بعد ساعات من الصمت والترقب، أعلنت جل الأحزاب تباعاً موقفها من تكليف رئيس الجمهورية قيس سعيد لهشام المشيشي لتشكيل حكومة جديدة خلفاً لإلياس الفخفاخ.
ورغم أن المشيشي لم يكن ضمن قائمة الترشيحات التي أرسلتها الأحزاب إلى رئيس الجمهورية، لكن يبدو أن ترحيبها بهذا التكليف يأتي خشية من حل البرلمان نفسه إذا لم يمنح الثقة للحكومة الجديدة.
وتفاعلت هذه الأحزاب إيجابياً مع تكليف المشيشي، إذ هنأته حركة النهضة بالتكليف، وأشاد قياديو الحركة بكفاءة الرجل. كما أعلن حزب قلب تونس أنه لا يوجد أي تحفظ على تكليف المشيشي بتشكيل الحكومة.
وباركت حركة الشعب والتيار الديمقراطي من خلال بيانات رسمية وتصريحات لمسؤوليها اختيار وزير الداخلية في حكومة الفخفاخ لتشكيل الحكومة الجديدة، فيما اشترط الحزب الدستوري الحر إقصاء حركة النهضة للمشاركة في حكومة المشيشي.
حل البرلمان!
وأوضح المحلل السياسي زياد الهاني لـ "عربي بوست" أن كل الأحزاب والكتل البرلمانية ستكون أمام خيار واحد، وهو منح الثقة لحكومة المشيشي، لأن غير ذلك يعني حل البرلمان.
وأضاف أنه حتى حركة النهضة التي أظهر قياديوها معارضة ورفضاً لاختيار الرئيس هشام المشيشي كرئيس للحكومة في الاجتماعات الداخلية للحزب، خيرت المهادنة والتهدئة مع رئيس الجمهورية خشية من حل البرلمان ومن بقائها في صفوف المعارضة ضمن الحكومة الجديدة.
وتابع الهاني التأكيد على أن عدداً كبيراً من النواب الذين استفادوا من "نظام أكبر البقايا" (أو نظام التمثيل النسبي للقوائم) في القانون الانتخابي للوصول إلى البرلمان، لن يجازفوا بعدم منح الثقة لحكومة المشيشي لأن الفرصة قد لا تتكرر أمامهم مرة أخرى للفوز بمقاعد في البرلمان، مضيفاً ليس أمامهم أي خيار سوى منح الثقة للحكومة حتى وإن كان رئيسها "الشيطان".
وفي سياق متصل يؤكد الأستاذ الجامعي والسياسي عدنان منصر لـ "عربي بوست" أن حركة النهضة ستكون مجبرة على منح الثقة لحكومة المشيشي، لأنها تخشى حل البرلمان والتوجه إلى انتخابات تشريعية مبكرة، في ظل تصدر الحزب الدستوري الحر لاستطلاعات التصويت لأول مرة.
هذا ويتيح الفصل 89 من الدستور التونسي لرئيس الجمهورية قيس سعيد حل البرلمان في حالة عدم منح الثقة للحكومة بعد مرور 4 أشهر من التكليف الأول لتشكيل الحكومة (الحبيب الجملي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019).
تفاعل إيجابي حذر
ورغم التفاعل الإيجابي للأحزاب مع تكليف رئيس الجمهورية للمشيشي بتشكيل حكومة جديدة، إلا أن أغلبها ومن بينها حركة النهضة، أوضح أن موقفها الرسمي من الحكومة الجديدة سيكون بناء على شكل الحكومة ومكوناتها ومشاورات تشكيلها.
وفي هذا السياق يؤكد النائب عن حركة النهضة محمد القوماني لـ "عربي بوست" أن الحركة تفصل بين مسار مشاورات اختيار رئيس الحكومة الذي لا توافق الحركة رئيس الجمهورية فيه (مشاورات كتابية) وفي طريقة الاختيار من خارج ترشيحات الأحزاب الكبرى على الأقل، وبين الشخص المكلف بتشكيل الحكومة، هشام المشيشي، الذي "نحمل عنه فكرة طيبة وزكيناه كوزير للداخلية في حكومة الفخفاخ"
وأضاف "كما أن المشيشي عمل في عدد من الدواوين التي كانت تترأسها شخصيات من حركة النهضة أجمعت كلها بأنه رجل يتمتع بالكفاءة ونظافة اليد".
وأضاف القوماني أن النهضة ستتفاعل مع حكومة المشيشي حسب شكلها ومشاركتنا فيها و"نعتقد أن أي محاولة لاقصاء حركة النهضة من الحكومة سيكون لها تأثير سلبي على الحكومة لأنها رقم صعب في البرلمان وفي المشهد السياسي".
حكومة سياسية
وتابع القوماني "نفضل أن تكون حكومة المشيشي حكومة سياسية متحزبة منفتحة على مختلف التيارات ولما تعزيزها بكفاءات وطنية".
وفي سياق متصل أكد النائب عن حركة الشعب عبدالرزاق عويدات لـ "عربي بوست" أن الحركة تبارك اختيار رئيس الجمهورية قيس سعيد للمشيشي لتشكيل الحكومة، حيث "تتوفر في الرجل أغلب المواصفات التي شددنا على ضرورة توفرها في رئيس الحكومة الجديد".
وأضاف أن حركة الشعب ستتفاعل إيجابياً مع حكومة المشيشي داعياً إلى توفير حزام برلماني قوي لهذه الحكومة حتى تتمكن من تحقيق الاستقرار وإيجاد حلول للأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف عويدات أن حركة الشعب ستدعم وتتفاعل ايجابياً مع حكومة المشيشي التي نعتقد أنها يجب أن تكون حكومة سياسية.
كما يؤكد منصر أن تفاعل الأحزاب وخاصة حركة النهضة مع حكومة المشيشي سيكون من خلال مقياس مشاركتها في هذه الحكومة أو على الأقل عدم تهميشها في صورة تكوين حكومة كفاءات.
وأضاف "أعتقد أن تشكيل حكومة كفاءات ومستقلين ستكون غير منطقية وتوجه غير سليم سيعقد طبيعة العلاقة بين الحكومة والبرلمان".
المشيشي رجل سعيد في القصبة؟
من جهته أكد المحلل السياسي محمد بوعود أن تكليف هشام المشيشي بتشكيل حكومة جديدة، لا يعني أن رئيس الجمهورية قيس سعيد يسعى للسيطرة على الحكومة وتوسيع صلاحياته، بقدر محاولته إنهاء هيمنة وسيطرة الأحزاب على الحكومة، والخروج بالحكومة الجديدة من منطق الحسابات والتوازنات الحزبية.
وأضاف بوعود أن تكليف رئيس الجمهورية للمشيشي يحمل رسائل مهمة كان قد أفصح عنها في خطاب التكليف، أولها أن شرعية ومشروعية مجلس نواب الشعب والأحزاب في تآكل بسبب الفوضى والصراعات التي عمقت الأزمة السياسية في البلاد.
أما ثاني الرسائل فهي أن رئيس الجمهورية يريد الاحتفاظ بزمام المبادرة وبصلاحية تكليف رئيس الحكومة من خلال تعيين رجل يدين له بالولاء بإمكانه أن يستقيل ويعيد له التكليف مثلما فعل الفخفاخ.
وثالث الرسائل إلى خصمه السياسي رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مفادها بأن هناك رئيساً واحداً للبلاد، وبأنه لن يقبل أن يشاركه في ذلك أحد.
وتوقع بوعود أن تكون الحكومة المقبلة حكومة سياسية مصغرة، بعيدة كل البعد عن المحاصصات الحزبية.
ومن جهته أكد النائب عن ائتلاف الكرامة يسري الدالي أن رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي هو رجل إدارة وقانون، لكنه حذر من أن يتحول الرجل إلى وزير أول لدى رئيس الجمهورية يقوم فقط بتنفيذ توجيهات وأوامر الرئيس.
وأوضح الدالي أن في ذلك خرقاً للدستور والعلاقات بين السلطات الثلاث، مؤكداً أن رغبة رئيس الجمهورية في السيطرة على الحكومة وتوسيع صلاحياته ستتبين من شكل الحكومة وتوجهاتها وتفاعلها مع الأحزاب والبرلمان.