراك المعلمين بقوة، اشتمل على اعتصامات وإضرابات عن العمل، انتهى بحصول المعلمين في عام 2011 على نقابتهم، بعد أن اجتمع المجلس الأعلى لتفسير الدستور في مارس/آذار 2011، وأجاز إصدار قانون لإقامة نقابة المعلمين، مستنداً إلى المادة 16 من الدستور. ليصدر بعدها في عدة أشهر وتحديداً في تاريخ 15/9/2011 قانون نقابة المعلمين الأردنيين ونشر في الجريدة الرسمية بعد صدور الإرادة الملكية بالموافقة عليه، قبل أن يقره كل من الحكومة ومجلس النواب.