شهد البرلمان التونسي أحداثاً مؤسفة مؤخراً أدت إلى اشتباك بين نواب تونسيين، بسبب ممارسات رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى.
وتسبب اعتصام أعضاء الحزب في قاعة البرلمان الأساسية في أزمة داخل البرلمان، بعدما منعت عقد جلسات مهمة له، بدعوى رغبتها في سحب الثقة من رئيسه راشد الغنوشي، (رغم فشلها في محاولات سابقة).
وقال الرئيس التونسي، قيس سعيّد، الإثنين 20 يوليو/تموز 2020، إن تعطيل عمل مجلس نواب الشعب (البرلمان) أمر "غير مقبول بأي مقياس من المقاييس"، ملوِّحاً باتخاذ إجراءات قانونية، في ظل "تهاوي مؤسسات الدولة"، وملمحاً إلى احتجاجات قامت بها كتلة "الدستوري الحر" برئاسة عبير موسى، وتعطيلها عمل المجلس ورئيسه راشد الغنوشي.
وبلغت الخلافات داخل البرلمان التونسي درجات كبيرة من التصعيد، وانتقلت من العنف اللفظي إلى المادي، بسبب تواصل اعتصام بعض النواب داخله، وفق تقارير إعلامية.
وأعلنت الكتلة البرلمانية لحركة النهضة في تونس (54 نائباً من 217)، مؤخراً، اعتزامها مقاضاة 4 من نواب كتلة الحزب الدستوري الحر (16 نائباً)، بتهمة الاعتداء "لفظياً وجسدياً" على النائب موسى بن أحمد.
وكان النائب عن حركة النهضة بشر الشابي قد تقدم بشكوى جزائية مؤخراً ضد عبير موسى، بتهمة كسب أموال دون وجه حق، وتعطيل أعمال البرلمان عبر تلقي أموال من الخارج، وتحديداً من الإمارات.
وقال الشابي، إن "عبير موسى كانت تعمل محامية سنة 2010، وعملت بمنصب كاتبة دولة (أقل من وزير)، مشيراً أن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي قام بتعيينها في منصبها، قبل أن يتم إنهاء مهمتها في 2011.
وقامت النيابة التونسية بمعاينة لقاعة البرلمان، وسادت حالة من الفوضى أروقة المجلس بسبب رفض رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر عبير موسى هذه المعاينة.
المفارقة أن عبير موسى التي تجاهر بعدائها للديمقراطية التونسية اعتبرت أن معاينة النيابة للبرلمان سابقة خطيرة.
فمن هي عبير موسى التي سبّبت كل هذه المشكلات، وما حقيقة علاقتها بالإمارات.
مرتضى منصور تونس
تتسم عبير موسى بكونها شخصية شعبوية أقرب لنموذج مرتضى منصور وتوفيق عكاشة في مصر، ودونالد ترامب في أمريكا، وأبعد ما تكون عن نماذج التيار العلماني النخبوية على غرارالرئيس السابق قايد السبسي ورئيس الحكومة السابق يوسف شاهد.
فنراها تصف نفسها بأنها عابرة للقارات وليست شخصية عابرة.
وهي لا تكتفي برفضها للربيع التونسي وإعلان تأييدها للرئيس التونسي السابق علي زين العابدين على استبداده، بل تهاجم قايد السبسي، أبرز الرموز العلمانية في تونس، لأنه لم يطح بالربيع التونسي، وكأنها تريد العودة للاستبداد، فهي لا تريد هزيمة الإسلاميين عبر صندوق الانتخابات، بل عبر العنف، كما حدث في مصر.
والنائبة عبير موسى هي محامية من مواليد العام 1975، وهي رئيسة الحزب الدستوري الحر الذي يستحوذ على كتلة صغيرة داخل البرلمان، وهو الحزب الذي يضم عدداً من أنصار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي حكم تونس بالحديد والنار، حتى تمت الإطاحة به بواسطة الثورة الشعبية عام 2011.
وعبير موسى كانت من أبرز مناهضي ثورة الياسمين التي قام بها الشعب التونسي في العام 2011، وكانت تقود منذ ذلك التاريخ حراكاً مناهضاً للثورة، ومؤيداً لبقاء المخلوع زين العابدين بن علي في السلطة، حسب موقع "عربي 21".
وهناك فيديو مسجل يعود إلى الأيام الأولى من ثورة 2011، تظهر فيه موسى وهي تقود مظاهرة نسائية تهتف لابن علي وترفع صوره، حيث تهتف السيدات: (التجمع حزبنا.. ابن علي رئيسنا) والعديد من الهتافات الأخرى التي تمجد بن علي وتدعو لبقاء نظامه.
حقيقة العلاقة مع الإمارات
هناك العديد من التقارير تحدّثت مؤخراً عن "علاقة بين النائبة عبير موسى ودولة الإمارات"، خاصة في أعقاب محاولتها إدانة التدخل التركي في ليبيا دون إدانة التدخل الإماراتي.
وذهبت بعض التقارير إلى وصف موسى بأنها "نائبة الإمارات في مجلس نواب الشعب التونسي".
ويمكن رصد علاقة عبير موسى مع الإمارات، من خلال متابعة تغطية الإعلام الإماراتي والسعودي لها، إذ يتم الاحتفاء بأي تصرف تقوم به كأنه لا أحد غيرها في البرلمان، رغم أن وزن حزبها محدود للغاية.
الحزب الدستوري الحر لا يرى سوى الغنوشي
خطفت النائبة في البرلمان التونسي عبير موسى الأضواء وتصدرت حديث وسائل الإعلام مؤخراً، بعد أن شنت حملة واسعة النطاق ضد رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي.
حاولت موسى وكتلتها المعارضة داخل البرلمان تسديد ضربات سياسية لرئيس البرلمان راشد الغنوشي، لكنها فشلت بسبب عدم حصولها على الدعم الكافي، حيث انعقدت جلسة بخصوص الوضع في ليبيا وصفتها النائبة بأنها جلسة "مساءلة سياسية لرئيس البرلمان"، لكنها انتهت برفض إقرار الوثيقة التي تقدمت بها.
يشار إلى أن كتلة "الحزب الدستوري الحر" التي ترأسها النائبة عبير موسى تضم 16 نائباً فقط من أصل 217 مقعداً هي مجموع أعضاء المجلس، بينما تشكل حركة النهضة أكبر كتلة داخل البرلمان وتضم 54 نائباً، فيما يشغل زعيم "النهضة" الشيخ راشد الغنوشي الذي عاد إلى تونس من منفاه بعد الثورة منصب رئيس البرلمان.
ووجهت موسى للغنوشي ولحركته العديد من الاتهامات في أعقاب فشلها وفشل حلفائها في تمرير أي قرار برلماني ضد "النهضة".
ووصلت الاتهامات التي وجهتها موسى للغنوشي وحركة النهضة إلى درجة الادعاء بالتخطيط لاغتيالها من أجل التخلص منها، حيث زعمت أنها "تلقت تهديداً بالاغتيال عن طريق سيارة مفخخة"، وأضافت أنها حصلت على "معلومات تفيد بقيام الإخوان برصد كل تحركاتها".
والمفارقة أنه في الأغلب فإن ابتذال عبير موسى يرفع من شعبية الغنوشي ويؤذي معارضيه الأكثر جدية من اليسار والتيار الناصري.
ولكن لماذا تهاجم عبير موسى الغنوشي بهذه الحدة وتُسبب كل هذه الفوضى؟
لا تعكس حالة التشنج التي تتسم بها عبير موسى في مواجهة الغنوشي وحزب النهضة، فقط غضب موسى وداعميها من الإسلاميين، ولكن يمكن القول إنها تعكس إحباطاً إماراتيا سعودياً، من العلمانيين التونسيين المقربين من الدولة العميقة ورجال الأعمال.
فمنذ فوز قايد السبسي بالانتخابات الرئاسية التونسية سعت الإمارات وحلفاؤها المشرقيون إلى أن يكون السبسي هو سيسي تونس، ويقوم بانقلاب غير دستوري على الإسلاميين ويضعهم في السجون، لا أن يواجههم في البرلمان وفي صناديق الاقتراع.
ولكن السبسي الذي وصل للحكم على أساس عدائه للإسلاميين رفض هذا الخيار، كما كشف مسؤول بالنهضة مؤخراً.
إذ قال عبدالكريم الهاروني، رئيس مجلس شورى حركة "النهضة" التونسية، الأحد 5 يوليو/تموز 2020، إن "الإمارات حاولت إغراء الرئيس الراحل، الباجي قايد السبسي، بعرض مالي خيالي (لم يحدده) مقابل إقصاء النهضة من الحكم ومن الحياة السياسية، ووضع حد للتجربة الديمقراطية".
اليمين العلماني واليمين الديني
ويبدو موقف السبسي هو ذروة موقف كثير من العلمانيين التونسيين المحسوبين على الدولة العميقة.
فموقف هذا النوع من العلمانيين أنهم لا يحبون الإسلاميين ولكن يرفض إقصاءهم.
وهذا ليس نابعاً فقط من رفضهم للسير في الطريق الدموي الذي مشت فيه مصر دون داع، وليس بسبب حساسية وطنية تونسية للتدخل الخارجي فقط، ولكن أيضاً بسبب نقطة لا يتم التركيز عليها كثيراً.
وهي تشابه الأجندة الاقتصادية والسياسية لهؤلاء العلمانيين الدولاتيين (إذا صح التعبير) مع أجندة حزب النهضة.
بالنسبة لرجال الدولة ورجال الأعمال العلمانيين فإن الأجندة الإصلاحية المتأنية لحزب النهضة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية أقرب إليهم من فوضوية اليسار التونسي والتيار القومي، المتحالف مع الاتحاد التونسي للشغل، والتي سببت بتشجيعها للإضرابات العمالية ضرراً كبيراً بالبلاد.
ويبدو هنا النموذج التونسي أقرب للغرب، حيث يتحالف رجال الدولة والبيزنس مع المحافظين الدينيين في مواجهة الأجندة الراديكالية لليسار التي تحدث الفوضى وتسبب ارتباك الأعمال، إذا ترك لها العنان.
فالتنمية تتحقق من تراكم المكاسب للجميع في المجتمع وليس عبر الاضطرابات التي لا تتوقف (فعلياً في الغرب يتحقق التقدم والمكاسب لكل الأطراف عبر التوازن بين رغبات اليمين في الاستقرار والاستثمار والتراكم المالي والحقوق التي يطالب بها اليسار).
ويظهر ذلك واضحاً في تقارب النهضة مع حزب قلب تونس، الذي أسّسه رجل الأعمال والمرشح الرئاسي نبيل القروي (اتهم من قبل بالفساد)، والذي يوصف بأنه مقرب لدوائر الأعمال والدولة العميقة.
المشكلة أن ما تفعله عبير موسى لا يضر بالغنوشي والنهضة بقدر ما يضر بالتجربة التونسية برمتها، فالتصدي لها بحزم سيقلل من زهو الديمقراطية التونسية، وتركها سيشجع الفوضى وسيكون تكراراً للسيناريو المصري، الذي سمح للتدخل السعودي الإماراتي بأن يفسد الديمقراطية المصرية، وخاصة أن مسألة التدخلات الخارجية مسألة حساسة في أي تجربة ديمقراطية.