“يصعقوننا بالكهرباء ويمزقون ظهرونا ويطفئون السجائر في وجوهنا”, قصص تعذيب النشطاء في سجون العراق.. هل تتحرك الحكومة لوقف جرائم المليشيات؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/07/25 الساعة 12:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/19 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
ميليشيات الأحزاب المسلحة تتعقب النشطاء ثم تخطفهم وتذيقهم صنوف العذاب فهل الحكومة لا تعلم أم أنها متواطئة / رويترز

لا يزال مسلسل الخطف والتعذيب يُمارس على نطاق واسع في العراق، خصوصاً بحق الناشطين السياسيين والمدنيين، وسط فوضى سياسية وتورط أحزاب وقيادات سياسية بعمليات اختطاف واعتقال في ظل انهيار النظام الأمني وعدم قدرة الحكومة العراقية على ملاحقة القتلة والمسلحين.

يعيد هذا المشهد تاريخ السنوات القديمة من القمع والانتهاك وتغييب كل من يكشف عن قضايا الفساد أو يطالب بإجراء إصلاحات في البلاد، في ظل استمرار معاناة الشعب العراقي مع ضياع حقوقه المشروعة بالتعبير عن رأيه وكشف الفساد.

وفيما يبدو أن هناك عجزاً حكومياً في إيجاد استراتيجية ردع لليد المسلحة التي تعبث بالأمن الداخلي، والأمم المتَّحدة تراقب بصمت سير الأحداث ولا تحرك حقيقياً للدفاع عن القضايا الاجتماعية، وصمت حيال انتهاك حقوق الإنسان في العراق الذي وصل  به الحال لاختطاف شخصيات مرموقة من المثقفين والناشطين السياسيين والشباب المحتجين في ساحات التظاهر.

تقف الحكومة العراقية عاجزةً عن ملاحقة القتلة والجماعات المسلحة التي تعتقل وتختطف، وتشير التقارير الحقوقية إلى أن الحكومة لا تستطيع الإعلان عن الأسماء والجهات التي تنتهك القانون، فمن يمتلك الجرأة لقمع الحريات هو بحد ذاته يواجه مهمة الدولة بحصر السلاح المنفلت وتطبيق السلم الأهلي.

الخطف بعد انتهاء المظاهرة

لم تكن جرائم الخطف شائعةً في الأيام الأولى للتظاهرات، كان احتمال موت المتظاهر هو الأقرب في كل لحظة في "التحرير" وساحات الاحتجاج الأخرى في المحافظات نتيجة الاستخدام المفرط لقنابل الغاز المسيل للدموع القاتلة والتي اختلفت الروايات الحكومية بشأن نوعيتها ومصدرها ومن يستخدمها، وقتها كان الرصاص العشوائي لا يبرأ من اغتيال أبرز المؤثرين في التظاهرات.

وبعد إخماد التظاهرات واستجواب الناشطين برزت مرحلة خطيرة في عمليات القمع وهي اختطاف الشباب من أماكن عملهم أو من أمام بيوتهم، حيث كان هناك سيارات لا تحمل لوحة أرقام يقودها رجال ملثمون يراقبون النشطاء لحين التأكد من تركهم مواقع عملهم، وفي الليل يتم اختطافهم وتغييبهم عن العالم.

يكشف ضابط متقاعد في الاستخبارات في العاصمة بغداد لـ"عربي بوست" كواليس الخطف والتحقيق قائلاً: "تردنا معلومات دقيقة عن تفاصيل حياة الناشطين المدنيين الذين شاركوا سابقاً في التظاهرات، وتأتينا أوامر باستجوابهم، فعندما يتم اعتقالهم بذريعة التحقيق، في هذه الأثناء تتدخل قوة مسلحة من ضباط إيرانيين معهم مترجم عراقي ويتسلمون مهمة التحقيق ويبعدوننا عن القضية".

وحول مواصفات المختَطَفين وأسباب اختطافهم يقول: "وفقاً لمتابعات فريق التحقيق، تختلف أعمار المختطفين وانتماءاتهم وميولهم، كما تختلف أساليب اختطافهم واستدراجهم، لكنهم يشتركون في "جريمة الاحتجاج على الجهات الحاكمة"، والتي كانت أثناء عمليات الاستجواب والتعذيب تحمل عناوين "تلقي أموال خارجية، والتواصل مع جهات معادية، وتخريب الممتلكات العامة".

ويضيف الضابط الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: "هناك عمليات قمع كثيرة تحدث في السجون، وهناك ضباط كثيرون لا يرضون باستجواب المعارضين من الشباب وتعذيبهم وتلفيق الاتهامات ضدهم، ولكن كل من يعارض كبار الضباط في الاستخبارات يتم إحالته للتقاعد أو اتهامه بالتعاون مع الناشطين".

تواصل فريق تحقيق "عربي بوست" مع عائلة الناشط الحقوقي المختطف "علي جاسب"، فقال لنا والده: "اختطف ابني في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019، ولم نسمع أي خبر عنه، وكلما ذهبت لجهاز الاستخبارات والأمن الوطني يقولون لنا ليس لدينا أي معلومات عن ابنك، أو ربما قد مات".

ويتابع والد الناشط: "كان ذنب "علي" الوحيد أنه انتقد سياسات القمع والتهجير ونهب خيرات البلاد، وقد تحدث بصوت عالٍ للدفاع عن قضايا المظلومين في السجون فاختطفوه، ولم يبقَ لدينا أمل بعودته، ونطالب القضاء العراقي بمحاسبة المختطفين الذي دمروا حياتنا، فإن مات حقاً فقد يتّم أطفاله ورمّلت زوجته".

وقد رصدنا عدة حالات مؤكدة لنشطاء مختطفين تعد بالعشرات وفق مصادر متعددة تواصلنا معها أثناء إعداد التحقيق، وهو ما يؤكده عضو مفوضية حقوق الإنسان فاضل الغراوي، قائلاً إن "المفوضية وثقت 79 حالة اختطاف أو إخفاء قسري بحق نشطاء ومتظاهرين بينهم 4 فتيات منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019 حين انطلقت الاحتجاجات حتى منتصف شباط/فبراير 2020، أُطلِق سراح 22 منهم فقط، وما زال بقية المختطفين مغيبين".

قصص التعذيب بالسجون

اختلفت أشكال التعذيب بحق المعتقلين أثناء التحقيق في السجون، فمنهم من تم صعقه بالكهرباء ثم سُكب الماء البارد على جسده وبعدها تعرض للجلد بالعصي.

ومنهم من زُج به في زنزانة انفرادية بلا سقف يغطي الحجرة تحت أشعة شمس تخطت درجة حرارتها 56 مئوية وقد حرم من الطعام 3 أيام.

ومنهم من عُلّق من رجليه بسقف محبسه وتدلت رأسه نحو الأرض، ثم تعرض للحرق والضرب المبرح بأدوات حادة.

ومنهم من تُرك للكلاب تنهش أجزاءً من جسده وتجرّه سحلاً في أروقة السجون، وغيرها الكثير من الأساليب البشعة.

التقينا بأحد المعتقلين، أُطلق سراحه قبل 6 أيام، بعد اعتقال دام 3 أشهر، ووصف لـ"عربي بوست" شيئاً مما تعرض له، وقال: "يستخدم معنا الضباط في جهاز الأمن الوطني أقسى الأساليب في الاستجواب، ويتهمونا بالتعاون مع الإرهاب، ويهددونا بتلفيق التهم المزيفة مثل تأييدنا لتنظيم داعش وتخابرنا مع أجهزة أمنية تابعة لدول الخليج، أو ربطنا بمؤسسات أمريكية مختلفة".

ويتابع المعتقل الذي طلب عدم ذكر اسمه: "تهمتنا الحقيقية أننا ظهرنا على قنوات فضائية وطالبنا بإجراء إصلاحات والقضاء على الفساد وإبعاد العراق عن الصراعات الإقليمية، ورفض تدخل إيران وتسليحها المتطرفين وقتلها الشعب، وقد تلقينا تهديدات كثيرة بالتصفية من فصائل مسلحة مختلفة أبرزها ينتمي لعصائب أهل الحق، وكتائب الخراساني".

ويصف أنواع التعذيب ويقول: "اعتقلوني من وسط بيتي في حي العامرية وسط بغداد، حيث جاءت قوة أمنية وداهمت بيتنا وأخذوني من أمام أعين والداي، وصرخوا بوجه إخواني الصغار، وتوعدوا أهلي بملاحقتهم إذا رفعوا أية دعاوى قضائية".

ثم غطوا رأسي بكيس أسود، واقتادوني لمكان لا أعرفه، وبدأوا بتعذيبي، فانهالوا عليّ بالعصي وضربوني على وجهي بكعب سلاح "الكلاشينكوف" حتى وقعت مغشياً عليّ

وبعد ساعات سكبوا الماء على وجهي وأيقظوني عنوة ثم جروني سحلاً من قدمي نحو غرفة التحقيق.

ويستطرد في ألم: "أتى الضابط ووقف أمامي ثم أطفأ سيجارته في وجهي، وقال لي أنت متهم بالإرهاب! ثم أمر جنوده بجلدي بسوط صنع من أسلاك الكهرباء، ثم بدأوا بضربي بكل الأساليب حتى كسرت ذراعي اليسرى".

استمرت حفلة التعيب حتى أتوا بشفرات حادة وأخذوا يجرحون ظهري بها عدة مرات ثم سكبوا على ظهري الماء البارد وألقوا عليه الملح ليزيد ألمي وعذابي.

ولم يكتفوا بذلك، بل ربطوني من ذراعي وعلقوني بالسقف وتركوني عارياً طوال الليل، ولم ينتهِ الحال إلى هذا الحد بل صعقوني بالكهربائي ثم وضعوا مادة مخدرة في كوب من الماء وأجبروني على تناولها".

يقول الحقوقي أحمد الدليمي لـ"عربي بوست": "لا يوجد في العراق أنظمة قانونية رصينة، فالأحزاب تسيطر على القضاء وتخترق البنود الدستورية، وحالات الاعتقال تصاعدت ووصلت لأكثر من 89 حالة خلال الشهرين الماضيين، والغريب بالأمر أن السلطات العراقية لا تسمح للمحامين بمقابلة المعتقلين، وترفض هذه السلطات أيضاً أن يقابل الأهالي ذويهم من المعتقلين، وعندما يتم التواصل مع بعض شيوخ العشائر للتدخل، يتم تهديدهم بالتصفية إذا تحدثوا عن قضايا الاعتقال".

اغتيال الباحث العراقي هشام الهاشمي جريمة هزت المجتمع العراقي.. ولازالت تفاصيلها غامضة

اعتقالات واغتيالات

ممارسات العنف التي انتهجتها السلطات الأمنية تحولت في أكثر من مرة إلى وقود للاحتجاج، فكان العنف سبباً في تزايد أعداد المحتجين واستمرار زخم التظاهرات المطالبة بالإصلاح وإنهاء الفساد وتحسين الخدمات.

حتى ارتفع سقف هذه المطالبات إلى تغيير الطبقة الحاكمة والنظام السياسي في البلاد، ما أدى لتزايد عمليات قتل الناشطين واستهدافهم، كما حدث قبل فترة عندما قامت مجموعة مسلحة باقتحام مرآب منطقة السنك وساحة الخلاني القريبتين في بغداد.

وأطلقت النار على المتظاهرين بصورة عشوائية خلّفت 25 قتيلاً فيما عرف لاحقاً بـ"مجزرة السنك"، التي هيّجت الشارع العراقي والمنظمات الحقوقية للمطالبة بتدخل أممي لإيقاف ماكينة العنف التي تستخدمها الحكومة ضد الشعب.

وهنا يتحدث موظف في قسم الرصد بالمفوضية العليا لحقوق الانسان التابعة للحكومة العراقية، ويقول لـ"عربي بوست": "المحللون السياسيون والناشطون المدنيون أصبحوا قوة تهدد امتيازات الأحزاب السياسية التي تعتقد أن الاحتجاجات والخطابات الإعلامية وتصاعد المناشدات المطالبة بالتغيير قد تكون سبباً بفقدانهم أموالهم وامتيازاتهم".

ويضيف: "بالتأكيد تعتم الحكومة على عمليات الخطف والاغتيال لأن القتلة يحملون جنسيات إيرانية وبعضهم من حركات عسكرية لبنانية، وقد نتعرض نحن في المفوضية أيضاً للتصفية، لأننا نرصد حالات الاغتيال ونوثقها، بعد ذلك نرسلها للدولة، وحينها تبدأ مرحلة التهديد، وتصلنا اتصالات من زعماء بعض الفصائل المسلحة المتهمين بملاحقة وقتل المعارضين لسياستهم في العراق، ثم يحاولون ابتزازنا".

ويتابع: "وثقنا في مفوضية حقوق الإنسان، مقتل أكثر من 850 شخصاً، بينهم 158 شخصاً قُتلوا في الأيام الأولى من شهر أكتوبر/تشرين الأول، و399 بين 25 تشرين الأول 2019، والبقية منذ بداية عام 2020 وحتى هذه اللحظة".

وأبرز عمليات الاغتيال كانت حادثة قتل الخبير الأمني والاستراتيجي هشام الهاشمي الذي تعرض للتهديد من قبل كتائب حزب الله العراقي، وقد طالبنا محاسبة زعيمهم "أبوراتب العسكري"، لكن تعرضنا لضغوط كبيرة من تحالفات سياسية كتحالف الفتح وكتلة صادقون النيابية، ما أدى إلى تحويل مجرى التحقيق واتهام تنظيم داعش، وذلك بهدف تظليل حقائق القضية ودفن الحقائق".

من جهته يقول منتج أخبار سابق في قناة العراقية الرسمية لـ"عربي بوست" عن حادثة مقتل الصحفي أحمد عبدالصمد في البصرة: "لدينا معلومات وصور مختلفة للجهات التي تغتال الصحفيين، لكن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي زرع رجاله داخل شبكة الإعلام العراقي، كي يزيفوا الأخبار والوقائع، وبعده جاء الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة عبدالكريم خلف، وكذّب كل الحقائق وغطى على عمليات القتل والاغتيالات، وهذا ما دفعني لأستقيل من عملي في القناة".

ويشير منتج الأخبار -الذي رفض ذكر اسمه- إلى تعمد الحكومة تضليل الحقائق، وقال: "الحكومة العراقية تعرف جيداً من يغتال الناشطين والصحفيين والمحللين السياسيين، وهي لديها القدرة على كشف القضايا وملابسات عمليات القمع، لكنها تتواطأ مع الجهات السياسية والميليشيات التي تدفع الأموال للقنوات الحكومية كي تخفي انتهاكات المسؤولين وزعماء الكتل في البرلمان".

تهمة العمالة للسفارات الأجنبية

وفق شهادات لتسعة أشخاص من المختطفين تنوعت أساليب التعذيب التي استخدمت معهم، لكنها تشابهت في أنها مؤلمة حدّ تركها آثاراً على أجسادهم وفي نفوسهم، فإن "التهم التي اشتركوا بتلقيها من قبل الخاطفين تنحصر في إطار العمالة لدول أجنبية، وتلقي مبالغ مالية من السفارات لتنفيذ أجندتها، والتحريض على التظاهر أو انتقاد الميليشيات التي اخترفت الدولة وسرقت مقدرات الشعب بسلطتها العسكرية وامتلاكها السلاح المنفلت".

تواصلنا في "عربي بوست" مع أحد الذين اختطفوا من محافظة ذي قار جنوب العاصمة بغداد، وهو ناشط سياسي منذ عام 2017 ظهر بشكل متكرر على القنوات الفضائية وانتقد بشكل صريح التيارات الإسلامية التي تأخذ أوامرها من إيران، "والتي تتخذ من ميليشياتها قوة ضاغطة لابتزاز كل من يطالب بالعدالة ويدافع عن حقوق الإنسان".

ويتحدث المختطف السابق لـ"عربي بوست": "كنت جالساً في أحد المقاهي في ذي قار، وفجأةً داهمت المقهى قوة مسلحة ملثمة واختطفتني واصطحبتني إلى مكان مجهول في منطقة بعيدة عن مركز المدينة، وما أن وصلنا للمكان حتى غطوا عينيّ وأدخلوني في غرفة مظلمة، ثم دخل مجموعة من الملثمين وضربوني وكسروا أعمدة الكهرباء على رأسي".

ويسرد الناشط قصة استجوابه: "استجوبتني مجموعة من الرجال الذين كانوا يرتدون زياً عسكرياً بلا رتُب على أكتافهم، وقد سألوني: "هل أنت عميل للسفارة البريطانية أم ملحد، أم أنك أحد عناصر الجيش الإلكتروني للجوكر الأمريكي؟".

فأجبتهم بأنني مواطن عراقي مستقل لا أنتمي لأي جهة، فقط أحاول الدفاع عن قضايا الناس، لكنهم كرروا عليّ التُّهم ذاتها طيلة أيام اختطافي التي بلغت 37 يوماً، التي تعرضت خلالها للضرب والتعذيب بوسائل مختلفة شملت الضرب بأعقاب البنادق والأحذية.

وعندما عجزوا عن استنطاقي بما يريدونه ربطوا أسلاك الكهرباء بجسدي وصعقوني في فخدي وساقي، ومن شدة الضرب كسروا فقرات في ظهري، وبسببها لا أستطيع الوقوف لدقائق معدودة.

دفع الفدية لإطلاق السراح

تواصل "عربي بوست" مع جمعية المواطنة لحقوق الإنسان لسؤالها عما يدور في كواليس قرارات الإفراج عن المعتقلين، فأجاب ممثل الجمعية قائلاً: "كشفنا عن وجود 150 شاباً معتقلا في قاعدة الإمام علي الجوية في محافظة ذي قار جنوبي البلاد، وتم إطلاق سراح 52 منهم بكفالات مالية تقدر بـ15 مليون دينار عراقي (حوالي 12500 دولار)، والتوقيع على تعهد بعدم التظاهر أو انتقاد الحكومة، في حين ما زال هناك 98 معتقلاً يصعب الوصول إليهم أو معرفة مصيرهم.

ويكشف ممثل الجمعية عن تغيير سبب الاعتقال، حيث تم فرض توقيع إفادات على المعتقلين باعتبارها تهماً جنائية مثل تخريب المؤسسات والحرق والتكسير، وهي أمور غير صحيحة لأن الاعتقال جرى خلال المظاهرات السلمية، لكن بعض المحققين يجبرون المعتقل الشاب على الاعتراف بارتكابه لهذه التهم خلال الإدلاء بإفادته.

من جانبه يتحدث الناشط الدكتور ميثم الحلو لـ"عربي بوست" ويسرد أحداث قصته بعد إطلاق سراحه بعد 28 يوماً من الاختطاف، وكان قد تلقى اتهامات مختلفة، وبهذا السياق يتحدث ميثم الحلو ويقول: "حقق معي أشخاص ملثمون كان لهجة حديثهم من المناطق الشعبية في بغداد، واتهموني بالتحريض وتخريب مؤسسات الدولة.

وقد لفقوا قصصاً غريبة أبرزها أنني أتقاضى راتباً من السفارة الأمريكية يُقدر بـ 5000 دولار مقابل انتقاد الفصائل المسلحة، وحقيقية تهمتي هي أني خرجت سابقاً في التظاهرات وطالبت بحصر السلاح بيد الدولة.

وأشار إلى ما جرى له قائلاً: "أطلقوا سراحي بعد دفع فدية مالية للعصابة الخارجة عن القانون وصلت إلى 10.000 دولار، لذا أطالب الحكومة العراقية بالكشف عن هذه الجماعة المسلَّحة ومنع اختطاف المدنيين، وأدعو الحكومة إلى ضبط الأمن وتفعيل دورها الاستخباراتي والتوقف عن التذمر وإلقاء اللوم على الجماعات المسلَّحة، لأنها الحكومة وهي الجهة المسؤولة عن أرواح المواطنين، وهي من يتحمل مسؤولية ما يجري من انتهاكات".

القضاء العراقي متورّط بالصمت

لا إحصاءات بشأن عدد المختطفين والمعتقلين في السنوات الأخيرة ولا أرقام عن عدد الناجين والمقتولين منهم. وعادةً ما تنتهي التحقيقات في عمليات بلا دون نتائج حتى لمن تفرج عنهم مجموعات الخاطفين. ومع حالات الاختفاء وصمت المُفرج عنهم وغياب نتائج التحقيقات لا تُعرف تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة المغيبين، وإذا ما تعرضوا للتعذيب أم تمت تصفيتهم سريعاً.

من جهته يتحدث قاضٍ رفيع المستوى في إحدى المحاكم العراقية لـ"عربي بوست" قائلاً: "خلال عام 2019 وإلى منتصف عام 2020 عُرضت علينا قضايا معقدة تشابكت فيها الأسباب وسادها الغموض بسبب تورّط شخصيات سياسية وأمنية كبيرة بملف اغتيال المعارضين والناشطين".

وإذا ما تحدثنا بشكل جريء، فإن الآف من المعتقلين القابعين في السجون هم أبرياء، لكن لا نستطيع تبرئتهم لأن مجلس القضاء الأعلى يغطي على قضايا الفساد ويزور السجلات ويحرق الوثائق كي تنتهي ملامح الجرائم التي ترتكبها بعض الأحزاب السياسية.

ويؤكد القاضي: "هناك اغتيالات كثيرة حدثت في محافظة نينوى والبصرة وبغداد والناصرية لأهم المفكرين والمثقفين وحتى بعض الضباط الذي طالبوا بالاصلاحات، وتم اغتيالهم من قبل جهات مسلحة تابعة لأحزاب سياسية يقودها التيار الصدري وحركة النجباء وكتائب الإمام علي، والأسماء معروفة لدينا.

وقد رفعناها للجنة القانونية النيابية في البرلمان، لكن وردتنا اتصالات بالتهديد إذا ما تم حرق الملفات وإسدال الستار على هذه القضايا، ولدينا الكثير من الملفات التي تورّطت بها جهات أمنية بعمليات الاغتيال سواءً في وزارة الداخلية أو بعض ألوية هيئة الحشد الشعبي.

لم تنتهِ قصص اختطاف الناشطين العراقيين، فقد وصل الأمر لإختطاف النشطاء الأجانب، ومنهم الناشطة الألمانية "هيلا ميوس" صاحبة مشروع موسيقي فني اسمه "تركيب"، التي أيدت التظاهرات العراقية، وقد اختطفها مسلحون في وضح النهار قبل 5 أيام، وتم الإفراج عنها بعد ضغوط من السفارة الألمانية وخطاباتها الرسمية مع الحكومة العراقية.

وهذا بحد ذاته يهدد العلاقات بين البلدين، ويطرح سؤالاً مهماً: "كيف تمكنت الحكومة من معرفة المسلحين وقد أطلقت سراح الناشطة الألمانية، ولماذا تسكت الحكومة ذاتها عن اعتقال مئات العراقيين ولا تسعى لإطلاق سراحهم وتتغافل عن القتلة والمجرمين؟

شهدت الأعوام الأخيرة في العراق في ظل سلطة الأحزاب السياسية الموالية لأجندات خارجية عودة الممارسات القمعية، كالمداهمات الليلية، والاعتقالات دون أوامر قضائية، والاختطاف، والتغييب، وإخفاء مصير المختطف، وانتزاع التعهدات، إلى جانب التعذيب الوحشي، والتصفيات الجسدية، في أقبية الأجهزة الأمنية، وبلغت الممارسات الراهنة في العراق حد إطلاق الرصاص الحي وقتل المتظاهرين السلميين المطالبين بأبسط حقوقهم المشروعة.

إن القمع الحكومي لم يتوقف على مر السنوات السابقة تجاه الصحافيين والناشطين بمختلف المجالات، وللأسف بعد شرعنة وجود جماعات مسلحة ضمن مؤسسات الدولة الأمنية، أصبح الأمر أخطر بكثير على المؤثرين والعاملين في الرأي العام، وهذا ما يستدعي كسر الصمت الدولي الطويل وتدخل المنظمات الأممية للمطالبة بصيانة حقوق المواطنين العراقيين.

تحميل المزيد