في الأسابيع القليلة الماضية، خرج الرئيس الإيراني حسن روحاني، ليعلن في اجتماع لجنة مكافحة تفشي فيروس كورونا، التي يترأسها، أن 25 مليون إيراني قد أصيبوا بفيروس كورونا، وتوقع أن يصل العدد إلى ما بين 30 و35 مليون مصاب، في حين يبلغ إجمالي عدد سكان جمهورية إيران الإسلامية قرابة 80 مليون نسمة.
ترك روحاني الإيرانيين في حيرة أمام هذا التصريح المخيف، دون أن يقدم مكتبه أي تفسير عن دوافع إلقاء هذه القنبلة في وجه الشعب الإيراني.
تصريح كارثي
بعد تفشي فيروس كورونا المستجد في إيران، بأسبوعين أو ثلاثة، وعد روحاني الإيرانيين بأن كل شيء سيعود إلى طبيعته قريباً، وفي الوقت نفسه رفض كل التحذيرات التي أطلقتها وزارة الصحة والقطاع الطبي والأكاديميون والباحثون، بضرورة فرض الحجر الصحي على مدينة قم الدينية التي كانت مركزاً لتفشي الفيروس في البلاد، أو حتى فرض حظر التجوال؛ لمنع انتشار الفيروس.
وقتها قال روحاني إنَّ وضع البلاد الاقتصادي لا يسمح بهذه الإجراءات، وإنه إذا وافق على فرض الحجر الصحي وإغلاق الأسواق والشركات فسيجوع الناس وسيخرجون إلى الشوارع، بسبب الفقر والبطالة.
فلماذا قرر بشكل مباغت، أن يصرح بأن أرقام الإصابات في البلاد أعلى بنحو 100 مرة من الأرقام الرسمية المعلنة، التي وصلت إلى 270 ألف حالة إصابة.
كشف مسؤول بوزارة الصحة الإيرانية، لـ"عربي بوست"ـ رفض ذكر اسمه- عن كواليس التصريح المثير للرئيس روحاني وقال: "تركَنا في حالة صدمة، بعد هذا التصريح، حتى إنه قبل الاجتماع بنا في مقر لجنة مكافحة تفشي فيروس كورونا، لم يتشاور مع أحد بشأن إعلان تلك الأرقام، فأخرج تصريحاً كارثياً.
إلى الآن، لم يقدم روحاني أي تفسير واضح لتصريحاته، وترك المسؤولين في وزارة الصحة يواجهون موجة الفزع التي أصابت الناس ويحاولون إصلاح الصورة".
وفي محاولة لتبرير تصريحات الرئيس، قال النائب الثاني لوزير الصحة، علي رضا رئيسي، في تصريح تلفزيوني محلي، إن رقم 25 مليون إصابة الذي تحدث عنه الرئيس، قياس على زيادة عدد الاختبارات.
لم يكن تفسير النائب مقنعاً لكثيرين، فقد رأوا أن الحكومة الإيرانية تحاول إيصال رسالة ما إلى الشعب.
مناعة القطيع
منذ إعلان أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا في إيران، أواخر شهر فبراير (شباط) الماضي، حاول روحاني بشتى الطرق، إقناع الشعب الإيراني بأن الأمور تسير على ما يرام، وأن إدارته تتعامل بمنتهى الشفافية مع الفيروس، فلا خوف ولا قلق.
وعلى ما يبدو، كانت تصريحات الرئيس تهدف إلى عدم فرض حجر صحي على البلاد والتعرض لمخاطر تعطُّل الاقتصاد، لكن ما الذي يدفعه إلى التصريح بكارثة غير مؤكدة قد تبعث على مزيد من الخوف والقلق؟ فهل يهدف روحاني من تصريحاته إلى فرض بعض القيود للعبور من أزمة الجائحة؟
في حديثه لـ"عربي بوست"، يفسر أحد مستشاري الرئيس حسن روحاني- رفض ذكر اسمه- سبب تصريحه المفاجئ، وقال: "بشكل شخصي، لم أكن على علم برقم 25 مليون مصاب، ولم أتخيَّل مطلقاً أن يعلن الرئيس مثل هذا الخبر، فهو لم يتحدث لأحد قبل تصريحه أو حتى بعده، لكن تفسيري هو أن السيد روحاني يريد أن يقول للناس بشكل غير مباشر، إن إيران نجحت في مناعة القطيع".
لكن الطبيب حسين حسيني، عضو لجنة الأوبئة والأمراض المعدية التابعة لوزارة الصحة، يستبعد احتمال مناعة القطيع، ويقول لـ"عربي بوست": "حتى وإن طبَّقت إيران مناعة القطيع، فلا توجد مناعة من فيروس كورونا من دون إيجاد لقاح، وأنا أستبعد أن تقوم وزارة الصحة بهذا الأمر المؤسف".
استقالة وزير الصحة
بعد تصريح حسن روحاني الصادم، قال إن البيانات والأرقام التي أعلنها أمدَّته بها وزارة الصحة؛ وهو ما سبَّب حرجاً لوزير الصحة الإيراني سعيد نمكي، الذي كان على خلاف دائم مع الرئيس، منذ بداية الأزمة.
ويقول مصدر مقرب من وزير الصحة الإيراني لـ"عربي بوست"، مفضِّلاً عدم الكشف عن هويته: "تصريح روحاني أغضب وزير الصحة، ودفعه إلى تقديم استقالته للمرة الثانية منذ بداية أزمة كورونا، إلا أن الرئيس لم يقبل الاستقالة".
ويفسر المصدر أسباب استقالة وزير الصحة بأنه استشعر أن الرئيس يضعه في موقف حرج، ويريد أن يحمّل وزارة الصحة مسؤولية أزمة كورونا في البلاد.
ويقول: "من اليوم الأول لتفشي فيروس كورونا، والرئيس ووزير الصحة يتصارعان على إدارة الأزمة، لكن السيد روحاني لا يريد الموافقة على أي من قرارات وزارة الصحة، يريد أن يسير على خطاه هو فقط".
لا توجد خطة حكومية
في الآونة الأخيرة، وبسبب تصريح روحاني الأخير، زادت الانتقادات الموجهة إليه، وألقى كثيرون باللوم على الرئيس، قائلين إنه إذا صح أمر إصابة 25 مليون إيراني، فإنه هو من أوصل البلاد إلى هذه المرحلة، بسبب تجاهله نصائح الأطباء ووزارة الصحة.
يرى الباحث السياسي، علي رضا أميري، أن الحكومة لا تمتلك أي خطة لمواجهة جائحة فيروس كورونا، ويقول لـ"عربي بوست": "من بداية الأزمة، ومع كل قرار حكومي بشأن فيروس كورونا، ووصولاً إلى التصريح المخيف لروحاني، يثبت الرئيس أنه لا يملك أية خطة لمواجهة الفيروس، فقد ظل يعارض وزير الصحة، ويسد أذنه عن المطالبات بفرض الحجر الصحي على البلاد، حتى وصلنا إلى ذروة موجة ثانية مميتة".
وكان روحاني يكرر سابقاً، أنه يأمل أن تكون ذروة تفشي الفيروس الأولى هي الأخيرة، ورغم أنه ظل يؤكد هذه الأمنية، فإنه فاجأ الجميع حين قال إن الفترة التي ستبقاها جائحة كورونا طويلة، وإن نهايتها غير مؤكدة.
يرى السيد أميري، أن تصريح روحاني يُحرج وزارة الصحة والأرقام الرسمية المعلنة يومياً، "يعتقد السيد روحاني أنه بهذا التصريح يضع وزارة الصحة بمواجهة الناس، لكنه شريك في الأمر، فهو رئيس لجنة مكافحة فيروس كورونا، وكل قرارات اللجنة تتم بموافقته، لا شيء يُعفيه من المسؤولية".
موجة ثانيةٌ أكثر شراسة
منذ أن بدأت إيران بتخفيف القيود في منتصف شهر أبريل/نيسان الماضي، حذَّرت وزارة الصحة الشعب الإيراني من تجاهُل إجراءات الوقاية، والالتزام بالتباعد الاجتماعي؛ من أجل عدم تعرُّض البلاد لموجة ثانية من الجائحة.
لكن ما حدث هو العكس، وفقاً للتقارير الإعلامية الإيرانية، فإن حصيلة القتلى من جراء فيروس كورونا ارتفعت بشكل حاد في الأسابيع القليلة الماضية، حيث وصل عدد الوفيات إلى 221 حالة في 21 يوليو/تموز، وبلغ عدد الإصابات اليومية إلى نحو 3 آلاف حالة.
ويُرجع وزير الصحة هذا التدهور الخطير والسريع، إلى التسرع في إعادة رفع القيود، وإهمال الناس للتباعد الاجتماعي.
يقول مدير مستشفي الإمام الخميني، الطبيب خسرو صادق، لـ"عربي بوست": "الأمور تزداد سوءاً، وفي الأيام الأخيرة، زاد عدد الحالات في العناية المركزة لمن هم دون سن الثلاثين".
يخشى دكتور صادق أيضاً، من ارتفاع الإصابات في القطاع الطبي، "أبلغنا وزارة الصحة ارتفاع الإصابات بين الأطباء وطاقم التمريض، في الأسابيع الأخيرة، هناك أخطاء كارثية في التعامل الحكومي مع الفيروس".
مراسم الحداد في محرم
عندما زادت حالات الإصابات والوفيات في الأيام القليلة الماضية، قررت وزارة الداخلية الإيرانية إغلاق صالونات التجميل والمسارح والسينمات وقاعات الزفاف لمدة أسبوع واحد فقط.
في الوقت نفسه، سوف يحيي الإيرانيون ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي، الإمام الثالث لدى المسلمين الشيعة، في شهر محرم، بدلاً من تأجيل تلك المراسم، التي تكون مليئة بالناس، ومزدحمة للغاية.
أعلن الرئيس حسن روحاني، أن المراسم ستقام بشكل طبيعي، مع أخذ الإجراءات الوقائية وارتداء الكمامة، وتقليل أعداد الحشود قدر المستطاع.
يصف مسؤول في وزارة الصحة الإيرانية، في حديثه لـ"عربي بوست"، هذا الأمر بأنه درب من دروب الجنون، ويقول: "لا أعلم كيف يفكر السيد روحاني! منذ أيام خرج ليقول إن 25 مليون شخص أصيبوا، وننتظر إصابة 30 مليوناً آخرين، ثم يؤكد إقامة مراسم الحداد، أي جنون هذا؟!".
وبحسب المسؤول بوزارة الصحة، فإن هناك 25 محافظة إيرانية من أصل 31، قد أعلنت حالة الطوارئ القصوى منذ منتصف شهر يونيو/حزيران.